19-أبريل-2020

مبنى "نزل الجزائر" بإيرلندا (فيسبوك/الترا جزائر)

قبل عام من الآن، اقتطع ويليام هيليارد تذكرة سفره من كاليفورنيا المدينة التي ولد وعاش فيها، نحو قرية صغيرة في أقصى جنوب إيرلندا، بلدة صغيرة تستيقظ كل صباحٍ على ضوضاء سفن الصيادين التي تغادر ميناءها الصغير، هناك قرّر ويليام وزوجته بداية تجربة جديدة، بعد أن قاما بشراء مطعم قرب ميناء قرية بالتيمور، بدأ الزوجان يغيّران بعض التفاصيل في مطعمهما الجديد، لكنّ هناك أمرًا واحدًا فقط لا يقبل التغيير في هذا المطعم، إنه اسمه، "نزل الجزائر" مكتوب بلون أزرق وأمامه صورة مراد رايس. قصّة هذا التفصيل الصغير أقدم من المطعم ومن الميناء، فلماذا يوجد في بالتيمور مطعم يحمل هذا الاسم؟

لم يكن الإنجليز ينتظرون أن يحمل البحر غزاة في تلك الليلة، لذلك سيطرت البحرية الجزائرية بسرعة على المكان

ردّ الجميل

انتصف الليل في بلدة بالتيمور، يوم 20 جوان/يونيو1631، نام الجميع، ولم يبقَ سوى حرّاس المدينة، في تلك الأثناء كانت سفينة تابعة للبحرية العثمانية مرابطة في مكان غير بعيد من الميناء، انطلقت السفينة تشقّ عباب البحر في مغامرة غير محمودة العواقب، لقد قرّر مراد رايس أن يغزو قرية بالتيمور الإيرلندية التي كانت آنذاك تحت حكم الإنكليز.

اقرأ/ي أيضًا: قصر الرومية بالجزائر.. قصة حب ملك أمازيغي

حين رست السفينة في الميناء، سارع البحّارة لاقتحام الأماكن التي يتواجد بها الغزاة الإنكليز. لم يكن الجزائريون وحدهم في الكتيبة التي يقودها مراد رايس تلك الليلة، بل كان معهم مجموعة من البحّارة الهولنديون والأتراك الذين استعان بهم مراد رايس من أجل الإغارة على سواحل ايرلندا  دخول مدينة بالتيمور ليلًا.

لم يكن الإنكليز ينتظرون أن يحمل البحر غزاة في تلك الليلة، لذلك سيطرت البحرية الجزائرية بسرعة على المكان، فغنموا الأموال وأسروا الكثير من المستعمرين، ولم يأسروا معهم أيّ إيرلندي. بعد العودة للجزائر تم بيع هؤلاء الإنكليز كأسرى في سوق باب عزون بالجزائر العاصمة.

سكان بالتيمور أيضا تفاجؤوا من هذا الهجوم وما فاجأهم أكثر، كانت الجرأة التي تميز بها رجال مراد رايس الذين حرّروا البلدة من قبضة الإنكليز في ليلة واحدة، فأرادوا ردّ الجميل وخلدوا هذه الحادثة ببناء مقهى وحانة تحمل اسم "نزل الجزائر".

قصّة المكان 

هنا، يقول ويليام هيليارد صاحب مطعم وحانة "نزل الجزائر" في حديث إلى "الترا جزائر"، أنه قدم منذ فترة يسيرة إلى بالتيمور، فعائلة والدته من هذه البلدة الجميلة، وأراد هو وزوجته تغيير نمط حياته وخوض تجربة جديدة، اقترح عليه أحد أقارب والدته القدوم إلى إيرلندا، وأرشده إلى حانة يريد مالكها بيعها، يضيف: "أصارحك القول حين اشتريت الحانة لم أكن أعرف أيّ شيء عن قصة ذلك المكان".

ويسترسل ويليام في كلامه "لما تسلمت مفاتيح المطعم، وجدت خرائط بحرية داخله، وكذا قصّة غزو مراد رايس للبلدة، مكتوبة في لوحة معلّقة على أحد جدران المطعم، هنا بدأتُ البحث عن تفاصيل ما حدث، وعثرت في كتاب عنوانه (بالتيمور،القرية المنهوبة)، على معلومة رائجة كثيرًا هنا مفادها أنّه كان هناك تفاهم مسبق بين البحّارة الجزائريين والسكّان الإيرلنديين على غزو البلدة وتحريرها من الإنكليز".

منذ اليوم الأوّل له كمالك للحانة والمطعم، اكتشف وليام جزائرية المكان، فبعد أن فتح للمطعم صفحات على مواقع التواصل الإجتماعي، بدأت تتهاطل عليه رسائل يومية من جزائريين يستفسرونه عن المكان وقصّته، يقول ويليام "الكثير من الجزائريين يعرفون أن هذا المكان موجود في أقصى الجنوب الإيرلندي، لكنّهم لا يعرفون الحقيقة كاملة، هناك جزائريون أيضًا يقطنون في إيرلندا أو في عموم بريطانيا قدموا إلى هنا، هناك من منح لي قميصًا للمنتخب الجزائري وطلب مني تعليقه في الحانة كتذكار، وكي يتواصل التاريخ الذي يربط الجزائر بحانة صغيرة في قرية إيرلندية".

الأسير الذي أصبح حاكمًا

ارتبطت عملية تحرير بالتيمور من الغزاة الإنكليز بالبّحار الجزائري مراد رايس، وهو أمير البحر الذي تحمل حاليًا بلدية بئر مراد رايس بالعاصمة اسمه، فهذه الشخصية التي كان لها شهرة عابرة للبحار، يمتلك قصّة حياة حامت حولها الكثير من الفرضيات.

لم يكن مراد رايس هو الاسم الحقيقي لأمير البحر، بل هو هولندي وقع في أسر البحرية العثمانية عام 1618

لم يكن مراد رايس هو الاسم الحقيقي لأمير البحر، بل هو هولندي وقع في أسر البحرية العثمانية عام 1618، حيث كان حينها قرصانًا بحارًا، وكان يحمل اسم يانس يانسن أو جان جانس فان هارلم في العديد من الروايات، خاض الكثير من الحروب البحرية في البحر المتوسّط والمحيط الأطلسي، ونال شهرة كبيرة في الجزائر التي تزوّج فيها وتقرب فيها من سليمان رايس، الذي حرّره من الأسر وجعله أميرالًا، بعدها تنقل مراد رايس إلى المغرب أين توفي ودُفن عام 164، بعد أن حكم هناك ما يسمّى بجمهورية سلا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مانويل تيكسيرا غوميز.. قصّة حبّ لرئيس برتغالي لاجئ إلى بجاية

غابرييل غارسيا ماركيز.. يوم كان جزائريًا