منذ انطاقه، مر الحراك الشعبي بمرحلتين حاسمتين: مرحلة الانطلاقة خلال جمعاته الخمس الأولى، ومرحلة التململ بفعل تنافضات المؤسسة العسكرية، بانتقالها من مساندة المطالب الشعبية برحيل الباءات الحاكمة، إلى الدعوة إلى الذهاب إلى انتخابات الرابع من تموز/يويليو القادم، تحت إشراف الباءات نفسها، مع ضمان أن تكون انتخاباتٍ نزيهة، حتى لا يتم، بحسبها، الحياد عن المسار الدستوري، فيتم فتح المجال أمام التدخلات الأجنبية، بما خلق انقسامًا في صفوف الجزائريين، بين مساند ومعارض، كما تروج.
لعب الطلبة الجامعيون في مختلف مراحل الحراك، دورًا حاسمًا في التأكيد على استمرار المطالب الأصلية له
الطلاب.. كتلة مؤثرة
وفي كلتا المرحلتين لعب الطلبة الجامعيون الذين يقترب عددهم من المليونين، دورًا حاسمًا في التأكيد على استمرار المطالب الأصلية للحراك، برحيل الباءات والحروف الشبيهة لها في الانتماء إلى المرحلة البوتفليقية، والدخول في مرحلة انتقالية تشرف فيها وجوه مرضي عنها شعبيًا على انتخابات تفرز رئيسًا شرعيًا يشرف هو بنفسه على استكمال بقية الإجراءات والخطوات المفضية إلى الاستقرار المؤسساتي.
اقرأ/ي أيضًا: من الجامعة للفضاء العمومي.. طلبة وأساتذة يدفعون بالحراك الشعبي نحو المستقبل
فعل الطلبة ذلك بخروجهم في البداية، ككتلة لها وزنها في مسيرات مستقلة، خلقت موازين قوى جديدة لصالح مسعى الحراك الشعبي، ثم باستمرارهم في الخروج كل يوم الثلاثاء، بما جدد الحماس في مفاصل الحراك، بعد أن بدأ يخفت. وهو المعطى الذي استغلته السلطة القائمة في تكريس انطباع بأنها وجدت مناصرين لها في الشارع لاقتراحاتها.
تجديد عهود الحراك
جدد الطلبة، يوم أمسٍ الثلاثاء، 14 أيار/مايو 2019 خروجهم في أكثر من مدينة، خاصة الجزائر العاصمة، التي نظموا فيها وقفة أمام البرلمان طالبوا فيها برحيل رئيسه معاذ بوشارب ورئيس الدولة المؤقت عبد القادر بن صالح ورئيس الحكومة نور الدين بدوي، ورفعوا شعار "صايمين فاطرين مانيش راجعين".
يقول الطالب والناشط عمر دريوش لـ"الترا جزائر"، إنه وزملاءه تجمعوا أمام البرلمان ومحكمة سيدي امحمد مرورًا بمقر الولاية والبريد المركزي، "حتى أننا شوشنا على توقعات الشرطة لمسارنا، بناءً على المسيرات السابقة". وأشار دريوش إن بعض الطلبة تعرضوا للصعق بالكهرباء وللعرقلة، من طرف بعض الشرطة، "فيما تعاون رجال آخرون من الشرطة معنا"، بحسب قوله.
وأضاف محدث "الترا جزائر" أن "الوعي يزداد"، مستدركًا: "لكنه يتناسب عكسيًا مع الأعداد. لا شك أن في أن الكثيرين يستسلمون لخطة الثورة المضادة، ويقبلون برشوة الاعتقالات البعيدة عن المحاكمات الشفافة من أجل مغادرة الميدان وتوقيف النضال. وهذا ما يرفضه الطلبة من خلال مسيراتهم المتجددة".
شدّ أزر الحراك
وأوضح الطالب عمر دريوش: "البعض وقع ضحية صناعة ثنائية الشيطان/البطل، حيث تم تصوير فئة كبيرة من المناضلين والسياسيين على أنهم يمثلون حزب الشيطان أي فرنسا، وأن الكثيرين من المخدوعين والمنومين يسيرون على خطاهم بغبائهم حتى من المعارضين القدماء لهذا النظام، على عكسهم هناك منتبهون لهذا الشيطان، وهم يقفون إلى صف المنقذ والبطل والوطني أي رئيس أركان الجيش".
ويشير عمر دريوش إلى أنه لا يرى "المطبلين للعسكر" على أرض الواقع، الأمر الذي يعتبره "مريح من جهة، لكن من جهة أخرى هم من سيتوجهون إلى صناديق انتخابات العسكر في تموز/يوليو، قابلين بنصف ثورة ونصف حل، وضاربين بإرادة الشارع عرض الحائظ، ومؤسسين لفرقة خطيرة لطالما أرادها النظام ليجدد نفسه".
وفقًا لأحد الطلبة المشاركين في مسيرات أمس الثلاثاء، فقد تعرض بعض زملائه للعرقلة والصعق بالكهرباء من قبل بعض رجال الشرطة
هذا ويرى مراقبون أن المسيرات الأصلية يوم الجمعة باتت تستمد أنفاسها من أنفاس مسيرات الطلبة، بما أدى بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي إلى التلويح بإمكانية تقديم عطلة الصيف، حتى يتم إفراغ الفضاءات الجامعية من محتواها الطلابي. فهل تنجح في ذلك؟
اقرأ/ي أيضًا:
انقسام في الجامعة الجزائرية.. هل يعزز إضراب الطلبة زخم الحراك حقًا؟