08-يوليو-2019

مصالي الحاج سنة 1959 (غاما كيستون/Getty)

في3 جوان/ حزيران من السنة الجارية، مرت علينا الذكرى الـ45 لرحيل القائد والأب الروحي للوطنية الجزائرية مصالي الحاج.

شارك مصالي الحاج في أول مظاهرة ضد التجنيد الإجباري، وكان في 13 من عمره

عرف المسار التاريخي والنضالي لمصالي الحاج عدة محطات، بداية من تأسيس نجم شمال أفريقيا، إلى ميلاد حزب الشعب الجزائري، إلى مرحلة اندلاع الثورة التحريرية. تباينت وتعددت مواقف الرجل خلال مسيراته النضالية.

اقرأ/ي أيضًا: استعادة رفات ثوار الجزائر.. التأجيل مستمر!

نتناول في هذا المقال بدايته النضالية إلى غاية حل تنظيم نجم شمال أفريقيا.

الميلاد والنشأة

ولد مصالي الحاج في 16 أيار/مايو 1898 في حي رحيبة بتلمسان، من عائلة كروغلية، فالجذور العائلية تنحدر من زواج عقد بين الأتراك وعرب الأندلس، وأصل اللقب العائلي هو "مصلي"، أي من سكان مدينة الموصل، اسما حولته الإدارة المدنية الفرنسية إلى "مصالي".

تربى مصالي الحاج في بيئة حضرية، ومدينة تاريخية تقاطعت فيها بصمات الحضارات البربرية والرومانية والعربية والأندلسية والتركية، تلقى التعليم في مسجد سيدي بومدين الذي بناه مهندسون معماريون من الأندلس، وكان والده القائم على ضريح سيدي بومدين، تكوينه الديني والروحي كان على الطريقة الدرقاوية المنتشرة في المنطقة. اشتغل في سن التاسعة حلاقًا ثم إسكافيًا، انفصل على أهله أول مرة وكان في سنة العاشر، وعمل في مصنع للتبغ لمدة سنة.

بداية النضج الوطني

بدأ اهتمامه بالأوضاع الاجتماعية والسياسية صغيرًا، شارك في أول مظاهرة ضد التجنيد الإجباري، وكان صاحب 13 سنة.

في سنة 1918، جنّد مصالي في الجيش الفرنسي، غادر تلمسان إلى وهران، انتقل بعدها إلى الثكنة بوردو بفرنسا، التقى مع رفاق له من المغرب وتونس وبعض الأفارقة، عيّن عريفًا، لفتت انتباهه اللامساواة بين الجنود الأفارقة والفرنسين، واعترض على تلك التصرفات التمييزية والعنصرية. شكلت أحداث الحرب العالمية الأولى اهتمام مصالي الحاج، فكان مهتمًا ومتابعًا للشأن التركي مع الحلفاء. لم ينقطع عن زيارة تلمسان، وتم توقيفه أول مرة من طرف الشرطة الفرنسية بعد هتفه "تحيا مصطفى كمال باشا" أمام ضباط الفرنسيين، تضامنًا مع الشعب التركي.

كانت زيارة الأمير خالد إلى تلمسان، في سنة 1922، منعطفًا حاسمًا في رسم معالم حياة مصالي الحاج النضالية

في سنة 1922، كانت زيارة الأمير خالد إلى تلمسان منعطفًا حاسمًا في رسم معالم حياته النضالية، اطلع على آفق الحركة الإصلاحية واستمع لأول مرة إلى خطاب استقلالي وطني، يستند الخطاب إلى وثيقة ولسون، في حق الشعوب في تقرير المصير.

اقرأ/ي أيضًا: ما معنى أن تكون سليلًا لثورة التّحرير الجزائرية؟

السفر إلى فرنسا 1923

السفر إلى فرنسا كان بداية الاحتكاك الفعلي بالجالية الجزائرية والعمل السياسي والنقابي، بعد أسبوع من استقراره في باريس، وجد عملًا في مصنع النسيج بالدائرة 20. عرف عن مصالي الحاج عدم الاستقرار في مهنة واحدة، كان يفضل المهن التي توفر له الوقت الكافي للنضال وحضور الملتقيات العمالية والندوات تحت اشراف جمعية مناهضة للإمبريالية والاستعمار. كان واضح أن مصالي الحاج لم تكن له الرغبة في الترقية المهنية أو البحث عن المال. تأثر مصالي الحاج بالدعاية المبذولة من طرف الحزب الشيوعي الفرنسي والنقابات العمالية ودفاعهما عن وضعية عمال شمال أفريقيا.

