22-أبريل-2019

يعتقد نشطاء أن ضغط الحراك الشعبي سينهي أي دور للأفلان في المرحلة المقبلة (أ.ف.ب)

"سننتصر عام 2019 وعام 2024، حتى بعد 100 سنة من اليوم، سيكون الأفلان هو الحزب الحاكم"، هكذا كان يستعرض الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني (أفلان)، جمال ولد عباس، عضلاته أمام المناضلين والصحافة الوطنية في تجمع له قبل عام تقريبًا. 

رسم الأمناء العامون لحزب جبهة التحرير الوطني (أفلان) الصورة القاتمة التي يمتلكها الجزائريون عن الحزب، بما رفع درجة الاستياء منه

وفي تلك الفترة كانت ولد عباس أكبر المنافحين عن الرئيس المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة، فلم يضيّع أي فرصة ليؤكد للجميع أن بوتفليقة هو رئيس الأفلان، ورئيس كل الجزائريين، وأنه سيظل كذلك! 

اقرأ/ي أيضًا: أسماء شهداء ثورة التحرير يُحييها الحراك الشعبي

وعلى ما يبدو لم يكن ولد عباس يعلم بما هو آتٍ، ليزاح من الأمانة العامة للحزب في ظروف مجهولة ، ليأتي بعده معاذ بوشارب الذي ورث من ولد عباس نفس اللهجة ونفس الخطاب، ونفس المدح والولاء للرئيس بوتفليقة، ليكون بوشارب أول من أعلن رسميًا ترشح بوتفليقة لعهدة خامسة من القاعة البيضاوية، لكن في أقل من شهرين تغيّر كل شيء وصار حزب جبهة التحرير على رأس قائمة المغضوب عليهم.

ضغط الشارع وصراع داخلي

 لم يكن جمال ولد عباس مختلفًا عن الأمناء العامين السابقين للحزب الحاكم، بل حذا حذوهم في رسم الصورة القاتمة التي يمتلكها الجزائريون عن الحزب، ورفع درجة الاستياء منه. ومضى في نفس نهج تقديس بوتفليقة ومدح برنامجه ونسبه للحزب في كل سانحة دون نسيان تغوّل أصحاب المال والمصالح وتحكمهم في كواليس الحزب وصنع قراراته.

جمال ولد عباس
ظل جمال ولد عباس رجل بوتفليقة المقرب، قبل إبعاده في ظروف مجهولة 

بين ليلة وضحاها انسحب ولد عباس من الأمانة العامة، والعذر الذي قدّمه للجزائريين هو "معاناته من أزمة قلبية" ورغبته في الراحة، لكن طلعين على ما يدور في أروقة الحزب يؤكدون أن من عينوه على رأس الأفلان اعتقدوا أنه قد تم استهلاكه ووجب تعويضه بشخصية أخرى جديدة، فوقع الاختيار على النائب البرلماني معاذ بوشارب.

يجمع المتابعون للشأن السياسي في الجزائر على أن معاذ بوشارب تقمّص دورًا أكبر منه ومن رصيده السياسي، فالنائب البرلماني لثلاث عهدات متتالية، أصبح أيضًا الرجل الثالث في الدولة بعد انتخابه رئيسًا للمجلس الشعبي الوطني، في حادثة لم يسبق لها مثيل في الجزائر، حيث وصل بوشارب لهذا المنصب بقوة الأقفال والسلاسل الحديدية، بعد سحب الثقة من الرئيس السابق سعيد بوحّجة الذي ينتمي لذات الحزب.

ويعتبر تصريح وزارة الداخلية لأعضاء من اللّجنة المركزية بعقد اجتماعهم هذا الثلاثاء، بمثابة شهادة الوفاة السياسية لبوشارب، بحسب معارضيه، لكن بوشارب رفقة مواليه يصرّون على عدم شرعية هذا الاجتماع، كما يرى المكلف بالإعلام، حسين خلدون في جميع تصريحاته مؤخرًا لوسائل الإعلام، أن هيئة تسيير الأفلان التي يترأسها بوشارب، هي "الكتلة الشرعية الوحيدة التي تمتلك حق القرار وحق التحضير للمؤتمر" الذي سينتخب فيه أمين عام جديد للحزب، مؤكدًا أن جمال ولد عباس "لن ينال شرف ترأس الحزب مرّة أخرى".

وخلافًا لذلك يري ناصر بطيش، عضو اللجنة المركزية للأفلان، وأحد المتقدمين بطلب تنظيم دورة استثنائية، أن "الحراك الشعبي ساهم في إنقاذ حزب جبهة التحرير الوطني، وعودة الشرعية إليه". 

