11-أبريل-2019

تعززت شكوك الجزائريين بعد خطاب قايد صالح الذي أعلن فيه رفضه للمطالب التي تعرقل الحلول الدستورية (ياسين بوعزيز)

بما رآه البعض رغبة منه في إعطاء انطباع بأنه لم يأت إلا ليشرف على الانتخابات الرّئاسيّة، في أجلٍ أقصاه 90 يومًا، كما تذهب إليه المادّة 102 من الدّستور، كان استدعاء الهيئة النّاخبة أوّل قرار اتّخذه رئيس الدّولة الجديد عبد القادر بن صالح (1941)، إذ تمّ تحديد يوم الرابع من تموز/يوليو القادم، موعدًا للانتخابات، أي قبل عيد الاستقلال والشباب بيوم.

بدأت شكوك الجزائريين في قايد صالح بعد تنصيب بن صالح رئيسًا مؤقتًا، ثم تعزز بعد خطابه الذي أعلن فيه رفضه "المطالب التعجيزية"

وما لم يفعله بن صالح، الذّي رفضته قوى الحراك الشّعبي، لكونه امتدادًا للسّياسة البوتفليقيّة، حتّى تكون الانتخابات نزيهة كما وعد به في خطاب تنصيبه من طرف البرلمان، أن يأمر بإجراء مراجعة للقوائم الانتخابيّة، حتّى يتمّ تحيين الهيئة النّاخبة المقدّرة بـ23 مليون ناخب، ذلك أنّ قطاعًا واسعًا من الّشباب غير مسجّلين فيها، بالنّظر إلى مقاطعتهم السّابقة للانتخاب، بسبب اقتناعهم بتزويره مسبقًا من طرف الهيئات المشرفة عليها.

اقرأ/ي أيضًا: مخاوف الحراك الشعبي من الالتفاف والعسكرة.. هل من مبرر؟

أي أنّ الانتخابات الرّئاسية القادمة، التّي يُعلق عليها الجزائريّون أملًا كبيرًا في التّغيير، من غير إشراف "الباءات الثلاثة" عليها، ستكون بهيئة ناخبة منقوصة من شباب الحراك. وهذا ما يُعدّ، بحسب كثيرين، في مقدّمة الأدلّة على أنّ "الباءات الثّلاثة" تسعى لإعادة إنتاج نفسها بعد تنحي بوتفليقة، الأمر الذي يعزز رفض الحراك الشعبي لها.

قايد صالح والحل الدستوري

في خطابه ما قبل الأخير، تبنّى رئيس أركان الجيش ونائب وزير الدّفاع أحمد قايد صالح الحكم الشّعبيّ على بوتفليقة وجماعته بـ"العصابة"، ودعا إلى تعزيز المادّة 102 المتعلّقة بشغور منصب الرّئيس، بالمادّتين السابعة والثامنة من الدّستور، اللّتين تجعلان السّلطة المطلقة في يد الشّعب، بما فُهم أنّه انحياز كليّ من الجيش لمطالب الحراك الرّافض لأن يخلف رئيس مجلس الأمّة عبد القادر بن صالح رئيس الجمهوريّة المستقيل عبد العزيز بوتفليقة. وتأكد هذا الانطباع، لدى قطاع واسع من المراقبين والحراكيين، بعد أن استقال الرّئيس، مباشرة بعد هذا الخطاب.

غير أنّ صمت رئيس أركان الجيش بعدها، رغم أنّ عبد القادر بن صالح رفض الاستقالة من رئاسة مجلس الأمّة، بما يتيح فرصة انتخاب وجه مرضيّ عنه من داخل المجلس، حتّى يخلف الرّئيس المستقيل، واجتماع البرلمان المشكّلة أغلبيته من أحزاب الموالاة لتنصيبه رئيسًا للدّولة؛ جعل قطاعًا واسعًا من الحراكيين يشكّون في صدق نيّته.

وتعززت هذه الشكوك بعد خروج قايد صالح في خطاب له من وهران، قال فيه إنه يرفض "المطالب التّعجيزيّة، التّي تُعرقل الحلول الدّستوريّة"، مطالبًا الجزائريين بالهدوء، في إشارة منه إلى وجوب التّعامل مع ما أسماه "المسار الدّستوريّ"، وإلى تحفّظه على استمرار المسيرات.

وحتّى يُعطي انطباعًا بأنّه لم يحد عن التزامه بمطالب الحراك، كما ورد في أكثر من خطاب سابق له، ويُحاول امتصاص التّشكيك الشّعبيّ في نزاهة "الباءات الثّلاثة"، بناءً على تجارب سابقة، قال إنّ الجيش سيُرافق العملية الانتخابيّة، وسيفرض الشفافيّة المطلوبة.

وذهب رئيس أركان الجيش، في هذا المسعى، إلى القول بأن جهاز العدالة بات مستقلًّا تمامًا. وإنّه سيباشر التّحقيق في ملّفات الفساد، ذكر منها ملفّ شركة البترول "سوناطراك"، وملفّ رجل الأعمال الموقوف منذ سنوات "عبد المؤمن خليفة"، وملفّ "البوشي" المتعلّق بمحاولة إدخال 700 كيلوغرام من مادّة الكوكايين.

