تتفاعل المواقف السياسية في الجزائر بشأن مسودة قانون الانتخابات الجديد، بين مرحّبٍ بمضمون هذا القانون، ومتحفّظ ٍعلى جزء من بنوده، خاصة تلك التي لا تتماشى، بحسب بعض الأحزاب، مع المتغيرات السياسية الراهنة في البلاد ما بعد الحراك الشعبي، ولا تستجيب لشعاراته.
تزوير الانتخابات وتدخل المال الفاسد في العملية الانتخابية أهم القضايا المطروحة
بالنّظر إلى طبيعة وثيقة المسودّة، فإنّ أكثر الأسئلة المتعلقة بهذا القانون هي المرتبطة بحدود التغيير الذي سيحدثها تطبيق تدابيره في سير الانتخابات المقبلة، سواءً كانت محلية خاصة بتجديد المجالس البلدية، أو لائية ونيابية متعلقة بالغرفة السفلى للبرلمان الجزائري، مقارنة مع الاستحقاقات السابقة.
اقرأ/ي أيضًا: توزيع مسودة قانون الانتخابات على الأحزاب
تهيأة الساحة السياسية
عمومًا، تأخذ الانتخابات النيابية والمحليّة المقبلة أهمّية بالغة في المسار السياسي للبلاد، ومثلما تعد هذه الانتخابات فرصة سانحة لإعادة تشكل المشهد السياسي في الجزائر، على قاعدة المتغيرات السياسية التي حملتها رياح الحراك الشعبي منذ 22 شباط/فبراير 2019، وفق الحجم الحقيقي لكل تيار وحزب سياسي، فإنها تعدّ أيضًا امتحانًا جديًا للنوايا الحقيقية للسلطة، لإحداث قطيعة مع الممارسات التي كانت تشوّش الانتخابات ما قبل الحراك وتفقدها مصداقيتها، بسبب التزوير وهيمنة الإدارة وأجهزة الأمن على كامل محطات العملية الانتخابية.
بغضّ النّظر عن التحفّظات الظّرفية لهذا الحزب أو ذاك، بشأن بند أو مادة معينة في قانون الانتخابات الجديد، فإنّ الضوء يجب أن يسلط على عدد الزوايا المهمة التي ستحكم العملية الانتخابية، أبرزها مدى استقلالية السلطة الوطنية للانتخابات عن أي تأثيرات سياسية من السلطة التنفيذية؟ خاصة وأن هذه السلطة بات في رصيدها تجربتين انتخابيتين أشرفت عليهما حتى الآن: الانتخابات الرئاسية في 12 كانون الثاني/ديسمبر 2019، واستفتاء الشعب الخاص بالدستور الجديد في الفاتح من شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.
وبالإضافة إلى الطّرح السابق، هناك زاوية ثانية من الضّروري توضيحها؛ وهي أهمية فحص مدى وجود محدّدات قانونية صارمة تضمن حياد الإدارة والولاة والمؤسسات الحكومية والأجهزة الأمنية وإبعاد يدها عن أي تدخل في الانتخابات، كما قال الأستاذ المحامي نور الدين سعدوني، سواءً في مرحلة الترشيحات أو في الاقتراع والنتائج، مؤكدًا لـ "الترا جزائر"، على ضرورة رصد مدى توفير الضمانات الكافية للأحزاب والمترّشحين لحفظ حقوقهم في منافسة انتخابية نزيهة، وفي ظلّ تكافؤ الفرص، والتوزيع العادل للتغطية الإعلامية. حسب تعبيره.
