15-سبتمبر-2021

الوزير الأوّل أيمن بن عبد الرحمان (الصورة: فيسبوك)

عرض الوزير الأول الجزائري أيمن عبد الرحمن مخطط عمل الحكومة أمام نواب المجلس الشعبي الوطني، على أن يتمّ التصويت عليها الخميس المقبل، حيث تضمن التركيز على وجهة النظر السياسية، لقضايا الحرّيات وتشجيع الاستثمار والقطاعات الاقتصادية والصناعية، بينما غابت عنه محدِّدات المسَار الاقتصادي الذي ستنتهِجه الحكومة، وإهمال معالجة الحلول الظرفية للمشكلات المالية بسبب الوضعية الصحية وانخفاض أسعار النفط. 

ترى أحزاب المعارضة أن مخطط الحكومة لم يُفصح عن الأهداف الحقيقية وكيفية تنفيذها في أرض الواقع

وتسير خطة الحكومة الحالية، في تناسق تامّ مع رؤية الرئيس عبد المجيد تبون، حيث  قال بن عبد الرحمن، إن عمل الحكومة يسعى لتحقيق مخطط يضمّ "خمسة محاور كبرى تقوم على تكريس دولة الحق والقانون وتجديد الحوكمة، بعد فصل المال عن السياسة، والعمل على تعزيز الحرّيات وعصرنة العدالة عن طريق مراجعة القوانين العضوية، وتنصيب المجلس الأعلى للقضاء قبل نهاية السنة، ومضاعفة الجهود لتحسين نوعية العمل القضائي وضمان المساواة أمام العدالة وتسهيل اللجوء إليها بمراجعة الإطار القانون وتعزيز الآليات التي تيسر ذلك".

اقرأ/ي أيضًا: الوزير الأوّل يعرض مخطط عمل الحكومة أمام نواب البرلمان

قراءة أولية

وركّز الوزير الأوّل الجزائري أيمن عبد الرحمن خلال تقديمه لبرنامج الفريق الحكومي أمام نواب المجلس الشعبي الوطني (الغرفة السفلى للبرلمان الجزائري)، على الحقوق المتضمن أولًا الحرّيات الاعلامية، وتنظيم مهنة الصحافة عمومًا والتركيز أيضًا على قضايا تعزيز الحرّيات العامة، إذ وعد بن عبد الرحمان من خلال خطة طاقمه الوزاري بـ "توسيع هامش الحرّيات المدنية والسياسية وتعزيز الممارسة الديمقراطية، وحرية التعبير".

وبالتفصيل في الوعود التي أطلقتها الحكومة، تطرّق المسؤول من خلال مسودة الخطة الحكومية، إلى إمكانية تعديل قانون الجمعيات والأحزاب السياسية، كأول تعهّد سياسي، انطلاقا من التغييرات المستحدثة من قبل الرئيس تبون خلال المواعيد السياسية الكبرى في صورة الانتخابات من مختلف مؤسساتها، وذلك لتكون منسجِمة مع  التّعديلات الدّستورية الأخيرة، و توخيا لـ"المزيد من المرونة في السماح بإنشاء الجمعيات والأحزاب السياسية".

وفي ضوء ذلك، تضمّ الوثيقة الدستورية، على السماح بـ "تشكيل حزب سياسي أو جمعية مدنية أو منظمة بمجرّد التصريح لدى السلطات، دون الحاجة الى انتظار موافقتها"، وذلك ما يفسح الساحة السياسية نحو الممارسة السياسية والفعل الجمعوي في مختلف البلديات.

أما ثاني تعهّد للوزير الأول، إعادة النّظر في القضايا الجوهرية المرتبطة بالتغيير، حيث لفت إلى أن الحكومة ستعمل على "تعزيز حرية الصحافة والحقّ في التعبير، حيث يجري أيضًا العمل على تعديل قانون الاعلام وقانون السمعي البصري".

