28-نوفمبر-2021

سوق بمنطقة الخرايسية بالعاصمة (تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

انتهت جلسة تصويت المجلس الشعبي الوطني (البرلمان) على مشروع قانون المالية الجزائري لسنة 2022 الأربعاء الماضي، بجدل واسع واختلاف في وجهات النظر بين الحكومة والمعارضة، بشأن ما تضمنه من مواد حول سياسة الدعم الاجتماعي التي تنوي السلطات إحداث تعديلات في طرق منحها، فيما اعتبر كثير من النواب هذه الخطوة بداية تخل الدولة عن الفئات الهشة من المواطنين.

إسحاق خرشي: التوجّه نحو الإصلاح الاجتماعي باستحداث جهاز خاص لتوجيه الدعم نقدا للعائلات بدلًا من دعم المواد يستوجب أيضًا إصلاحًا اقتصاديً

 

وإن كان الجميع من حكومة وموالاة ومعارضة وخبراء متفقين على ضرورة مراجعة سياسة الدعم الاجتماعي بصيغتها الحالية، إلا أنّ طريقة ووقت تعديلها يظلّ محلّ تباين ويختلف من طرف لآخر.

اقرأ/ي أيضًا: رفع الدعم الاجتماعي.. بين الاعتبارات الاقتصادية والحسابات السياسية

مراجعة سياسة الدعم 

في هذا الاتجاه، أكّد الوزير الأوّل وزير المالية، أيمن بن عبد الرحمان أن حكومته ماضية في مراجعة سياسة الدعم الاجتماعي بعد مصادقة البرلمان على المادة 187 من مشروع قانون المالية لسنة 2022.

وأوضح بن عبد الرحمان في ندوة صحفية نشطها عقب مصادقة المجلس الشعبي الوطني على مشروع قانون المالية لـ 2022، أن هذه المراجعة ستحافظ على "تكريس التوجه الاجتماعي للدولة، وهو التوجّه المكرس لمبادئ ثورة أول نوفمبر".

وقال الوزير الأوّل إن الدولة "دعمت ولازالت تدعم، من خلال مبالغ هامّة وعظيمة رصدت في مشروع قانون المالية لـ 2022، الفئات الهشة والمتوسّطة"، مضيفًا أنّ "سياسة دعم الدولة لهذه الفئات ما زالت وستتواصل ونزعها محرّم علينا".

وبعد الجدل الذي أثارته المادة 187، اتفقت الحكومة مع لجنة المالية والميزانية بالمجلس الشعبي الوطني على تعديل هذه المادة من مشروع القانون، وذلك بتحديد تشكيلة الجهاز الوطني للتعويضات النقدية للأسر المؤهّلة، والتي تضم "الدوائر الوزارية المعنية ونواب البرلمان بغرفتيه والخبراء الاقتصاديين المعنيين وكذا المنظمات المهنية"، بعدما كان النصّ الأوّل لهذه المادة خاليًا من هذه التشكيلة.

وتضمنت التعديلات شرط "تحديد الميكانيزمات والإجراءات" اللازمة من طرف لجهاز الوطني للتعويضات النقدية للأسر المؤهّلة، قبل البدء في مراجعة وتعديل أسعار المنتجات المدعمة وتحديد التعويضات الموجهة لصالح الأسر المؤهلة للتعويضات النقدية المباشرة.

لكن الخبير الاقتصادي إسحاق خرشي يرى أن "التوجّه نحو الإصلاح الاجتماعي باستحداث جهاز خاص لتوجيه الدعم نقدا للعائلات بدلًا من دعم المواد، يستوجب أيضًا إصلاحًا اقتصاديًا، بتسريع إصدار كل من قانون الاستثمار، وقانون الصفقات العمومية وقانون الشراكة بين القطاع العام والخاص لأن الطائرة لا تقلع بجناح واحد، بل بجناحين"، على حد تعبيره في تغريدة بتويتر.

تخوف الأحزاب

لم تلق هذه الخطوة القبول من جميع الكتل البرلمانية، فحتّى التي صادقت على التعديل كانت لها تحفظات، لكن هذه المراجعة جعلت حركة مجتمع السلم تصوت ضد مشروع قانون المالية لسنة 2022 ككل.

وأوضحت المجموعة البرلمانية لحركة مجتمع السلم في بيان أن الحكومة رفضت كل التعديلات التي تقدم بها نوابها، رغم أنها ارتكزت على حماية ثنائية الاقتصاد الوطني، والقدرة الشرائية، مبينة أن قانون المالية لسنة 2022 يحمل "التوجه نحو ضغط ضريبي أكبر سيؤثر بشكل مباشر على المستوى المعيشي للفرد الجزائري، كالرسم على القيمة المضافة المفروض على مادة السكر وتزويد العائلات بالماء الصالح للشرب."

