مازالت المدن الجزائرية تمتلئ عن آخرها بالمتظاهرين كلّ أسبوع، منذ أكثر من ستة أشهر، ومازالت اللافتات تحمل الشعارات نفسها تقريبًا، خاصّة خلال الأسابيع الأخيرة. متمسّكة بمطلب تنحية الحكومة والانتقال السلمي للسلطة.
تواصل السلطة وهيئة الحوار التغاضي عن الانتقادات التي تطالها في الشارع
في مقابل ذلك تواصل السلطة وهيئة الحوار، التغاضي عن الانتقادات التي تطالها في الشارع، والاستمرار في طرح البدائل والمقترحات للخروج من حالة الانسداد السياسي في البلاد، وبالموازاة مع كل هذا، تتحرّك شخصيات من المجتمع المدني، للعب دور طوق النجاة، في حالة ما إذا فشلت مساعي الحوار.
اقرأ/ي أيضًا: 6 أشهر في شوارع الجزائر.. هذه هي غنائم الحراك الشعبي
في لقاء تشاوري هو الأوّل من نوعه، اجتمع يوم السبت الماضي بقصر المعارض بالجزائر العاصمة، ممثلو المجتمع المدني مع عددٍ من الأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية. كان هدف اللقاء تقريب وجهات النظر، ومناقشة الأوضاع السياسية واقتراح حلول ممكنة للأزمة التي تشهدها البلاد.
في هذا السياق، أوضح الحقوقي سعيد صالحي، وأحد نشطاء في فعاليات المجتمع المدني أن "هذا اللقاء التشاوري، يندرج ضمن مسار الذهاب نحو ندوة وطنية جامعة، وهو لقاء مكمّل لمبادرة المجتمع المدني الذي انعقدت في 15 جوان/ يونيو، والتي جمعت حوالي 150 جمعية وطنية من مختلف التيّارات الفكرية والقطاعات".
وأشار صالحي في حديثه لـ "الترا جزائر"، إلى أن التحضير لهذا اللقاء التشاوري لم يكن بالأمر السهل والهيّن، مضيفًا أنّ هذه الندوة، وبناءً على تجربة فعاليات المجتمع المدني، التي تضمّ تحت لوائها توجّهات أيديولوجية ومجتمعية متعدّدة ومتنوعة، مكّنت من جمع الفرقاء السياسيين، الذين تتباعد تصوّراتهم ومقترحاتهم، على حدّ قوله.
أشار المتحدّث إلى أن الساحة السياسية تعرف ثلاث مبادرات وطنية؛ هي أرضية فعاليات المجتمع المدني، ومبادرة البديل الديمقراطي، التي انعقدت في 26 جوان/ حزيران، إضافة إلى خارطة طريق الندوة الوطنية المنعقدة في 6 جويلية/ تمّوز بعين البنيان، مشدّدًا على "ضرورة فتح النقاش والحوار مع مختلف هذه أصحاب المبادرات، قصد إيجاد القواسم المشتركة أو تقريب وجهات النظر، والجلوس والاستماع إلى مختلف الطروحات، بعيدًا عن الأحكام المسبقة والجاهزة".
جدير بالذكر، إلى أن نقطة الخلاف بين البديل الديمقراطي وأنصار الندوة الوطنية، يكمن في أن الأوّل يتبنّى خيار المرحلة التأسيسية والانتقالية، بينما يرى أنصار الندوة الوطنية ضرورة الذهاب إلى انتخابات رئاسية وفق شروط محدودة.
مبادرات صادقة
على هامش أشغال الندوة، علق الناشط السياسي كريم طابو، على هذا الاجتماع قائلًا: "نحن بحاجة إلى مبادرات حقيقية وصادقة، تكون بعيدة عن الحسابات السياسيوية، فالأزمة الجزائرية سياسية، وبالتالي لابدّ من البحث عن حول سياسية جادّة، وبعيدة عن الحسابات الضيّقة والفردانية".
واعتبر رئيس الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي (قيد التأسيس)، في تصريح لـ"الترا جزائر"، أن عيوب وضعف الطبقة السياسية، تعود إلى بحثها عن التموقع داخل مؤسّسات السلطة بدل إيجاد موضع لها داخل المجتمع، إضافة إلى طبيعة النقاش السياسي السائد، الذي يدور حول شخصنة المسائل السياسية، بدل مناقشة الأفكار والمقترحات، كذلك يرجع الأمر إلى البعد الجهوي في بعض المقاربات السياسية، يضيف المتحدّث.
ويشدّد البرلماني السابق، على أن الحراك الشعبي، تجاوز كل الانتماءات الجهوية والحسابات السياسية الضيّقة، وتجاهل الحساسيات الأيدولوجية، مضيفًا أن مبادرات من الطبقة المثقّفة ومساهمة المجتمع الأكاديمي والمدني، كفيلة بإعادة بناء ومدّ جسور الثقة بين مختلف الفعاليات السياسية والمجتمعية، وأشار طابو إلى أن نجاح أي مبادرة سياسية، مرتبط بمصداقيتها، بعيدًا عن النفاق السياسي، على حدّ قوله.
ضرورة تجاوز الخصومات
وحول حظوظ ندوة فعاليات المجتمع المدني، قال الباحث الأكاديمي ناصر جابي لـ"التر جزائر"، إنّ الأمر يتوقّف على ذكاء الحاضرين وقناعاتهم، وقدرتهم على تجاوز العقبات والمشاكل، وذكر المتحدّث أن العقل الجزائري قادر على التوافق والتقارب والعمل بصورة جماعية قصد بناء جمهورية جديدة، على حدّ تعبيره.
ولفت جابي، إلى أن الجزائر تمتلك طبقة سياسية مختلفة ومتعدّدة، لكن الرهان اليوم يبقى التركيز على القواعد السياسية الهامّة والابتعاد عن الاختلافات الأيدولوجية، مضيفًا أنّ الحراك الشعبي ركّز على مطالب سياسية وحقوقية واضحة، وأبدى تماسكه رغم محاولات الاختراقات الجهوية والثقافية واللسانية.
تبدو السلطة السياسية ضعيفة، ولا تمتلك رؤية واضحة في كيفية تجاوز حالة الانسداد السياسي
كما توقّع الباحث الأكاديمي، تواصل الحراك الشعبي بالوتيرة نفسها التي انطلق بها، مع الدخول الاجتماعي المقبل، في مقابل ذلك تبدو السلطة السياسية ضعيفة، ولا تمتلك رؤية واضحة ولا رؤية استشرافية في كيفية تجاوز حالة الانسداد السياسي، يضيف ناصر جابي.
اقرأ/ي أيضًا: