06-يونيو-2019

في فناء ثانوية عروج وخير الدين بربروس بالعاصمة (أنطوان جيوري/Getty)

رغم أن البطالة في أوساط الجامعيين، تبقى من الملفّات الثقيلة التي فشلت الحكومات المتعاقبة في التكفّل بها، ورغم أن تحصيل وظيفة بعد التخرّج من الجامعة غير مضمون في الجزائر، إلا أن شهادة البكالوريا/ الثانوية العامة، بقيت متربّعة على عرش الشّهادات الدّراسيّة الأكثر اهتمامًا اجتماعيًا، حتّى أنّها تتفوّق في الاحتفاء الشّعبيّ بها، على شهادات أعلى منها، مثل الماجستير والدّكتوراه

 الأهمّية الاجتماعيّة التي تحظى بها شهادة البكالوريا تخلق ضغطًا نفسيًّا على الطّالب المترشّح لها

فاليوم الذّي يشهد إعلان النّتائج شهرًا بعد الامتحانات، يتحوّل إلى عرس جماعيّ في المحافظات الثّماني والأربعين. ترتفع فيه الزّغاريد في البيوت، وتُطلق السيارات أبواقها في الطّرقات، ويتهاطل الأهل والأصدقاء على تهنئة الفائز، الذّي يتحوّل إلى أمير يتلقّى الهدايا، ويحظى بعطلة صيفيّة تختلف عن عطله السّابقة.

اقرأ/ي أيضًا: صرخة "ما راناش حابسين" تحول طالبة إلى أيقونة للحراك

مظاهر التّديّن

تخلق هذه الأهمّية الاجتماعيّة، التي تحظى بها شهادة البكالوريا ضغطًا نفسيًّا على الطّالب المترشّح لها، فيسخّر وقته وجهوده وأعصابه واهتمامه، خلال الشّهور الأخيرة من الموسم الدراسيّ، للحفظ والإعداد والدّروس الإضافيّة مدفوعة الأجر والمراجعة الفرديّة والجماعيّة، ويتحوّل إلى إنسان منسحب تمامًا من الحياة الأسريّة والاجتماعيّة.

يرصد الطّالب خليل معيوف في حدّ إلى "الترا جزائر" جملة من مظاهر هذا الانسحاب بالقول إنّ قطاعًا واسعًا من المترشّحين لامتحان البكالوريا، التّي أطلق عليها تسمية "امتحان الرّعب"، يُقاطعون الشّارع ويدفنون أنفسهم في غرفهم للحفظ والمراجعة، ويتغيّبون عن مائدة الطعام مع الأسرة، ويزهدون في متابعة التّلفزيون، ويُعفون لحاهم، ولا يفرّقون بين اللّيل والنّهار، من زاوية الأكل والنّوم، ويقلّلون من استعمال مواقع التّواصل الاجتماعيّ. يضيف: "ينتفي الفرق بينهم وبين الجنود، الذّين ينخرطون في التّدريب الإجباريّ مباشرةً بعد التحاقهم بالثّكنة للمرّة الأولى".

في السياق نفسه، يشير  المتحدّث، إلى حالة خاصّة من التديّن يلجأ إليها قطاع واسع من المترشّحين للباكالوريا، الذّين قدّرت وزارة التّربية عددهم هذا الموسم بـ674120 مترشّحًا، "إذ يزيد إقبالهم على الصّلاة في المساجد وقراءة القرآن والتصدّق على المتسوّلين وطلب الدّعاء من المسنّين. ويتخلّى البعض عمّا يعتقد أنّها سلوكات منافية للدّين، مثل العلاقات العاطفيّة مع الجنس اللّطيف والتّدخين".

حرب نفسيّة

أمام مسجد فضيل الورتلاني في مدينة برج بوعريريج شرقي الجزائر، كانت هناك جماعاتٍ شبابيّة صغيرة تتشكّل لوقت قصير ثم تتفترّق. سألنا عن خلفية ذلك، فكان الردّ أنّها لمترشّحين للباكالوريا.

كان معظم المترشّحين يرتدون قمصانًا، وكان كلّ واحد منهم يتحدّث عن طقوسه في المراجعة، ويطرح أسئلة تخصّ رغبته في فهم بعض المسائل العالقة في ذهنه، ثمّ يعرّجون على تبادل الشّكوى من السّهر والتعّب وصداع الرّأس وتشويش الأطفال، بالنّسبة للذّين يسكنون بيوتًا ضيّقة.

