06-مايو-2019

أوقف سعيد بوتفليقة من القضاء العسكري (رويترز)

يبدو أن خبر توقيف شقيق الرئيس بوتفليقة، والجنرالين محمد مدين المدعو توفيق، وبشير طرطاق، الذي تسرب مساء السبت، وتأكد رسميًا أمس الأحد، حجب كل التأويلات السياسية والخطابات التي أعقبته، بما فيها خطاب رئيس الدولة عبد القادر بن صالح.

حجب خبر توقيف سعيد بوتفليقة والجنرالين توفيق وطرطاق، كل التأويلات السياسية والخطابات التي أعقبته بما فيها خطاب بن صالح

كان الجزائريون يترقبون من بن صالح خطابًا بحجم خبر التوقيفات الأخيرة، وصولًا إلى التنبأ بتقديم استقالته، لكن رسالته التي قرأها في التلفزيون الرسمي، لم تخرج عن سابقاتها، ومرّت كأنها لا حدث.

اقرأ/ي أيضًا: "العصابة" أم الجيش.. من هو صاحب القرار في الجزائر الآن؟

ثلاث نقاط

ثلاث نقاط ركّز عليها خطاب رئيس الدولة عبد القادر بن صالح الأخير بمناسبة حلول شهر رمضان، وهي: الدعوة إلى الحوار، والتمسّك بتنظيم الانتخابات الرئاسية في آجالها المحدّدة، وخطاب التخويف من المؤامرات الأجنبية والانزلاقات الأمنية.

لكن الجديد في رسالة الرئيس المؤقّت، هو الدعوة إلى مناقشة تنظيم الانتخابات ومراقبتها والإشراف عليها، إذ يهدّد الحراك بمقاطعة الانتخابات بسبب إشراف نظام بوتفليقة السابق على تنظيم هذه الرئاسيات.

انتهى مسلسل "العصابة"؟

بإلقاء القبض على سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس السابق ومستشاره، إضافة إلى جنرالين اثنين من كبار القادة السابقين للمخابرات الجزائرية، وتحويلهم إلى المحكمة العسكرية، بل إيداعهم الحبس المؤقّت؛ يكون نائب وزر الدفاع قايد صالح، قد أنهى مسلسل مطاردة "العصابة" التي أشار إليه ووصفها بذلك في نيسان/أبريل الماضي.

وكان قايد صالح، قد أصدر بيانًا، في وقت سابق، اتهم فيه "أشخاصًا معروفين" قال إنه "سيكشف هويتهم في الوقت المناسب"، بالاجتماع سرًا مع عناصر من المخابرات الفرنسية، يهدف إلى ضرب المؤسّسة العسكرية والالتفاف على مطالب الشعب. 

وكان واضحًا للجميع أنه يقصد بهؤلاء الأشخاص سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس السابق، ورئيس المخابرات الأسبق محمد مدين والمعروف باسم الجنرال توفيق، واللواء المستقيل بشير طرطاق، إذ سربت تلك المعلومات العديد من الوسائل الإعلامية.

وجاء خبر توقيف الرجل القوي في قصر الرئاسة، أي سعيد بوتفليقة، إلى جانب رجلين من قادة المخابرات السابقين، ليفاجئ الجميع، إذ كان يُنتظر أن يصدر بيان عن المؤسّسة العسكرية يوم الثلاثاء القادم كما في كل مرّة، فقد واظب قايد صالح على إصدار بيانات متعلّقة بمتابعة تطوّرات الوضع منذ بداية الحراك الشعبي منذ ثلاثة أشهر تقريبًا، حتى سُميت بياناته إعلاميًا بـ"حديث الثلاثاء".

المؤسّسة العسكرية والحراك

إسقاط أفراد "العصابة" كما كانت تصفهم مؤسّسة الجيش، لم يكن ليحدث، بحسب متابعين، لولا أن نائب وزير الدفاع تعرّض لضغط كبير من الشارع، فبيانه الأخير يوم الثلاثاء الماضي، والذي دعا فيه للتمسّك بآجال الانتخابات الرئاسية المصادفة للرابع من تموز/يوليو القادم، كان باهتًا، وأثار موجة من الغضب بين كثيرين، تجسّد في الشعارات التي رُفعت الجمعة الماضية، والتي اتهمته بالتواطؤ مع "العصابة"، وأن ما يحدث في الساحة السياسية مجرّد تمثيلية.

