وقع رضا الشاب في العشرينات من العمر، فريسة عالم المخدرات والإدمان، فحياته الجديدة لم تُدمر حياته فحسب، بل تجاوز ته إلى كافة أفراد عائلته ومحيطه الأسري.
انتقل والد رضا إلى مسكن آخر ليبعد ابنه عن تعاطي المخدرات إلى أن تلقى مكالمة هاتفية تخبره أن ابنه في مصلحة الاستعجالات حيث كان يصارع بين الحياة والموت بسبب جرعة زائدة
في السياق، يعترف والد رضا أن حياته تَحوّلت إلى جحيم، بعدما ثَبت وتَحقق أن ابنه رضا مدمن على المخدرات والحبوب المهلوسة.
لقد باتت يوميات والد رضا مسجونة بين البيت، وزيارة الطبيب، ومرافقة الزوجة إلى حصص التدليك الطبّي العضلي، والجلسات الطويلة الكئيبة صحبة ابنتيه. يقول في حديث لـ “التر جزائر"، لم يُدمر ابني حياته لوحده نتيجة إدمانه، بل حطم مُستقبل والديه وعائلته بالكامل.
يستطرد والده أنه بعدما تَنبه أن رضا بات مدمنًا على المخدرات واستهلاك المؤثرات العقلية،وانعكاسات سلوكياته المنحرفة بعد مغادرة مقاعد الدراسة، وسرقة واختفاء الأشياء الثمينة من المنزل، تغيرت حياته رأسًا على عقب.
وأضاف بسبب إبني عرفت مراكز الشرطة، سلكت أروقة العدالة، وقضيت ساعات أمام أبواب سجن الحراش واطلعت على طقوسه، بل وتواصلت حتى مع مروجي المخدرات وسط الحي.
وتابع أنه نتيجة المصائب التي كان يرتكبها رضا في البيت، والشجار في الحي والشارع رفقة أبناء الحومة، كدت أفصَل من العمل بعدما أصبحت الغيابات متكررة وغير مبررة، مضيفًا أن صدمته جاءت عقب تلقيه مكالمة هاتفية من مصالح الشرطة، تنبأه أن ابنه رضا محل توقيف، بسبب حيازته مؤثّرات عقلية.
هذا الخبر كان السبب المباشر في إصابته بمرض السكري وارتفاع الضغط الدموي، أما والدته فقد أصيبت بجلطة دماغية وتسبب ذلك في شللها نصفيًا، على حدّ قوله.
مباشرة بعد خروجه من السجن، فكر الوالد في تغيير عنوان إقامته ليبعده عن أصدقائه، وحدث أن انتقل بعيدًا عن المسكن السابق، واطمئن الوالد لوقت قصير إلى غاية أن أخبره مقربون من أفراد عائلته، أن رضا موجود بمصحة استعجالات استشفائية، حيث كان يصارع بين الحياة والموت بسبب جرعة زائدة من مخدر "الشوشنة".
معاناة وصدمة
في سياق الموضوع، والد رضا الذي رفض الكشف عن هويته، هو إطار ومسؤول يعمل في القطاع المصرفي العمومي، كافة مؤشرات حياته العائلية والتعلمية ومساره المهني، تَقوده إلى حياة عائلية ساكنة وهادئة ومرتاحة، بيت مريح وعائلة صغيرة أفرادها متكونة من ابنتين والابن رضاـ
لكن ودون سابق إنذار، تغيرت حياته وأوضاعه المعيشية رأس على عقب، لتطال ابنتاه، اللتان أصيبتا بأزمة نفسية جراء المشاكل الأسرية، والوالدة التي كانت تشتغل في السلك التعليمي أمست نصف مشلولة.
هذا المشهد الدراماتيكي تتقاسمه الكثير من العائلات الجزائرية، نتيجة تورط أحد أفراد العائلة في عالم إدمان المخدرات والحبوب المهلوسة، الكثير يتعرض إلى الصدمة ويكتشف الكارثة والمصيبة، ويتستر عن الفضيحة بدل المواجهة بالوسائل الوقائية والعلاجية.
الابتزاز
في السياق نفسه، يقول مراد (اسم مستعار) هو تاجر في عقد الخمسينات، أنه تفطن إلى أن أحد أبنائه يستهلك الحبوب المهلوسة، بعدها بات لا يأتمنه على إدارة المحل التجاري.
وتابع محدثنا أنه كان يعتقد أن معاقبته وحرمانه من "المصروف" قد تعيد الإبن إلى جادة الصواب، لكنه ضل الطريق أكثر، مضيفًا أن الولد بعدما أصبح بعيدًا عن أنظار والده وأعمامه، ودون عمل، أصبح أكثر استهلاكاً للمؤثّرات العقلية ومصاحبة رفقاء السوء.
