17-يوليو-2019

واجهة كتاب "المتحايل الكبير...الشبكات السرّية لماكرون" لـ مارك إندويلد

بدأ موقع "لوموند أفريك" في نشر تقارير وقراءات في محتوى كتاب للصحافي الاستقصائي الفرنسي مارك إندويلد، والذي يحمل عنوان "المتحايل الكبير...الشبكات السرّية لماكرون"، ويكشف الكتاب بعض العلاقات غير الرسمية والمشبوهة للرجل الأوّل في قصر الإليزيه مع عالم المال والسياسة في عدّ دول في العالم، وخاصّة في إفريقيا والمغرب الكبير الذي يُعتبر أهمّ مراكز النفوذ الفرنسي السياسي والاقتصادي.

تضمّن الكتاب فصلًا كاملًا عن علاقة إيمانويل ماكرون مع رجال الأعمال الذين كانوا وسطاء بينه وبين النظام الجزائري

ماكرون يُمسك العصا من الوسط

تضمّن الكتاب فصلًا كاملًا عن علاقة الرئيس إيمانويل ماكرون مع الجزائر، خاصّة مع رجال الأعمال الذين كانوا وسطاء بينه وبين النظام الجزائري، وكذا بعض الشخصيات البارزة والوزراء السابقين الذي فتحوا أبواب الجزائر على مصراعيها لأصغر رئيس في تاريخ الجمهورية الفرنسية، وذلك حتى قبل انتخابه، حيث ورد في الكتاب الاستقصائي أن بعض رجال المال الجزائريين أنقذوا ماكرون من أزمة مالية خانقة في عزّ حملته الانتخابية، ويتعلّق الأمر بكل من رجلي الأعمال إسعد ربراب وعلي حدّاد.

اقرأ/ي أيضًا: زيارة ماكرون للجزائر والقضايا العالقة بين البلدين.. هل يُصلح ما أفسده التاريخ؟

يتذكّر الجميع تغريدة للرئيس الفرنسي على تويتر في 12 مارس/ آذار، "إن الشباب الجزائري تمكّن من التعبير عن أمله في التغيير بكرامة، قرار الرئيس بوتفليقة يفتح صفحة جديدة للديمقراطية الجزائرية، سنكون إلى جانب الجزائريين في هذا العصر الجديد، مع الصداقة والاحترام ". لقد أطلق ماكرون تلك التغريدة بينما كان في زيارة  رسمية إلى دولة جيبوتي.

 قبل يوم واحد من ذلك، أعلن نظام  بوتفليقة - لمواجهة غضب شعبي عارم- عن خارطة طريق يعد فيها بإصلاحات عميقة  بعد عشرين عامًا من الحكم، رفض الشارع الجزائري تلك المقترحات وطالب برحيل بوتفليقة ونظامه، ولم يجد إيمانويل ماكرون شيئًا يقوم به سوى كتابة تغريدة قد تُساهم في إنقاذ حليف متهالك.

أجزم متابعون، أن طريقة كلام الرئيس الفرنسي في تلك التغريدة، أظهرت موقفًا حذرًا، فهو لا يُمكنه أن يخاطر بزجّ اسمه في الاحتجاجات التي تتصاعد في الجزائر، وأن يظهر في صورة داعم رسمي  لنظام فاسد رفضه الشعب، ولذلك قام باستخدام وسائط التواصل الاجتماعي بديلًا للقنوات الدبلوماسية المعتادة، إنه يمسك العصا من وسطها تمامًا.

علاقات غير رسمية..

يشرح كتاب الصحافي مارك إندويلد، خلفية الدعم المطلق الذي وجده ماكرون من الجزائر من خلال العلاقات الوثيقة التي أقامها إيمانويل ماكرون مع رجال الأعمال الأكثر نفوذًا في الجزائر. وهما علي حداد  الذي كان آنذاك رئيس منتدى رؤساء المؤسّسات (الكارتل المالي)، وإسعد ربراب أغنى رجل في البلاد.