في 1925، اندلعت ثورة الريف في المغرب بقيادة عبد الكريم الخطابي، انشغل مصالي الحاج بالأخبار الواردة من ثورة الريف، وكانت باعثة عن الوعي الوطني.

 نجم شمال افريقيا

أدرك مصالي الحاج ضرورة البحث عن انتقال الجالية الشمال الافريقية من منظمة عمالية واجتماعية إلى منظمة سياسية لها طابع ثوري. ترجم هذا الاهتمام بتأسيس نجم شمال افريقيا، ففي شهر حريزان/يونيو سنة 1926 وخلال اجتماع في رقم 8 شارع مونبور، شهد ميلاد نجم شمال أفريقيا، وتم تعيين مصالي الحاج أمين عام لنجم شمال افريقيا وكان عمره 28 سنة.

كان أول مهرجان للنجم هو ضد تدشين مسجد باريس الذي كان في 14 تموز/يوليو 1926. وفي 17 تشرين الأول/أكتوبر 1926 في قاعة المهندسين المدنيين وأمام 250 مناضلًا، تكلم مصالي الحاج أمام الجمهور لأول مرة، طلب مصالي الحاج بإبطال قانون الاهالي، لإلغاء قيود السفر للجزائريين والمغاربة، وحرية الاجتماع وحرية الصحافة وتحسين أوضاع المهاجرين والعمال والتمثل النيابي للجالية المغاربية.

القطيعة مع الحزب الشيوعي الفرنسي

كان لمشاركة مصالي الحاج في مؤتمر بروكسل صدى واسعًا، فمصالي الحاج أول شخصية سياسية تطالب باستقلال الجزائر بصورة علانية، اتسمت شخصية مصالي بالتمرد، وعدم الانضباط الحزبي، قليل الميل إلى الاذعان للحزب الشيوعي والتعليمات التنظيمية، فأدرك ضرورة الانفصال عن الحزب الشيوعي الفرنسي وتأسيس إطار خاص من اجل الكفاح الوطني، حاول مصالي الحاج الانتقال بنجم شمال أفريقيا من فرع للحزب الشيوعي الفرنسي إلى شريك سياسي قوي، تنظيميا بدأ النجم في استقطاب الجالية كمنظمة جماهيرية، تمتلك منبرًا إعلاميًا قويًا، فجريدة الإقدام تسحب 8000 نسخة تصل إلى غاية الجزائر. لم يتوقع مصالي الحاج خطوة الحزب الشيوعي الفرنسي تقليص المساعدات المالية، خلال جمعية عامة في تشرين الثاني/نوفمبر 1927، حدثت معارك بين المناضلين من نجم الشمال ومناضلي الحزب الشيوعي التزم مصالي التحفظ واستقال من منصب الأمين العام.

لم يكل مصالي الحاج، فقد عرف عنه المصابرة والمثابرة، انخرط في العمل الجواري أكثر، كان نشاطه المهني بائعًا متجولًا يسمح له بلقاء الجزائريين في المقاهي والمطاعم، أدرك مصالي ضرورة تكوين فريق عمل قوي يشاركه آراءه الوطنية الاستقلالية، وإعادة بعث نجم شمال أفريقيا، بعد حله من طرف السلطات الفرنسية سنة 1929.

بعد الانتشار الموسع في التراب الفرنسي وتنظيم فروع في الجزائر، بات حزب شمال أفريقيا يشكّل خطرًا وتهديدًا على المصالح الاستعمارية

في 8 أيار/مايو 1933 يعيد مصالي الحاج تنظيم نجم شمال أفريقيا، ويختار مقرًا جديدًا في 19 شارع داغير في الدائرة 14، يضع مصالي الحاج برنامجًا سياسيًا يعكس مواقف الحزب تجاه المسائل الراهنة آنذلك: استقلال الجزائر، وحدة المغرب، العلاقة مع الدين، الموقف تجاه الاقلية ومن اليهود بصفة خاصة، علاقاته بالحزب الشيوعي، موقفه من النازية، موقف الحزب تجاه المنتخبين الأهالي.