وتابع أنه اكتشف أن زوجته تعرضت إلى ضغوطات وتخويف من طرف الابن، واستسلمت لسذاجتها لتمده بالمال، وتتستر عن استهلاكه للمؤثرات العقلية.
وزاد المتحدث بعدها تحول الابن إلى ممارسة الابتزاز على كافة أفراد العائلة، إن لم تسلم له الأموال لشراء الحبوب المهلوسة، قد يندفع إلى ارتكاب السرقة والاعتداء على ممتلكات الناس.
بعد مرور ستة أشهر تقريبًا، علم مراد من خلال تصرفات ابنه وسلوكياته بخطورة الوضع، تجنّدت العائلة بأكملها من أجل إنقاذه من براثن المخدرات.
وختم المتحدث أنه أدرك أن الإدمان غير مرتبط بالوضع الاجتماعي والمعيشي الهش، بل بالبيئة العامة والمحيط الذي نعيش فيه.
الظاهرة خطيرة
يشهد المجتمع الجزائري استهلاكاً واسعًا للحبوب المهلوسة والمخدرات الصلبة خلال العقدين الأخيرين، شملت كافة الأوساط والفئات المجتمعية، خصوصا المراهقين والمرهقات.
ويجدر التذكير أن استهلاك بعض المواد الصيدلانية التي صنفت مؤخرًا ضمن المؤثرات العقلية قد لا تُثير في البداية شكوك وانتباه العائلة، إذ لا تحدث انعكاسات هيستريا كإكستازي مثلًا، لكن الخطورة تكمن بعد فترة من التعاطي، إذ يتحول إلى إدمان تنجر عنه سلوكيات مرضية نفسيًا وعقليًا، تفضي إلى تصرفات إجرامية كالسرقة والمتاجرة ومصاحبة عصابات الأحياء والسقوط في شبكات الدعارة.
وأمام الموقف الصعب والخطير، تتباين ردود فعل العائلات أمام تورط الأبناء في مستقنع الإدمان، بين التستر من الفضيحة والاستسلام للواقع والقدر.
الحاجة إلى التربية النفسية
في سياق متصل، الدكتور يرى ياسين ماحي باهي، الأخصائي النفساني، يقول إنه أمام وجود حالات الإدمان في الوسط العائلي، لا مفر من ترقية وتعزيز التربية النفسية من أجل التكفل الصحي للمدمن.
وأشار أن المصطلح التربية النفسية يقصد منه تثقيف الأشخاص الذي يعانون من الإدمان أو أمراض عقلية، مضيفًا أن التسلح بالتربية النفسية شأن بات يَعني المريض أو المدمن وأفراد عائلته.
وتابع محدث "التر جزائر" أن استشاري الإقلاع عن المخدرات عليه التواصل مع المريض وأفراد عائلته، وتقديم إرشادات وتوجيهات وقائية وعلاجية، وإطلاع العائلة على انعكاسات الصحية السلبية لتعاطي المخدرات.
وأفاد ياسين ماحي أن أغلب العائلات التي تعيش تجربة إدمان أحد أفراد العائلة، تسقط ضحية تأنيب الضمير والشعور بالذنب، مستطردًا أن هذا الشُعور المُذنب بعيدًا عن الصواب، قد يعرض خطة العلاج إلى الفشل؛ فالعلاج يقتضي المرافقة والمتابعة والكثير من الدعم.
وأشار الأخصائي النفساني أنه في ظلّ انتشار الهائل وتعاطي الحبوب المهلوسة والمخدرات الصلبة بات من الضروري توسيع التربية النفسية وسط المجتمع، والتحسيس بمخاطر الظاهرة، والكيفية التعامل المجتمعي مع المدمن، فضلًا على حملات التوعية والوقاية.
استشارة متخصص في علاج الإدمان، حسب ماحي، يساعد على وضع برنامج أو خطة فعالة تساعد الشخص على تقديم العلاج، مع مراعاة خطورة حالات الإدمان التي تقتضي التخصص في العلاج أو المعالجة الاستشفائية.
الدكتور ياسين ماحي باهي: استشاري الإقلاع عن المخدرات عليه التواصل مع المريض وأفراد عائلته
والعموم، وأمام استسهال استهلاك المؤثرات العقلية وسط فئات واسعة من المجتمع، وأثارها الصحية والاجتماعية فرديًا وجماعيًا، بات ضروريًا في هذه المرحلة دق نقوس الخطر على السلامة العقلية والنفسية للأفراد وتماسك العائلات.
