لم تستطع اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني (الأفلان)، مفاجأة الجزائريين خلال الأسبوع المنصرم، بأن تنتخب أمينًا عامًا جديدًا لا يحمل في سيرته الذاتية جينات نظام الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، ويتوافق نضاله وهدفه مع مطالب الحراك الشعبي الذي تشهده البلاد منذ 22 شباط/فبراير الماضي.
لم تستطع اللجنة المركزية للأفلان، أن تفاجئ الجزائريين بانتخاب أمين عام جديد لا يحمل في سيرته جينات البوتفليقية
وبعد تأجيل لعدة مرات، عقدت اللجنة المركزية للحزب في 30 نيسان/أبريل المنصرم، دورة استثنائية لاختيار أمين عام جديد يعيد للتشكيلة السياسية التي تحكم البلاد منذ الاستقلال، سمعتها التي شوهتها عند الشعب 20 سنة من حكم بوتفليقة، غير أن ذلك لم يحدث بعدما كان العنوان الضمني لقائمة الترشيحات "بقايا نظام بوتفليقة هاهنا باقون"
اقرأ/ي أيضًا: هل انتهى "الأفلان" بانتهاء عهد بوتفليقة؟
المال السياسي
ترشح للأمانة العامة للأفلان أربعة أشخاص هم: الرئيس السابق للمجلس الشعبي الوطني، السعيد بوحجة، الذي تخلى عن ترشحه لرئاسيات 18 نيسان/أبريل الملغاة، بعد قرار بوتفليقة بخوضها، بالنظر إلى أنه من كان وراء تقلده منصب رئيس الغرفة السفلى للهيئة التشريعية، بعد انتخابات أيار/مايو 2017. وكذلك مصطفى معزوزي القيادي الذي برز اسمه خلال عملية الإطاحة بالأمين العام الأسبق، عبد العزيز بلخادم، بعد أن قرر نظام بوتفليقة التخلي عن خدمات هذا الأخير.
وضمت القائمة أيضًا جمال بن حمودة، المستشار الإعلامي السابق في وزارة التعليم العالي. وإن كانت سيرة بن حمودة النضالية لا تكشف الكثير عن تورطه في نظام بوتفليقة، إلا أنه ظل لسنوات في وزارة أثيرت العديد من التساؤلات حول الفساد الذي كان ينخر مختلف الفروع التابعة لها، خاصة مصلحة الخدمات الجامعية.
ولم يقع اختيار أعضاء اللجنة المركزية على من له صورة أحسن من المرشحين الثلاثة، بل كان على من يعكس عبث نظام بوتفليقة في أبلغ تهوره، وهو محمد جميعي الذي يجسد زواج المال المشبوه بالفساد، بالسياسة.
وجميعي، الذي استطاع أن يتقدم بـ223 صوتًا مقابل 126 لبن حمودة، و35 صوتًا لبوحجة، و18 صوتًا لمصطفى معزوزي، هو رجل أعمال معروف بقربه من نظام الرئيس السابق، ما مكنه من أن يكون مالكًا لإحدى شركات الإلكترونيات البارزة في البلاد منذ سنوات.
واستطاع رجل الأعمال الحامل لشهادتي ليسانس في التسيير، ودراسات عليا في الدبلوماسية، أن يلج البرلمان عامين فقط بعد وصول بوتفليقة للحكم عام 1999، فقد انتخب جميعي عدة مرات نائبًا عن ولاية تبسة الواقعة على الحدود مع تونس، بداية من سنة 2002، سواء بعباءة جبهة التحرير الوطني، أو مترشحًا مستقلًا.
ويعرف عن الأمين العام الجديد للأفلان لعبه لكل الأدوار المعارضة والموالية لمختلف الأمناء العامين السابقين، الذين توالوا قبله على قيادة الحزب، من بن فليس إلى بلخادم وسعيداني وانتهاءً بولد عباس.
وامتزجت مسيرته السياسية بالتنقل ما بين الممارسة المستقلة إذا فرضت الضرورة ذلك، والانخراط في الأفلان الذي ضمن أعضاؤه امتيازات خاصة في عهد بوتفليقة.
وظل جميعي من المدافعين عن الولاية الخامسة لبوتفليقة حتى مع انطلاق الحراك الشعبي، فهو صاحب مقولة "من ينافس بوتفليقة لم تلده أمه بعد"، كما بقي إلى وقت قريب من استقالة الرئيس السابق، من المدافيعين عنه والمباركين لولايته الخامسة.
واليوم، وقبل أن يطرح اسمه ضمن قائمة رجال الأعمال الذين قد يطالهم سيف العدالة ضمن حملة محاسبة المستفيدين من فساد نظام بوتفليقة، يحرص جميعي على أن يكون خطابه الجديد مليئًا بعبارات جلد فترة بوتفليقة عبر تصريحات تدين شقيقه السعيد.
وفي تصريحات صحفية لجميعي، قال إن السعيد بوتفليقة "يعتبر الركيزة الأساسية للقوى غير الدستورية"، بل قال إن منضالي وإطارات جبهة التحرير الوطني ومؤسسات الدولة، كانوا "ضحية له".
المتحف ينتظر
بتولي جميعي الأمانة العامة لجبهة التحرير، تتعالى الأصوات المنادية بإدخال الحزب المرتبط تاريخيًا بالثورة ضد الاستعمار الفرنسي، إلى "المتحف"، للإبقاء على رمزيته التاريخية دون الحاجة إلى حلّه بعد ما شابه سياسيًا في العقود الأخيرة.
ويأمل جزائريون ألا يتم تحميل الحزب التاريخي، وزر ما قام به من قادوه خلال فترة الاستقلال، خاصة في عهد عبد العزيز بوتفليقة الذي كان يرأس الحزب، لذلك تطرح فكرة إدخاله المتحف، وتصنيفه ضمن رموز الدولة وهويتها لحمايته من الصراعات السياسة.
غير أن الأمين العام الجديد لا يوافق هذا الرأي على ما يبدو، رغم إدراكه بتوسع حجم المطالبين بإدخال جبهة التحرير الوطني إلى المتحف، مراهنًا على ما أسماه "الحصول على صفح من الجزائريين عما ارتكبه الحزب من أخطاء سابقًا" بما يسمح له بمواصلة ممارسة العمل السياسي.
تتعالى الأصوات المنادية بإدخال الأفلان إلى المتحف، للإبقاء على رمزيته التاريخية دون الحاجة لحله بعد ما شابه في عهد بوتفليقة
وعلى كل حال يعرف الحزب استقالات عديدة منذ تنحية بوتفليقة عن كرسي الرئاسة، الأمر الذي يهدد وجوده، أو على الأقل تأثيره بطبيعة الحال.
اقرأ/ي أيضًا:
غليان الشارع السياسي.. احتجاجات وإضرابات وقضايا فساد وانشقاقات داخل الأحزاب
ترجمة الغضب على رؤوس السياسيين.. محاكمات شعبية أم عنف يهدد سلمية الحراك؟