01-يناير-2022

في ضاحية حيّ الحرّاش شرق العاصمة (أ.ف.ب)

لماذا تغفل المؤسّسات الحكومية في الجزائر تفصيلًا مهمّا في تفعيل وصف بـ "مناطق الظل" في مختلف خطاباتها الرسمية وحتى في التقارير الإعلامية والتصريحات التي يطلقها المسؤولون في مختلف القطاعات؟ وكيف يمكن أن نعالج هذه الجزئية خصوصًا في سياق تمدّدت فيه العبارة التي باتت لصيقة في مختلف القنوات التلفزيونية العمومية والخاصّة، وعبر منصات المواقع الإلكترونية، إذ تصف الأمكنة وسكانها بتلك النعوت، المرتبطة اجتماعيًا بالنقائص من حيث المنشآت التنموية، والبنى التحتية.

مصطلح "مناطق الظلّ" ازدهر إعلاميًا وسياسيًا في خرجات المسؤولين منذ كلمة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في أحد اجتماعات الحكومة بولاة الجمهورية

المناطق المهمشة

الملفِت للنظر أن الصورة النّمطية تجذرت في أذهان الجزائريين، وأصبحت نقيصة أو وصمة عار" عند البعض" ككلمة " أبناء أحياء الأحواش"، و" أبناء الزنزلة" أي القادمين من مناطق شهدت الزلزال، وغيرها من الأوصاف التي تماهت مع المنظومة الاجتماعية وصارت عادية، رغم أنها تعكس هوية اجتماعية جماعية لساكني بعض الأحياء الجديدة، وتعكس أيضا حقائق أريد بها وصفا مسيئا.

اقرأ/ي أيضًا: قرض مصغر لاستحداث مؤسّسات بـ"مناطق الظلّ"

 كمثال على هذه النماذج، كشفت الأستاذة الجامعية زهرة بولدروع من جامعة عنابة شرق الجزائر، عن تنظيم تظاهرة في العطلة الشتوية لفائدة تلاميذ المدارس  وُسِمت بـ" قافلة أيام مسرح الطفل  يستفيد منها أطفال المناطق النائية"  أو "مناطق الظل" في الولاية، غير أنّ ما لفت انتباهها أن مختلف المنظّمين والإعلاميين يذكِّرون الأطفال المستفيدين من فعاليات هذه القافلة بأنهم من "مناطق الظلّ".

هنا، استنكرت الأستاذة بولدروع وهي ناشطة ثقافية على مستوى ولاية عنابة، ذلك معلقة على هذا الموقف بأنه " فعل إيجابي نتيجته في النهاية سيئة"، إذ كانت النشاطات لفائدتهم ثرية ومفيدة، غير أن نعتهم بتلك النعوت من أشخاص مسؤولين وواعين يثير الاشمئزار، على حدّ تعبيرها.

وتقصد بتدوينتها عبر منصة التواصل الاجتماعي فيسبوك  في حديث لـ" الترا جزائر" أنها تستحسن أيّة مبادرة ثقافية للأطفال، غير أن نتيجة هذه العبارات وخيمة إذ سيتم إلصاق "صورة ذهنية" تصبح مع مرور الزمن "صورة نمطية" تترسخ شيئا فشيئًا في أذهان الأطفال.

وفي هذا الإطار أضافت المتحدّثة، أن التعامل مع الطفل يحتاج إلى لين شديد وخصوصًا من الفئات المحرومة، وكما نعلم جميعًا أننا في الجزائر أغلبنا جئنا من مدن عميقة، ويكفي أن نتذكر ذلك البؤس الذي يغلف حقيقة تنتقل مع الفرد كإنسان طيلة حياته وتغلّف أيضًا مستقبله بشيء من النقائص، وهذا ما يجب الانتباه له لبناء جيل صلب اجتماعيًا.

امتداد المصطلح .. في غياب التنمية؟

الجدير بالذكر أن مصطلح "مناطق الظلّ" ازدهر إعلاميًا وسياسيًا في خرجات المسؤولين منذ كلمة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في منتصف شهر شباط/ فيفري من عام 2020، في افتتاح اجتماع الحكومة بولاة الجمهورية، إذ أطلق الرئيس وابلًا من الأوامر للمسؤولين المحليين عقب مشاهدة شريط وثائقي مدّته خمسة وثلاثين دقيقة، وضع الأصبح على بعض جراح الجزائريين المهمشين أو " جزائريو العمق المهمّش".

