26-مايو-2019

طالبة "ما راناش حابسين" (فيسبوك)

في خطوة وصفت بالمفاجأة للجميع، بما فيها أجهزة الأمن، غيرت مسيرة الطلبة الجامعيين نقطة التجمع النهائية، من البريد المركزي الذي يشهد عملية تسييج، إلى مقر قصر الحكومة، في سابقة من نوعها، إذ لم يسبق للمسيرات الشعبية في الجزائر العاصمة أن توجهت إلى أحد المباني الرسمية.

تحولت طالبة جامعية إلى أيقونة للحراك الشعبي بعد مقطع فيديو لها وهي تصرخ بحماس "ما راناش حابسين"

وتعزز المكان بأعداد إضافية من رجال الشرطة، الذين دخلوا في اشتباكات مباشرة مع الطلبة، ثم قاموا باعتقال العشرات منهم، بعد أن فرقوا تجمعهم بالغازات المسيلة للدموع.

اقرأ/ي أيضًا: في ثلاثائهم.. الطلاب يشدون أزر الحراك

في خضم الأحداث، التي تنبئ بتوجه المؤسسة الأمنية إلى التعامل العنيف مع المسيرات القادمة، خاصةً بعد تمسك مؤسسة الجيش بانتخابات الرابع من تموز/يوليو الداخل، قامت قناة "الجزائرية 1" باستجواب إحدى الطالبات بخصوص موقفها من تعامل الشرطة مع الطلبة، فانفجرت صارخة وهي تتلحف بالعلم الوطني "ماراناش حابسين" أو "لن نتوقف"، في إشارة منها إلى رفض المسار الدستوري، الذي يفرض التعامل مع بقايا نظام بوتفليقة. وراحت تكرر العبارة عدة مرات بصوت مرتفع وحماس عالٍ. 

التقط رواد موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، الفيديو، وراحوا يتداولونه على نطاق واسع، حتى أصبح حديث العام والخاص في المجالس الواقعية والافتراضية للجزائريين، الذين انقسموا في مواقفهم من الطالبة والرسالة التي مررتها وطريقة تمريرها، بين من اعتبرها صرخة المرحلة، التي تلخص يأس قطاع واسع من مرافقة مؤسسة الجيش لمطالب الحراك، وتأكيد التمسك الشعبي بمطالبه الأصلية، ومن اعتبرها سلوكًا خارجًا عن الرصانة والأخلاق.

تولى أصحاب الرأي الأول الرد على أصحاب الرأي الثاني، قائلين لهم إن "عيشة خير من عياش". وهو مثل شعبي يشير إلى تفوق المرأة على الرجل في بعض المواقف المفصلية. في إشارة منهم إلى أن الطالبة خرجت للتظاهر رغم الحر والصيام، في مقابل بقاء آخرين في بيوتهم، في عز حاجة الحراك إلى تأكيد كثافة المشاركة.

بالموازاة انتشر تصميم أيقوني للطالبة، قام قطاع واسع من رود فيسبوك بالجزائر بوضعها مكان صورهم الشخصية تأكيدًا على تبنيهم موقف الإصرار الذي أصبحت تمثله.

يقول الجامعي بهاء الدين صحراوي لـ"الترا جزائر"، إن الحراكيين التقطوا صرخة الطالبة وحولوها لأيقونة، "لأنها جاءت في الوقت الذي بدأت تظهر فيه مؤشرات اختطاف الحراك من طرف فلول العصابة، التي استرجعت أنفاسها بسبب تبني رئيس أركان الجيش للمسار الدستوري"، مضيفًا: "لقد بدأنا نخاف على مصير الحراك، من خلال الخوف من تراجع الحماس الشعبي له، فجاءت هذه الصرخة لتؤكد أن ثمة ضميرًا شعبيا يُؤكد عدم التراجع".

ويرى بهاء الدين صحراوي، أن عمليات "تشويه الطالبة"، مردّها إلى أن "مناصري الحل الدستوري فهموا عمق الصرخة وتأثيرها على الشعب، فعمدوا إلى تشويه الطالبة، وإطلاق أبشع الصفات عليها، في مسعى تحريف النقاش والتقليل من تأثيرها".

في السياق، تقول الطالبة تسعديت رعاش، إن "الذين تهجموا على صاحبة الصرخة المقدسة لم يقدموا فكرة، بل قاموا بمصادرة حقها بصفتها مواطنة، في التعبير عن موقف سياسي تؤمن به". وأضافت: "راحوا يدعونها إلى الدخول إلى المطبخ، فهو بحسبهم مكانها الطبيعي. وهذا سلوك متخلف يؤكد أن المسار الدستوري، الذي يدعون إليه يهدف في جوهره إلى إعادة ما يقمع الأصوات".

وتشير محدثة "الترا جزائر" إلى أن الحراك تعرض منذ انطلاقه لعدة محاولات "اختطاف"، بتعبيرها، مستدركةً: "لكن شبابًا ينتمون إلى العمق الشعبي، قاموا بإنقاذه من خلال لقطات التقطها الشعب بعفوية تامة، وتبناها في التعبير عن موقفه". تشرح: "فعل ذلك الشاب البطال، الذي ابتكر شعار "يتنحاو قاع"، وها هي هذه الطالبة تفعلها بصرختها ماراناش حابسين".

إذا كانت الجمعة الأولى للحراك كسرت حاجز الخوف، فإن الجمعة الـ14 كسرت محاولة التخلي عن المطالب الأصلية للحراك

وتشير معطيات كثيرة إلى أن الجمعة الـ14 لا تختلف، من حيث الأهمية والرمزية والحسم عن الجمعة الأولى يوم 22 شباط/ فبراير. فإذا كانت هذه الأخيرة كسرت حاجز الخوف، فإن الجمعة الـ14 كسرت محاولة التخلي عن المطالب الأصلية للحراك، خاصة وأن المتظاهرين رفعوا الشعارات التي تشدد على رفضهم للانتخابات قبل أن "تسقط العصابات".

 

اقرأ/ي أيضًا:

"من زوّر أمس سيزوّر اليوم".. رفض شعبي وسياسي للحوار مع بن صالح

غليان الشارع السياسي.. احتجاجات وإضرابات وقضايا فساد وانشقاقات داخل الأحزاب