وأضاف بطيش في تصريح لـ"الترا جزائر" أن حزب الجبهة "من اليوم سيعود لأبنائه الحقيقيين"، مؤكدًا أن جمال ولد عباس سيتقدم خلال الدورة الاستثنائية باستقالته من على رأس الأفلان، "لينتخب المناضلون خليفة له في إطار ديمقراطي شفّاف"، على حد تعبيره.

هل سيوضع الحزب داخل متحف؟

منذ بداية الحراك الشعبي، تصدّر حزب جبهة التحرير الوطني قائمة الأحزاب المرفوضة شعبيًا، خاصة بعد سقطة معاذ بوشارب في تجمع للمنتخبين المحليين بوهران في اليوم التالي لأول يوم للمسيرات، حين قال إن المطالبين بالتغيير "يحلمون"، متمنيا لهم "أحلامًا سعيدة"، ما جعل الكثير من الجزائريين يطالبون بإخراج الحزب من الحياة السياسة كلية، كما أضيفت "باء بوشارب" لقائمة الباءات الثلاثة الأخرى.

في ذلك يلفت الكاتب الصحفي عثمان لحياني، لما اعتبرها "مغالطة يجب تصحيحها"، موضحًا أن "حزب جبهة التحرير الوطني ولد عام 1964، ولا علاقة له بجبهة التحرير التي كانت إطارًا  ثوريًا". 

وقال لحياني لـ"الترا جزائر": "أعتقد أن حزب جبهة التحرير الوطني نجا بعد تشرين الأول/أكتوبر 1988 من مقصلة سياسية، ونجح في العودة إلى المشهد بعد انقلاب 1992، وكانت هناك محاولة من الرئيس الراحل محمد بوضياف بنقل الجبهة إلى المتحف لكن الأوضاع لم تكن مناسبة". 

وكما اتضح في الشعارات واللافتات المرفوعة، يعي الحراك الشعبي الفصل بين ثورة التحرير ورموزها، وبين حزب جبهة التحرير الوطني. ويعتقد الصحفي عثمان لحياني أن هناك "موقفًا شعبيًا من ضرورى استعادة رموز جبهة التحرير التاريخية من الاستغلال والتوظيف السياسي من قبل الأفلان".

يُذكر أن 14 قياديًا في الجبهة، وقعوا رسالة تطالب بذلك، كما صدر عن منظمة المجاهدين بيان يدعو للفصل بين حزب الأفلام وجبهة التحرير التاريخية.

في المقابل يقترح لحياني سحب جبهة التحرير من التوظيف السياسي، عبر "نقل الملكية الثقافية والوطنية للجبهة للشعب والأمة عبر الدستور"، وذلك بوضع مادة في الدستور تضمن رمزيتها، وتنص على معاقبة من يسيء إليها، بحسب طرح لحياني.

ويقول لحياني إنه يتصور أن الدستور المقبل "سيفرض على أعضاء حزب جبهة التحرير، عقد مؤتمر لتغيير التسمية، ويمنعهم من استغلال التسمية التاريخية واتخاذ أي اسم آخر، تمامًا مثلما فرض دستور عام 1996 على حركة المجتمع الإسلامي أن تعقد مؤتمرًا وتلغي كلمة "الإسلامي" من التسمية، فتغير اسمها ليصبح حركة مجتمع السلم.

قد يكون معاذ بوشارب آخر رجال بوتفليقة في الأفلان

من جانبه أكد الناشط السياسي عز الدين تومي على أن "جبهة التحرير الوطني بعد الاستقلال، جبهة مضادة ومزيفة، ولا علاقة لها بجبهة التحرير الوطني الحقيقية". واعتبر تومي أن جبهة ما بعد الاستقلال، أو حزب جبهة التحرير الوطني (افلان)، لم يكن في عهد بوتفليقة "سوى لجنة مساندة، أو في أحسن الأحوال جهاز يسيطر عليه المال الفاسد"، على حد تعبيره.

وعن المصير المرتقب للحزب الحاكم في الجزائر، والذي يعدّ أكبر حزب ممثل في البرلمانات والحكومات المتعاقبة خلال عهد بوتفليقة، يقول تومي: "الآن الشارع يفرض نفسه بقوة، وذلك مستمر منذ شهرين، من خلال مليونيات سلمية يطالب الشعب فيها بتغيير النظام بعصبه وعصاباته".

يؤكد نشطاء وصحفيون على ضرورة التفريق بين الأفلان كحزب سياسي مرتبط بالسلطة، وبين جبهة التحرير التاريخية رائدة الثورة

وعليه، يعتقد تومي أن مع ضغط الشارع المستمر، فإنه في المستقبل القريب، لن يكون لحزب الأفلان أي دور مباشر في الحياة السياسية الجزائرية.

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

الحراك الذي لا تحتكره السياسة.. مطالب حيوية ومعيشية من عمق الشارع الجزائري

المتحولون في الجزائر.. سياسيون وإعلاميون ركبوا موجة الحراك