ولعلّ ما سير في تناسق مع الحريّات، تشدّد حكومة بن عبد الرحمان على أولويات أمن وأمان الجزائريين على حدّ قوله، إذ أكّد على "أولوية ضمان أمان الأشخاص والاستمرار في مكافحة الجريمة خاصة السيبرانية "، وفي إطار هذه الأولية تشدّد الحكومة على الرقابة الإلكترونية، إذ تمنع استخدام المواقع الاخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي للمساس بالأمن العام والحياة الخاصّة للأشخاص، إضافة إلى سنّ قوانين وسياسات جديدة لمكافحة غسيل الأموال وتجارة المخدرات".

وفي إطار مؤسّسات الشأن العام، أكّد الوزير الأول الجزائري من خلال وعده الثالث، على أهمية محاربة البيروقراطية والمحسوبية عن طريقة وصفة إدارية قوامها عدة إصلاحات ستقبل الحكومة على إقرارها، لافتًا إلى ضرورة العودة إلى "الممارسات السليمة" في تسيير الإدارات.

وتحدث بن عبد الرحمان أيضًا عن منظومة مُحكمة لمكافحة الفساد الإداري الذي شهدته الجزائر خلال الفترة السابقة، والمتسبّب في تراجع مردودية بعض المؤسّسات الاقتصادية، وتهاوي البعض الآخر، وتأثير هذا الفساد أيضًا في الوضعية الاقتصادية للبلاد، وكان تأثيره المباشر على معيشة الجزائريين عمومًا، على حدّ قوله. 

تنويع المداخيل

أمّا على الصعيد الاقتصادي، كشف بن عبد الرحمن الذي يشغل أيضًا  منصب وزير المالية، أن الخطة الحكومية تستهدف "تنويع مداخيل الخزينة العمومية عبر دعم قطاعات الزراعة والصناعة والسياحة، واستغلال الثروة المنجمية وتقليص فاتورة الاستيراد، وتوسيع استثمارات الطاقات المتجددة لتحقيق الأمن الطاقوي".

وبخصوص ذلك،  تعتزم الجزائر إنتاج 15 ألف ميغاواط من الطاقات المتجددة في سنة 2025، مع مواصلة الاستمرار في الاستثمار في قطاع المحروقات، حيث سيرتفع من 7.4 مليار إلى 10 مليار دولار في 2023، وذلك ما يسمح للجزائر برفع مستوى الإنتاج الأولي من البترول من 187 مليون طن إلى 195 مليون طن في 2023.

كما يعنى مخطط الحكومة بـ "تحسين جاذبية مناخ الاستثمار وترقية إطار تطوير المؤسّسات والمقاولاتية"، إضافة إلى "تعزيز اندماج القطاع الموازي ضمن القنوات المشروعة".

وفي مجال التنمية، شدّد المسؤول الحكومي على القيام بإصلاحات تمسّ قطاع المياه، وذلك لتلافي أزمة الماء الحادة التي عاشتها الجزائر خلال الصائفة الأخيرة، وتوفير هذه المادة الحيوية والاستراتيجية عن طريق رفع الربط بشبكة المياه إلى 99 بالمائة.، وترشيد الاستهلاك اليومي لها، علاوة على إنشاء محطات جديدة لتحلية المياه، ورفع  القدرة الاستيعابية للسدود فضلًا عن استغلال الموارد المائية الباطنية، لحل أزمة ندرة المياه، ، بترشيد استهلاك المياه وزيادة محطات التحلية وزيادة قدرة إنتاج السدود واستغلال الموارد الباطنية.

وفي الشق الاجتماعي، يتضمّن برنامج الحكومة ، وضع آلية جديدة لتوزيع الدّعم الاجتماعي الذي يهدف بدوره إلى تقديم مساعدات لآلاف الأسر ذات الدّخل الضّعيف.

وإضافة الى ما سبق، يحذو المخطط إلى ترقية التشغيل ومكافحة البطالة، إذ ستواصل الحكومة "العمل وفق مقاربة اقتصادية، على دعم انشاء المؤسسات بكل أنواعها وخاصة  في القطاعات المنتجة والمنشئة لمناصب الشغل"، بالإضافة إلى ذلك ستعمل على "تنمية القدرات والكفاءات وكذا مواءمة مخرجات التكوين مع سوق العمل".