يصف إندويلد، رجل الأعمال الجزائري علي حدّاد بـ رجل الأعمال المدلّل لبوتفليقة، والذي خدمه في السرّاء والضرّاء، أمّا ربراب  فكان رجل الأعمال الرئيسي الذي تدعمه دائرة الاستعلام والأمن السابقة "المخابرات"، التي كانت العمود الفقري للنظام الجزائري وعلبته السوداء لأكثر من ربع قرن.

زار إيمانويل ماكرون الجزائر أثناء ترشّحه لتولي زمام أمور قصر الإليزيه، استمرّت الزيارة ليومين، سبق تلك الزيارة استطلاع في فرنسا أثبت نقصًا فادحًا في الموارد المالية لهذا المرشّح المفاجأة آنذاك في فرنسا، فهو لا ينتمي لجهّة سياسية بعينها تضمن له التمويل والتسويق اللّازم، كما أن موارد حملته لم تكن معروفة بوضوح.

تمّ استقبال ماكرون في الجزائر استقبالًا يليق برؤساء الدول، وخُصّص له جناح فخم بفندق الأوراسي بالعاصمة، والتقى الرجل وجوهًا من الطاقم الحكومي الجزائري راهنت كثيرًا على فوزه بالانتخابات الرئاسية. أظهر ماكرون آنذاك إعجابه برمطان لعمامرة، وزير الخارجية في ذلك الوقت، وعبد السلام بوشارب، وزير الصناعة السابق و"الذي يملك شقة جميلة في باريس"،و منذ ذلك الحين، يستشير الإليزيه هذين الرجلين بانتظام حول الملف الجزائري، بل صارا عين الإليزيه في المرادية.

بداية القصّة...

خلال الرحلة نفسها، اعترف إيمانويل ماكرون بأن الاستعمار الفرنسي للجزائر كان "جريمة ضدّ الإنسانية" في مقابلة مع قناة "الشروق". كلمات مفاجئة في سياق حملة رجل يسعى لإرضاء الجميع، نفس الرجل صرّح عام 2006 في حوار مع جريدة "لوبوان" الفرنسية، أن احتلال الجزائر كان مصحوبًا "بقيم حضارية". مثل هذا الجرأة  التي أظهرها ماكرون صاحبها جدل كبير في الأوساط الإعلامية في فرنسا، لكنها أتت بثمارها، لقد بات ماكرون المرشّح المفضّل للنظام الجزائري، وكسب الدعم المالي الذي كان يحتاجه من أجل مواصلة رحلته نحو قصر الإليزيه.

من جهة أخرى، تم تنظيم اجتماعات -منفصلة- مع عدّة شخصيات جزائرية معروفة، لم يترك مستشارو ماكرون أيّ مجال للصدفة أو الخطأ، كانت رحلته للجزائر مخططة بإتقان تام، كان مرافقو ماكرون يتمتّعون بعلاقات واسعة في الجزائر مثل المحامي جان بيار مينارد، ورجل الأعمال فرانسوا توازي، وكذا الحارس الشخصي ذو الرجل الأصول المغربية ألكسندر بن علّة.

فنجان قهوة وشيك على بياض

صبيحة 14 فيفري/ شبّاط، كان إيمانويل ماكرون يرتشف فنجان قهوة مع علي حدّاد، الذي لم يستطع إخفاء فرحه عبر ابتساماته المتواصلة، كان المرشّح الأبرز لرئاسة فرنسا يحدّثه عن التزامات فرنسا تجاه الجزائر في مجال الطاقات المتجدّدة والطاقات الصديقة للبيئة، لكن بعد ساعات من ذلك التقى الرجلان على انفراد على فنجان قهوة آخر، لكن موضوع المحادثة لا يعلمه أحد، إذ بدا من الواضح أن الحديث حينها لم يكن أبدًا عن الطاقات البديلة.