وتصبّ كل هذه الجوانب في تخفيض القدرة الشرائية للمواطن الذي سيكون في أمس الحاجة للدعم الاجتماعي، لكن القانون – حسب كتلة حمس – حمل خطرًا تضمنته " المادة 187 باستحداث جهاز لتوجيه الدعم الاجتماعي دون وجود قاعدة معطيات، ودون حوار وطني شامل ولا تنمية اقتصادية توفر الشغل، خاصة أن الموضوع يعبر عن تحول اجتماعي كبير يضعف أكثر القدرة الشرائية للجزائريين بشكل غير مسبوق دون آليات تضمن لهم الحصول على التعويض النقدي."

وتوقع المدوّن رضوان منصوري أن ترتفع أسعار المواد الغذائية وفي مقدمتها السكر بعد رفع الدعم عنه، قائلا في منشور على فيسبوك أن "السلطة قد قرّرت رفع الدعم عن السكر، ولكن لا يمكن لها أن تصارح الشعب بمخططاتها التي ستستنزف جيوب المواطنين مثلما حدث مع كل المواد الأساسية، ولا يمكن أن تعترف أنها فشلت في التحكّم أو ضبط أو توجيه ومراقبة السوق ، لهذا تجدها تتحجج بأمور أكيد لا يمكن أن يتصف بها نظامنا، وهنا اقصد مصلحة المواطن، لهذا فمن السذاجة أن اصدق أن السلطة تفكر في صحتنا لأنّ السلطة لا يهمها غير مصلحتها على حساب المواطن".

تصحيح وضع خاطئ

غير أن الحكومة تردّ على منتقديها، بأنها لن تتخلى عن سياسة الدعم الاجتماعي إنما ستقوم بتصحيح وضع خاطئ ساهم في استفادة الأغنياء والوسطاء من برنامج الدعم الحالي على حساب المواطن البسيط.

في هذا السياق، قال الوزير الأول الجزائري إن الحكومة "لن تتخلى عن دورها الاجتماعي"، إنّما تسعى لتوجيه الإعانات إلى مستحقيها الحقيقيين، معتبرا الضجة التي أثيرت حول المادة 187 مجرد " سوء فهم".

وقال أيمن بن عبد الرحمان إن الدولة لن تسمح مستقبلًا بـ " أن يوجه الدعم الذي يعادل 17 مليار دولار لأشخاص لا يستحقونه وإلى وسطاء نخروا الاقتصاد الوطني من خلال الاستفادة من هذه التحويلات".

وأشار الوزير الأوّل إلى أن سياسة الدعم الحالية تسمح باستفادة الأسر الميسورة من نحو 100 مليار دينار، والوسطاء من 152 مليار، فيما لا تتجاوز استفادة الأسر المعوزّة 76 مليار دينار.

وتكشف هذه الأرقام عيوب سياسة الدعم الحالية التي جعلت الفقير يزداد فقرًا، والغني يزداد ثراء، بالنظر إلى عدم تحديد الأشخاص المعنيين بالاستفادة من المساعدة الحكومية.

وأضاف  الوزير الأول أنّ "ما سيتم استرجاعه من فائض الدعم الاجتماعي للدولة بعد توجيهه لمستحقيه، سيوجه لقطاعات أخرى كالصحة والتعليم وتحسين الأجور".

وتضمنت ميزانية 2022 رصد 1942 مليار دينار للتحويلات الاجتماعية؛ أي ما يمثل 8.4 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، لكن هذا المبلغ رغم ضخامته يبقى أقل بـ 19 بالمائة عما تم رصده في قانون المالية التكميلي لسنة 2021.

وبالنسبة للكاتب الصحفي رياض هويلي، فإن "إعادة النظر في سياستنا الاجتماعية والاقتصادية بداية الإصلاح..وما سواه فهو كلام مقاه".

من المسلّم عند معظم الجزائريين أن إعادة النظر في سياسة الدعم الاجتماعي أمرٌ متفق عليه إلا أن تنفيذه بالطريقة الصحيحة يبقى الاختبار الحقيقي للسلطة

من المسلّم عند معظم الجزائريين أن إعادة النظر في سياسة الدعم الاجتماعي أمرٌ متفق عليه، إلا أن تنفيذه بالطريقة الصحيحة التي تضمن القدرة الشرائية للطبقات الهشة والمتوسطة يبقى الاختبار الحقيقي للسلطة التي ستظهر الأيام مدى قدرتها على المضي في هذا القرار، ومواجهة المستفيدين منه الذين أعاقوا لسنوات أي محاولة لوقف استفادتهم من أموال الفقراء جهارًا نهارًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الأكثر تقشفًا.. نواب الغرفة السفلى يصوّتون على قانون المالية 2021

بن عبد الرحمان: قانون المالية 2021 يُحارب التهرّب الجبائي وتضخيم الفواتير