اقرأ/ي أيضًا: أجزاء ناقصة من صورة الاستقلال الجزائري

بعد الانتشار الموسع في التراب الفرنسي وتنظيم فروع في الجزائر، بات حزب شمال أفريقيا يشكّل خطرًا وتهديدًا على المصالح الاستعمارية، بدأت المضايقات والمداهمات والمحاكمات تمس أفراد تنظيم النجم.

 في كانون الأول/ديسمبر 1935 لتجنب السجن، يقرر مصالي الحاج الفرار إلى جنيف، وفيها يتعرف على شكيب أرسلان. وفي 10 حريزان/يونيو 1936 يستفيد مصالي الحاج من العفو الشامل ويعود إلى باريس.

العودة إلى الوطن

أحدث غياب مصالي الحاج عن الحزب ركودًا في نشاط النجم، وعرف صراعات داخلية، ونقصًا في الموارد المالية، ما انعكس عن تملل لدى القيادة والمناضلين، وحاول الحزب الشيوعي الفرنسي جعل النجم كأحد فروعه، لكن مصالي الحاج ضاعف من الجهود لإعادة ترتيب البيت الداخلي، وبعث نشاط التنظيم من جديد، وكان لمشروع بلوم-فيوليت مناسبة لتكثيف التجمعات واللقاءات، كان المشروع الاندماجي يرمي إلى منح حق المواطنة الفرنسية لحوالي 20.000 ألف جزائري من الأهالي والمنتخبين دون التنازل أو التخلي عن التشريع الإسلامي. فكانت مناسبة ليصاعد مصالي الحاج مطالبه الاستقلالية، ورفضه لفكرة الاندماج، وكانت فرصة عبرًا عن موقفه حول المؤتمر الإسلامي الذي جمع اتحادية المنتخبين والعلماء والحزب الشيوعي، طالب هذا المؤتمر بإصلاحات عديدة مع التأكيد ربط الجزائر بفرنسا، واحتجاجًا على مطالب المؤتمر، كتب مصالي "دفتر المطالب" كان مطلب الاستقلال جوهر المطالب.

بعد غياب دام 16 سنة، وفي 2 آب/أغسطس 1936، وصل مصالي إلى ميناء الجزائر، كان في استقباله مسؤول فرع نجم شمال أفريقيا محمد مسطول، تصادف وجود مصالي الحاج تجمع بالملعب البلدي لمدينة الجزائر، ضم التجمع حوالي 20000 جزائري، وبعد تردّد القائمين على المؤتمر تم إعطاؤه الكلمة، تم منحه دقيقتين أو ثلاث ليحي الجماهير. وبعد التحية وما كاد ينتهي مصالي الحاج من التحية حتى ألقى عبارته المشهورة، المسجلة من الذهب "إن هذه الارض ليست للبيع" لتلقفه الجماهير فوق الأكتاف، وصلوا بيه وسط المدينة. هذه اللحظة يقول فيها المؤرخ محفوظ مقداش "ولدت المصالية في الجزائر".

بعد غياب دام 16 سنة، ومع وصوله إلى ميناء الجزائر، قال مصالي الحاج: "إن هذه الارض ليست للبيع"

في 26 كانون الثاني/يناير 1937 تم حلّ نجم شمال أفريقيا من قبل الجبهة الشعبية، بعد رفضه مشروع بلوم فيوليت، وفي 11 أذار/مارس 1937، يؤسّس مصالي الحاج حزب الشعب الجزائري، الذي حدد مقره الجزائر العاصمة، لتفتح صفحة ومحطة جديدة من حياة مصالي الحاج النضالية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

لصالح من تُشوّه رموز ثورة التحرير الجزائرية؟

الأمير خالد وميلاد الوطنية الجزائرية