"مناطق الهامش" كما يراها أستاذ علم الاجتماع المولدي القسومي، في وصفه للأحياء الفقيرة أو"المتخلّفة عن ركب التحضّر أو تلك التي أهملتها السلطات المركزية-سلطة المركز"، فهي حسب ما توتّرت في المخيال الشعبي الجزائري؛ المناطق التي تعيش الحرمان، فيما هي قريبة من المناسبات والزيارات للمسؤولين أثناء التدشين وأثناء الفعاليات والتظاهرات حينًا وبعيد عن أعينهم أحيانًا كثيرة في المنجز، لتبقى العبارة لصيقة بهم على مرّ الأزمان والسنوات، حتى وإن شهدت تحسنًا ظاهريًا.

منطق الوعود

بالعودة لقصة قافلة مسرح الأطفال، من أبناء "مناطق الظلّ" الذين استفادوا من نشاطات ثرية وغيرهم من الولايات الجزائرية التي تشهد نفس النعوت عبر التقارير التلفزيونية، من مثل" رفع الغبن عن أبناء المداشر والقرى، تُخفي من وراء استعمالها انتقاصا واضحا لكل الجزائريين، فأين ولد المسؤولون الحاليون أليس في مناطق الظلّ؟

في انتظار زيارة الكأس العربية لجنوبنا

في نهاية أيّة زيارة أو فعالية ثقافية أو تنموية، يذرف البعض كلمات ممزوجة بالحسرة والدموع، مع كمّ هائل من الوعود والانتظارات والبرامج، ثم يرجع الجميع إلى بيوتهم، وتظلّ الكلمتان عالقة في ذهن الأطفال مهما كانت الرّحلة في القافلة ومهما كانت "النية" ومهما كانت الأهداف المرسومة من وراء إشراك الطفولة في كل ربوع الجزائر في قافلة، كثيرا ما استثني منها الكثيرون خصوصا في عمق الصحراء الجزائرية، فهل استفاد سكان الجنوب مثلا من زيارة كأس العرب الأخيرة مثلما زارت عديد الأماكن في الشمال؟

السؤال يبقى مفتوحا إلى حين التفاتة السلطات الرياضية والمحلية في البلاد، إذ أوضح أستاذ علم النفس الاجتماعي عبد الرزاق صيودة لـ "الترا جزائر" أن هناك بعض المشاهد باتت محطِّمة لمعنويات من يصفونهم بأبناء "مناطق الظل"، مندّدا بتشبّث المسؤولين باستعمال المصطلح في كلّ مناسبة وفي كلّ فعالية وكأنه إنجاز كبير في حين أنّ مهمة أي مسؤول خصوصا في عديد التخصصات والقطاعات هي " لغة التواصل والاتصال مع العامة واختيار الألفاظ التي ترفع من شأن المواطنين لأنهم سواسية".  

الخلفية الذهنية طاغية

كثيرًا ما يربط البعض من المسؤولين أحاديثهم بخلفِية اجتماعية لمجموعة من الأشخاص، إذ أضافت الناشطة الاجتماعية في ولاية ورقلة كريمة داسة أن " هوية منطقة الظل" باتت مع مرور الأيام تميز العديد من الأماكن الجزائرية، خاصة إن علمنا أن عدد الأحياء الفقيرة في الجزائر قد بلغ 15 ألف منطق محرومة، وهذا مجحِف في حق الفرد كإنسان على حدّ قولها.

وقالت داسة في إفادة لـ" الترا جزائر" أن "الهوية الاجتماعية المرتبطة بالصورة النمطية التي شكلتها تصريحات المسؤولين أصبحت مثل بطاقة التعريف، وتشكّل ذهنيًا لدى ساكنة هذه الأحياء حتى لو تمّ ترحيلهم إلى فضاءات أرحب أو أفضل من حيث البناءات والمنشآت، أو تمّ تحسين أوضاعهم من حيث إنجازات تنسيهم عذابات الماضي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الدعاية الإعلامية الرسمية.. الجزائريون يكتشفون "مناطق الظلّ

اتفاقية جديدة تدعم إنشاء مؤسسات سياحية ومقاولاتية في الجنوب و"مناطق الظلّ"