31-أكتوبر-2016

يدور في الجزائر اليوم نقاش واسع وحاد حول الإعلام الإلكتروني (فاروق بعطيش/أ.ف.ب)

يدور في الجزائر اليوم نقاش واسع وحاد حول الإعلام الإلكتروني، خصوصًا بعد التحذيرات التي أطلقها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، في عيد الصحافة الوطني الجزائري، والمتعلقة بهذا الفضاء، الذي قال عنه بوتفليقة إنه "صار يبعث برسائل عديدة تخلق التوجس في أوساط الشعب الجزائري وتهدد تماسكه"، وهو ما يراه بوتفليقة "تحديًا كبيرًا" من شأنه أن "يزرع الأفكار الهدامة والتهجم الصريح على الشعب الجزائري وعلى البلاد".

تعرض قانون الإعلام الجزائري لسنة 2012 للصحافة الإلكترونية دون صدور إجراءات تنظيمية تحدد بدقة شروط منح الاعتماد والإطار العام

لأول مرة يعترف الرئيس بوتفليقة أن الإعلام الجزائري يعد طرفًا في صنع الرأي العام وتعبئة القدرات وشحذ الهمم والعزائم، بحسب رأيه، حيث دعا القائمين على بعض وسائل الإعلام الإلكتروني إلى "نشر الحقائق دون تزييفها وأن يضعوا مصلحة الجزائر فوق أي اعتبار وليس السلطة وأي تيار سياسي"، وهو الأمر الذي يراه المتتبعون للممارسة الإعلامية في الجزائر "مخاوف مشروعة" من حيث الممارسة التي تحكمها الفوضى من جهة، بينما يعتقد الكثيرون أن الفضاء الإلكتروني هو ملجأ الأقلام الإعلامية من أجل اقتلاع حق حرية التعبير.

اقرأ/ي أيضًا: فوضى المواقع الإلكترونية في موريتانيا

الإعلام الإلكتروني الجزائري.. فضاء مفتوح على كل شيء

عزا الكثير من الإعلاميين في الجزائر تطرق الرئيس الجزائري للإعلام الإلكتروني، في هذه الفترة بالذات، إلى مخاوف أصبح يثيرها هذا الفضاء والتقاذف بين الأشخاص بالشتائم وتضارب المعلومات والزوبعة التي تثيرها بعض الفضاءات الإلكترونية في تهويل وتأويل الرأي العام، حيث يرى رئيس تحرير موقع "سبق بريس" الإخباري محمد رابح أن "إطلاق عديد المنصات الإخبارية الإلكترونية في السنتين الأخيرتين في الجزائر خلق تفاعلًا واسعًا من طرف الجزائريين إضافة إلى تفاعلهم مع مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا ما يفسر رسالة بوتفليقة".

وشدد رابح على أن النظرة التي عبر بها الرئيس بوتفليقة عن رؤيته للإعلام يستشف منها "تأكد السلطة أن تكرار تجربة الصحافة المكتوبة والسمعي البصري مع الإعلام الإلكتروني غير واردة لأسباب عديدة لعل أهمها وجود فضاء مفتوح هو الإنترنت لا يعترف بالحدود وطبيعة الأشخاص، إضافة إلى سهولة وقلة تكلفة هذه المشاريع مقارنة بالقنوات التلفزيونية أو الصحف المكتوبة".

وطرح مسؤول "سبق بريس" أنه "لا يوجد إطار قانوني ينظم هذا النوع من الصحافة في الجزائر بالمقابل لا يوجد ما يمنع الممارسة أيضًا خصوصًا وأن قانون الإعلام لسنة 2012 تحدث عن الصحافة الإلكترونية لكن دون صدور إجراءات تنظيمية تحدد بدقة شروط منح الاعتماد والإطار العام الذي تشتغل عليه المواقع الإلكترونية".

اقرأ/ي أيضًا: قضية "الخبر" تفجر أزمة سياسية في الجزائر

حرب المعلومات

أكد المحلل السياسي عبد النور سعدي أن اعتراف الرئيس الجزائري بمخاطر بعض المواقع الإعلامية الإلكترونية على وضع البلاد يأتي بسبب ما تروجه بعضها من أخبار "كاذبة"، وأحيانًا "تروج لأفكار هدامة وخلقت الذعر في الأوساط السياسية وفي الشارع الجزائري أيضًا، خصوصًا وأن الفضاء مفتوح على كل المعلومات وعلى تدفق صارخ للأخبار وللآراء". وأضاف سعدي لـ"ألترا صوت" أن "الجزائر لم تشهد حتى الآن توسعًا كبيرًا للإعلام الإلكتروني مقارنة بجيرانها كتونس والمغرب وباقي الدول العربية، بفعل تأخر انتشار التدفق العالي للإنترنت من جهة، واستمرار تأثير وسائل الإعلام التقليدية كالصحف الورقية من جهة أخرى".