خيبة وإصرار شعبيّان

جاء خطاب رئيس الأركان في أوجّ الانتظار الشّعبيّ لأن يتدخّل لفرض المادّتين السابعة والثامنة من الدستورّ، فتتمّ إزاحة "الباءات الثلاثة" باسم الإرادة الشّعبيّة، وتعويضها بوجوه مرضيّ عنها شعبيًّا لإدارة المرحلة الانتقاليّة، في توفيق بين الحلّين الدّستوريّ والسياسيّ، لذلك كان الإحساس بالخيبة في وعوده، النّبرة الغالبة على تفاعلات الجزائريّين، في مجالسهم الواقعيّة والافتراضيّة.

لمس "الترا جزائر" الغضب الممزوج بالمرارة في مسيرة شبابيّة شهدتها مدينة سطيف، مباشرة بعد خطاب رئيس الأركان. يقول الشّاب حسام، 24 عامًا، إنّ شباب الحراك وثقوا في وعود قايد صالح، "حتّى صرنا نناديه بالعمّ. وقد أكّد لنا اليوم أنّنا مطالبون بألّا نثق إلّا في أنفسنا"، مضيفًا: "إنّ الدّستور الذّي يقول إنّنا مطالبون بالاستناد إليه يقول هو نفسه إنّ السّلطة المطلقة في يد الشّعب وحده. ونحن نرفض سلطة الباءات الثّلاثة".

ويقول الكاتب والمعماريّ يوسف بوذن لـ"الترا جزائر" إنّ خطة الطّريق، التّي لن تحيد عنها السّلطة تصبّ في برنامج واضح المعالم، وهو "إعادة إنتاج النّظام"، موضحًا: "يبدأ الأمر بتفعيل المادّة 102 والدّخول بسرعة في انتخابات رئاسيّة. هذه الانتخابات إن نجحت ستُعيد بها ترميم الواجهة المدنيّة. وخطاب الجيش بقي وفيًّا لطبيعة الغلق التّي تغذّيه: لن أقبل بالتّغيير، الذّي لا يُحافظ على مركزيّتي النّهائيّة".

ويخلص يوسف بوذن إلى القول بأنه "لا توجد أيّة ضمانة أخلاقيّة أو قانونيّة لإنجاز انتخابات نزيهة خلال مدّة قياسيّة. وفي بيئة إداريّة ملوّثة بذاكرة التّزوير الشّامل. في هذه الحالة، الخطاب يطلب رئيسًا مدنيًّا ضعيفًا أو عسكريًّا في الخدمة كما حدث مع الشّاذلي بن جديد".

من جهته، كتب النّاشط السّياسيّ نزيه برّمضان في تدوينة على فيسبوك قائلًا:: "رغم أنّني من المدافعين عن الحلول الدّستوريّة لأنّها الأءمن لبلدنا وشعبنا وجيشنا، ولكن بسياسيين يملكون ثقافة الدّولة، التّي أساسها الحياء من الشّعب. أمّا أن يرأس بن صالح الدّولة جعلني معجبًا بأجمل ما قرأت: "لا طاعة لدستور في معصية الشّعب".

فيما كتب النّاشط سعيد سلّوم مخاطبًا رئيس الأركان: "أنا أحيّيك تحيّة التّقدير والاحترام على ما تحلّيت به من شجاعة نادرة في طرح قضايا الفساد. ولكن لابدّ من حلّ أكثر شجاعة لمشكلة الباءات الثلاثة".

في المقابل، كتب الناشر رفيق طيبي رأيًا مخالفًا، قال فيه: "لا أدري كيف فهم النّاس والمحلّلون أنّ المادّة السابعة والثمانية من الدّستور يُمكن تطبيقهما لإنهاء العمل بالدّستور. هل يمنحك الدّستور سلطة لتخرقه بها؟".

ويُواصل رفيق طيبي تساؤلاته: "هل قول هذا الكلام الدّستوري الواضح هو تواطئ؟ هل التّواطئ مع مؤسّسة الجيش الوطنيّ الشّعبيّ ذنب؟ هل مسايرة العواطف الشّعبية والشّعار الرّاديكالي الشّعبوي (يتنحاو قاع) ضرورة أمام هذه المتغيّرات؟ هل الضّغط على الجيش لممارسة انقلاب عسكريّ مكتمل الأوجه والأركان يجعلنا في وضع أفضل؟".

بعد هذه التطورات، يرجح أن الجمعة الثامنة ستكون الأقوى منذ انطلاق الحراك، غير أنه يخشى من قمع الشرطة للمتظاهرين بعنف

أمام هذه المستجدّات، يرى قطاع واسع من الجزائريّين أنّه لم يبق لهم إلّا الإيمان أكثر بحراكهم ومطالبهم. وهو ما يجعل التوقّع بأن تكون الجمعة الثّامنة هي الأقوى، منذ انطلاق الحراك السّلميّ يوم 22 شباط/ فبراير الفائت مبرّرًا. فهل سترضى المؤسّسة العسكريّة عن استمرار الخروج إلى الشّارع، في ظلّ شروع جهاز الشّرطة في قمع المتظاهرين في الجزائر العاصمة؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

عبد القادر بن صالح.. رئيس مؤقت في حقل ألغام

البرلمان ينصّب بن صالح رئيسًا للجزائر والشارع يتمسك برفض "الباءات الثّلاثة"