لكن يبدو، أن المؤسّسة العسكرية تداركت هذا الخطاب، بعدما استشعرت خطر فقدانها لمصداقيتها في الشارع، وفقدانها لأسهمها في بورصة الحراك الشعبي منذ انطلاقه، فكان ردّها تقديم كباش فداء من الوزن الثقيل.

العدالة والمؤسّسة العسكرية

ما يُمكن قراءته من خطابات الشارع، التي تدعو المؤسّسة العسكرية أحيانًا إلى اتخاذ قرارات حاسمة، وتُعاتبها أحيانًا أخرى بالتقاعس رغم أنها لا تملك الصلاحيات الدستورية لفعل ذلك؛ يدلّ أن هذه المؤسّسة وعلى رأسها نائب وزير الدفاع قايد صالح، أصبحت صاحب القرار الفعلي في الدولة، وأن وجود رئيس الدولة عبد القادر بن صالح كواجهة دستورية فقط.

كما يمكن ملاحظة أن جهاز العدالة، أصبح يتحرّك تناغمًا مع دعوات المؤسّسة العسكرية في كل مرّة، إلى محاكمة رجال الأعمال "الفاسدين" في النظام السابق، وبعض الوجوه السياسية المتسبّبة في الأزمة، ما يؤكد على أن رئيس أركان الجيش بات الفاعل القوّي في المشهد السياسي.

وقبل أسبوعين تقريبًا، صدر بيان للمؤسّسة العسكرية، دعا فيه قايد صالح قطاع العدالة إلى التسريع في عملية محاسبة الفاسدين، ليأتي الردّ مباشرة بتوقيف خمسة من كبار رجال الأعمال، هم: إسعد ربراب والإخوة كونيناف، إذ يعتبر هؤلاء من أهمّ المالكين للمنشآت الكبرى في البلاد، والمسيطرين على أغلب المشاريع الحيوية، ومن الوجوه المحسوبة على النظام السابق.

وخلال قطع الأذرع المالية لنظام بوتفليقة، عادت بيانات الجيش لترفع مستوى خطابها، وتوجّه دعوات لجهاز العدالة بالإسراع في تحريك القضايا المتعلّقة بالفساد، فكانت النتيجة استدعاء الوزير الأول السابق أحمد أويحيى، إلى جانب وزير المالية الحالي ومحافظ بنك الجزائر السابق محمد لوكال، للمثول أمام المحكمة في قضايا متعلّقة "بتبديد  المال العام.

تصفية حسابات

يتوجّس كثيرون من أن تكون سلسلة التوقيفات الأخيرة التي عرفت توقيف شقيق الرئيس والجنرالين وإيداعهم الحبس المؤقت، والتي أبعدت خصوم قايد صالح، أن تكون عملية "انتقامية"، وأن مسيرة الشعب استعملت كمطيّة لتصفية حسابات دارت بين أجنحة السلطة.

لم يبقَ أمام قايد صالح كثير من الخيارات أمام رفض الحراك للانتخابات الرئاسية دون ضمانات حقيقية، فهل يستجيب له؟

ولطالما كان رئيس أركان الجيش، مستندًا إلى توجيه الصراع لمحاربة "العصابة"، لرفع أسهمه في الشارع الجزائري، أمّا وأنه اليوم قد لعب آخر أوراقه باعتقال الأذرع المالية والسياسية للنظام، فلم يبق أمامه الكثير من الخيارات أمام رفض الحراك الشعبي للذهاب إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة دون ضمانات حقيقية، فهل سيكون خطاب بن صالح اليوم دعوة لتغيير قانون الانتخاب في الجزائر؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

ترجمة الغضب على رؤوس السياسيين.. محاكمات شعبية أم عنف يهدد سلمية الحراك؟

انتخابات الأمين العام لجبهة التحرير.. البوتفليقية تسكن بيت الأفلان