كان الرجل الذي رتّب لقاء ماكرون بحدّاد هو ألكسندر جوهري، رجل الأعمال الفرانكو-جزائري المعروف والمتهم أيضًا في قضية التمويل الليبي لحملة الرئيس الأسبق ساركوزي، الرجل المعروف بنفوذه في إفريقيا والمغرب الكبير، وهو من الزبائن الأوفياء لفندق الأوراسي وصديق مقرّب لرجل الأعمال علي حدّاد، وقد طلب من حدّاد الحضور مرّة أخرى للفندق للقاء "الرئيس القادم" لفرنسا.

يتساءل مارك إندويلد عن سبب لقاء رجل أعمال معروف بفساده عند الجزائريين، مرّتين في يوم واحد، حتمًا كانت المرّة الثانية لقاءً شخصيًا بين رجلين، أحدهما يمتلك نفوذًا ماليًا والثاني سيمتلك نفوذًا سياسيًا على أرض الشريك التاريخي للجزائر. هنا تؤكّد مصادر مارك أندويلد، أن علي حدّاد تلقّى أمرًا من سعيد بوتفليقة لتمويل حملة ماكرون.

قبل لقائه مع علي حدّاد، تناول ماكرون وجبة العشاء مع أغنى رجل في الجزائر، إسعد ربراب، والذي يمتلك استثمارات في فرنسا أيضًا، من الظاهر للعيان أن ربراب كثّف من استثماراته في الأراضي الفرنسية في فترة ماكرون أكثر من أيّ وقت مضى، كما أن ماكرون يعرف جيدًا إسعد ربراب حين كان وزيرًا للصناعة في فرنسا.

ربراب كان معروفًا في المشهد الفرنسي-حسب الكتاب- على أنه مدعوم من طرف الرجل القويّ في المخابرات الجزائرية الجنرال توفيق، لكنه كان يُعاني من حصار خفيّ من طرف نظام بوتفليقة بعدما أصبح معارضًا علنيًا له. ورغم ذلك التقى ماكرون بـ ربراب دون تخوّف من غضب نظام بوتفليقة، وكان من رتّب اللقاء مع ربراب، هو رجل أعمال جزائري مقيم في فرنسا يُدعى فريد بلقاسم.

صمت ماكرون

سبق للرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، أن واجه تهمة بتلقي تمويل غير شرعي من طرف أجنبي، كان صاحب المال آنذاك هو النظام الليبي وعلى رأسه العقيد معمر القذافي، نفس التهم توجهها أوساط سياسية فرنسية لماكرون كونه استفاد من المال الجزائري للوصول إلى السلطة، وطبعًا كان تلقي المال جزءًا من صفقة اقتصادية لم يتمّ الإعلان عنها، فمن المستحيل أن يهدر رجال الأعمال أموالهم دون مقابل.

إيمانويل ماكرون توقّف عن التعليق على الشأن الجزائري بعد اعتقال رجال الأعمال الجزائريين الذين دعّموا حملته

بعد اعتقال رجلي الأعمال إسعد ربراب وعلي حداد ووضعهما رهن الحبس المؤقّت في سجن الحراش بالعاصمة بتهم تتعلّق بالفساد، اعتبر كثيرون أن هناك حربًا غير معلنة على رجال الأعمال الذين يخدمون المصالح الفرنسية، ومنذ ذلك الحين لم يتدخّل ماكرون في الشأن الجزائري، بل وتوقّف عن التعبير عن رأيه حول ما يحدث في الجزائر عبر تغريداته على تويتر، خاصّة وأنّ من يملكونه ملفّات عنه يخضعون للتحقيقات، فهل تلقى الرئيس الفرنسي رسالة غير مباشرة؟ أم أنها طريقة دبلوماسية في التعامل مع وضع خارجي؟.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

تصريحات ماكرون تفتح جرح الماضي بين فرنسا والجزائر

الجزائريون والانتخابات الفرنسية.. لماذا السلبية؟