وعرَّج المتحدث إلى أهمية استبعاد المال الفاسد الذي برزت تدخّلاته بشكل لافت في المرحلة السابقة، خاصة منذ انتخابات 2012، في فترة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
يعتقد كثير من المتابعين لتطوّرات المشهد السياسي في الجزائر، أن قانون الانتخابات الجديد، يُمثّل بعد إقرار الدستور الجديد نهاية السنة الماضية، أبرز المحطات التي ستتأسس عليها مشروع "الجزائر الجديدة"، وفقًا للالتزامات السياسية للرئيس عبد المجيد تبون، والذي تعهّد بإعادة مشهد سياسي جديد يحتكم إلى الإرادة الشعبية، وهو ما يعني أنه يحظى بكثير من النقاش السياسي من قبل أكثر من 70 حزبًا سياسيًا معتمدًا في الجزائر، وما سيرافق ذلك من جدل بشان بعض البنود والمواد، على غرار المواد التي تعتمد العتبة الانتخابية وتفرض على الأحزاب الفتية التي لم تحز على نسبة تساوي أو تفوق 4 % في المائة والأحزاب الجديدة، وقوائم المستقلين جمع التوقيعات من الناخبين لقبول ترشّحها، وكذا اشتراطات المتعلقة بالمناصفة بين النساء والرجال وحصة الشباب في القوائم وغيرها.
عائق سياسي
شكلًا يحتوي مشروع قانون الانتخابات على 310 مادة، من بينها 100 مادة جديدة أو تم رسكلتها أو تحيينها حيث نصت الفقرة الثانية من المادة 174، على أنه "يتعين على كل قائمة أن تراعي مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء وأن تخصّص على الأقل ثلث المترشّحين ممن يقل سنهم عن 35 عامًا، فيما تعلّق بانتخاب أعضاء المجلس الشعبي الوطني (الغرفة السفلى للبرلمان) مع إمكانية تمويل حملاتهم الانتخابية. ويستثنى من مبدأ المناصفة البلديات التي يساوي عدد سكانها أو يزيد عن 20 ألف نسمة".
تُعتبر هذه المادة من الزوايا المهمة في المسودّة المعروضة على الأحزاب السياسية، يدفع النقاش حول قانون الانتخابات، حسب الناشط السياسي الحقوقي منير زرفاوي، إلى الحديث عن مشكلة سياسية كبيرة عاشتها الجزائر منذ فترة طويلة من الممارسة السياسية، موضّحًا في حديث إلى "الترا جزائر"، أنّها "تتعلق بمدى وجود مؤسّسات حزبية بالمعنى السياسي والتنظيمي والهيكلي، وبمدى قدرة هذه المؤسسات علي استيعاب كامل الفئات الاجتماعية وتنشئتهم السياسية وتأطيرهم".
وواصل الحقوقي زرفاوي، أن ذلك ما يتيح لهذه الأحزاب توفير كفاءات ومناضلين يغنيها عن طلب مترشحين من خارج إطارها التنظيمي، خاصّة بالنسبة لعنصري المرأة والشباب، وهو الأمر الذي لا يمكن تحقيقه حاليًا.
وكتوصيف للواقع السياسي الجزائري قال المتحدث إن غالبية الأحزاب السياسية في الجزائر لا تتوفر على قواعد نضالية نسوية، يمكن أن تساعد على التكفّل بالاشتراط القانوني الذي يفرص المناصفة في قوائم المترشحين، ويعيد ذلك الحديث عن ضرورة تطهير الساحة السياسية من الأحزاب التي توصف إعلاميا بـ"المجهرية" من جهة، والسّماح بنشوء أحزاب جديدة ودفع الأحزاب التقليدية إلى التكيف مع المتغيرات الاجتماعية والسياسية للبلاد، على حدّ قوله.
من المهم معرفة إن كان هناك مشروع قانون جدّي لتطهير الساحة السياسية من جهة والفعل السياسي من جهة أخرى
وفي انتظار مقترحات الأحزاب حول مسودة قانون الانتخابات، وجب الإشارة إلى أنّه من المهم التوقّف عند العديد من تلك المواد، إن كان هناك مشروع جدي لتطهير الساحة السياسية من جهة، والفعل السياسي من جهة أخرى، خاصّة فيما تعلّق بطبيعة الاقتراع من حيث الشّكل والمضمون ومدى فعاليته في تحقيق انتظارات الشارع وتلبية آفاق وطموحات قطاع واسع من الجزائريين.
اقرأ/ي أيضًا:
مشروع قانون الانتخابات.. تغيير نمط الاقتراع وفرض شروط جديدة للترشح
قانون الانتخابات الجديد.. نحو حلّ مشكلة المال الفاسد والعزوف الانتخابي