يقول المترشّح سامي، إنّه ينعزل في البيت للمراجعة، بما يخلق لديه حالة من الانقباض النّفسيّ، "فآتي إلى المسجد لأستمدّ العون من الله، ثمّ ألتقي مترشّحين آخرين بعد انقضاء الصّلاة، فأتشارك معهم تبديد الخوف ورفع المعنويّات والحثّ على الصّبر والمثابرة". يُعبّر المتحدث عن خوفه من الفشل في افتكاك الشّهادة، وتخييب أمل أسرته التّي ترى في نجاحه مدعاة للفخر وإثبات الذّات أمام المعارف والأقارب على حدّ قوله.

يتدخّل مرشّح آخر بالقول: "إنّهم لا يطالبوننا بالحصول على معدّلات مرتفعة، بل بالحصول على شهادة البكالوريا ولو بمعدّل بسيط، المهمّ أنّ نمنحهم فرصة لأن يطلقوا الزّغاريد في البيوت، وتداول الخبر بين أن ابن فلان أو فلانة نجح البكالوريا". ويعلّق المتحدّث أن شهادة الناجح ستضاف إلى رصيد العائلة وليس من أجل تحسين المستوى العلمي للطالب وهو ما يسبّب ضغطًا نفسيًّا له على حدّ تعبيره.

سأله صحافي"الترا جزائر" إن كان يصلّي قبل الإقبال على البكالوريا، فقال إنّه لم يكن مواظبًا، وسأله إن كان سيواصل التزامه الدّيني، بعد الامتحان، فأجاب: "أنوي ذلك".

هنا، يعترف أكثر من مترشّح سابق في حديث إلى"الترا جزائر"، بأنّ حالة التديّن كانت مؤقّتة لديه. "استعنت بها على الخوف من الرّسوب، وشحن نفسي بطاقة إيجابيّة احتجتها للإعداد الجيّد للامتحان، ثمّ تجاوزتها بالعودة إلى الحالة الطبيعيّة" يقول الطّالب الجامعيّ أسامة حتوت.

 ويلفت الطّالب الجزائريّ الانتباه إلى أنّ بعض المقبلين على التديّن بمناسبة البكالوريا يواصلون تديّنهم بعد الالتحاق بالجامعة، "فيتمّ استقطابهم من طرف التّنظيمات ذات النّزعة الدّينية، التّي تجد في هؤلاء تربة خصبة للاستثمار".

روح براغماتيّة

ويرجع النّفاسي بوحجر بوتشيش نزعة التّديّن لدى المترشّح لشهادة البكالوريا، إلى جملة من العوامل الموضوعيّة منها تطرّف الأسرة الجزائريّة في الضّغط على أبنائها وتخويفها لهم من الرّسوب، "فيجد نفسه أمام أعباء نفسيّة تحاصره كلّما اقترب موعد الامتحان، فيلجأ إلى التديّن هروبًا من الخوف والضّغط وتقريبًا للحلم بالدّعاء".

يشرح محدّث "الترا جزائر" فكرته بالقول: "يمكن أن نسمّي السّنّ، التّي يكون عليها المترشّح للباكالوريا بـ سنّ البراغماتيّة، أي أنّ المراهق في هذه السّنّ يكون براغماتيًّا في علاقاته المختلفة لضمان مصالحه، منها علاقته بالذّات الإلهيّة، التّي يلجأ إليها في المحن والتّحدّيات الكبرى، ليطلب منها العون والسّتر والتّوفيق، لكن سرعان ما يغرق في نزعاته الشّبابية من جديد، بعد أن يتجاوز محنه ويربح تحدّياته".

يتخوّف مترشّحو البكالوريا هذه السنة من تقليص عدد الناجحين بسبب إضراب طلاب الجامعة وشبح السنة البيضاء

ويضاف إلى تخوّفات مترشّحي بكالوريا هذا الموسم، التّي ستنطلق يوم 15  حزيران/ يونيو الجاري، من مواجهة الامتحان في حدّ ذاته، تخوّفهم من سنة بيضاء في الجامعات، بسبب انخراط الطّلبة الجامعيين في الحراك الشّعبي، ومقاطعتهم للدّراسة، بما يجعل استعداد الجامعات لاستقبال طلبة جدد ضئيلًا، بالنّظر إلى قلّة من سيتخرّجون، فتلجأ الوزارة الوصيّة إلى الحدّ من النّاجحين الجدد.

 

اقرأ/ي أيضًا:

وزير التّعليم العالي الجزائري.. استهزاء بجائزة نوبل أم بعقول الجزائريين؟

مثقفون جزائريون: "لا للتكفير والتخوين والقذف"