وواصل: "بعض الصحف في الجزائر لا تزال تطبع أرقامًا رهيبة تصل إلى نصف مليون نسخة يوميًا مثل صحيفتي الخبر والشروق اليومية، ولا يزال تواجد الإنترنت في الأماكن العمومية ضعيفًا جدًا، فنادرًا ما تجد في العاصمة الجزائرية مقهى أو مطعمًا يوفر الإنترنت، كما أن الاستعمالات اليومية للإنترنت عبر الهواتف لا تزال كلاسيكية ولا تتعاطى مع المواقع الإخبارية المحترفة".

ويعتبر الأستاذ سعدي الظروف المذكورة سابقًا "قد هيأت صعوبة كبيرة في وجه بعض التجارب الفتية في الإعلام الإلكتروني المحترف"، مشيرًا إلى أنه "لا يعرف في الجزائر موقعًا إخباريًا محترفًا بأتم معنى الكلمة"، كما أن الصحف نفسها التي حاولت أن توفر مواقع إخبارية على الإنترنت قد فشلت في تحويلها إلى مواقع إخبارية مستقلة وتفاعلية، إذ ظلت هذه المواقع مجرد ظل وصدى للصحف الورقية الخاصة أو القنوات التلفزيونية الخاصة، حسب سعدي.

ساهم ضعف توفر الإنترنت في الأماكن العمومية والاستعمال الكلاسيكي للإنترنت عبر الهواتف في عدم تطور الإعلام الإلكتروني الجزائري

فجوة الحصول على الأخبار

أثارت العديد من الأصوات الصحفية في الجزائر معضلة "صعوبة النفاذ للمعلومة" وترك المجال أمام الإشاعة أو الأخبار الكاذبة، ويعتبرون أنها من أسباب انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة فيسبوك وتويتر، حيث ربط الباحث في العلوم السياسية من جامعة "باتنة"، شرق الجزائر، الدكتور عبد المجيد رمضان "الفراغ الذي شكلته الفجوة بين المؤسسات في الدولة وضعف أداء الاتصال المؤسساتي الحكومي أو النفاذ إلى المعلومة وبروز الإعلام الاجتماعي عبر وسائل التواصل أو من خلال المواقع الإلكترونية".

ويقول رمضان، الذي أجرى دراسة علمية حديثة تحمل عنوان "السياسة الإعلامية وارتباطها بالإصلاحات السياسية في الجزائر" إن "هذه المواقع الإلكترونية أصبحت تنافس الإعلام التقليدي وتهدد وجودها على المدى المتوسط وخصوصًا الصحافة الورقية"، مشددًا على أهمية "تكييف المنظومة القانونية لتنظيم وترقية الإعلام الإلكتروني لتجنب فوضى المعلومة وانتشار الإشاعات".

ودعا الباحث إلى "ضرورة استكمال تنصيب سلطات الضبط وإعادة تفعيل مجلس أخلاقيات وآداب مهنة الصحافة، مع السعي من أجل توفير مناخ مستقر للصحفيين ومتابعة تأهيلهم مهنيًا ومراعاة حقوقهم المهنية والمادية والاجتماعية".

"أزمة الإشهار هي الأخرى تقوّض الصحافة الورقية في الجزائر وهي "حجر الزاوية"، بحسب الدكتور رمضان، الذي طالب في دراسته بـ"ضرورة تحرير الإشهار الحكومي من احتكار الدولة وتنظيم هذا القطاع وفق أسس تنافسية، لأن مسألة التمويل تعد إحدى المتغيرات الضاغطة على الديمقراطية وحرية التعبير وحرية الصحافة في الجزائر".

تجربة الجزائر مع الإعلام الإلكتروني تجربة فتية، أنتجت الكثير من المشاكل، برأي أهل الاختصاص، حيث دعا الأستاذ في علوم الإعلام والاتصال الهادي بختي في تصريح لـ"ألترا صوت" إلى "إلغاء القيود التي تعيق تطور النشاط الإعلامي بشتى وسائطه وفسح المجال أمام الصناعة الإعلامية في الجزائر في إطار منظم وبشروط تعمل على فرز ممارسته على الأرض بعيدًا عن الفوضى".

اقرأ/ي أيضًا: 

شبكة الإعلام العراقي.. صراع التجديد والمُحاصصة

الإرهاب وأخطاء الإعلام اللبناني التي لا تحتمل