خطة وأهداف ؟

في ظلّ هذه المعطيات، اختلفت الآراء حول خطة الحكومة، إذ ترى أحزاب الموالاة من نواب الغرفة السفلى أن الخطة إيجابية، حيث يرافع البعض منهم لأجل تنفيذها، بينما رأت أحزاب محسوبة على رواق المعارضة السياسية في البلاد، أن الخطة لم تفصح عن رؤوس الأهداف الحقيقية وكيفية تنفيذها في أرض الواقع، واصفة إياها بالـر"الخطة التي لا تحوز على أرقام ومدة زمنية لتنفيذها".

في هذا السياق، يذهب أستاذ العلوم السياسية السعيد عليلات إلى أنّ "خطة الحكومة وجب أن تكون عبارة عن خطّ وتمشي متوازي مع الواقع، إذ لا يمكن -حسبه- أن تمر الخطة دون مستويات ثلاث، وهي: "تعداد الأهداف المسطرة من مختلف المؤسسات القطاعية والوزارات أولًا، وتحديد فترة زمنية لتحقيقها ثانيًا، ووضع خطة بديلة في حال تعذر تنفيذ خطة عمل قطاع ما ثالثًا"، وهو ما يبنى على الأرقام والاحصائيات والمؤشرات الواقعية، خصوصا أمام تجربة أزمة كورونا التي أثبتت جدوى المخططات البديلة والاستعداد للأزمات، على حدّ تعبيره.

وأضاف عليلات في تصريح لـ "الترا جزائر"، أن ما قدمه الوزير الأوّل عبارة عن خطة تنموية واقتصادية من حيث الشّكل وسياسية من حيث المضمون، لافتًا إلى أن الوزير الأول، وهو من يحمِل أيضا قبّعة وزير المالية، "يملك بين يديه الملفات الكبرى للقطاع الاقتصادي الذي يمكن من تنفيذ سياسات الحكومة وبرنامج الرئيس".

وأضاف المتحدّث في هذا الإطار، أنه بالرجوع الى الفترة السابقة، تبقى الحكومة مرهونة بظروف الواقع الاقتصادي وتأثيرات الأزمة الصحية والاقتصادية على وضع أي مخطط قصير أو متوسط المدى، مشيرًا إلى أننا اليوم أمام: "ترحيل المخطط الخاص بالحكومة السابقة بقيادة عبد العزيز جراد، وذلك ما يعني فقدان خطة الفريق الحكومي الحالي لبوصلة الآداء الفعلي لمخطط يستحق معطيات ومحددات حقيقية".

تبقى الحريات وتعزيز الأمان والتشغيل من إيجابيات مخطط الحكومة، إلا أنه رغم ختلاف الرؤى، والخلفيات التي ينطلق منها كلّ طرف في البرلمان، يُطرح هنا سؤال جوهري، عن إمكانية رفض الخطة الحكومية والمصادقة عليها من طرف النواب.

ما لا يمكن توقعه هو رفض النواب لمخطط الحكومة في المجلس الشعبي الوطني

ما لا يمكن توقعه هو رفض النواب لمخطط الحكومة في المجلس الشعبي الوطني، والذي تسمح أغلبيته بتمرير مخطط الحكومة وبرنامجها الحالي دون نقاش فعلي، خاصة وأن المصادقة على المخطط يشترط تأييد أغلبية أعضاء البرلمان، وتزكية 204 نائب من بين 407 نائب، وهو ما يعني مجموع الحزام السياسي للرئيس تبون في البرلمان، المؤلف من نواب جبهة التحرير الوطني ونواب التجمع الوطني الديمقراطي ومجموع المستقلين المناوئين له.

 

اقرأ/ي أيضًا:

سوناطراك: زيادة سعة خط أنابيب "ميدغاز" إلى 10.5 مليار متر مكعب

مخطط الحكومة.. أهداف دون آليات لتحقيقها