22-فبراير-2023
فعاليات مهرجان أغنية الراي بوهران (فيسبوك/الترا جزائر)

(الصورة: فيسبوك/الترا جزائر)

في سابقة أولى من نوعها في البلاد، قررت وزارة الثقافة والفنون منع برمجة وبثِّ ما وصفته بالأغاني "المبتذلة" في كل الفعاليات الثقافية، ما خلّف جدلًا واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي.

وزارة الثقافة توعّدت بتطبيق كل التدابير القانونية ضدّ من لا يحترمون قرار منع الأغاني "المبتذلة"

وتأتي هذه التعليمة التي وُجِّهت إلى المديريات المركزية ومديريات الثقافة والفنون بالولايات ومحافظي المهرجانات بمنع ما أسمته "الأغاني الهابطة" بعد تسجيل استفحال "ظاهرة انتشار التجاوزات اللاأخلاقية في كلمات بعض الأغاني الجزائرية المسجلة والمُذاعة بعشوائية والمضللة لمختلف فئات المجتمع ولاسيما الشباب والناشئة من خلال نشر الابتذال والانحراف، وما إلى ذلك من آفات على غرار الأغاني التي تشجع على العنف والجريمة في الشارع أو في العائلة أو في الوسط المدرسي والجامعي." بحسب بيان الوزارة الوصية.

وأضافت الوزارة في بيانها: " بالإضافة إلى التحريض على تعاطي المخدرات، والتشجيع على الهجرة السرية التي أصبحت بوابة عدمية للموت ومع الوقوف على العديد من الظواهر السلبية والمشيئة، ليس فقط للذائقة الفنية بل أيضًا لما يرجى من الشباب الجزائري بغية رفع التحديات الكبرى في بلادنا."

وأوضحت أنّ "التعليمة جاءت وفق الضوابط القانونية التي تحرص على عدم السماح لكل ما يخالف قيم وثوابت المجتمع الجزائري تماشيًا مع القانون الذي يعاقب الاعتداء على الآداب العامة وما يمس بالقيم والثوابت المعبرة عن هويتنا وأصالتنا"؛ مشددة في السياق أنّها "لن تتهاون في سبيل ترسيخ هذا الإجراء، وتطبيق كل التدابير القانونية السارية المفعول."

ترحيب بالقرار

وعقب تداول هذه التعليمة على نطاق واسع عبر منصات التواصل الاجتماعي في البلاد، تفاعلت شريحة واسعة من الجزائريين معه، حيث رحّب كثيرون بإصداره وباركوه ووصفه بعضهم بـ"القرار الصائب الذي جاء تلبية لدعوات أطلقت قبل سنوات من أجل الحد من توسع الأغاني الهابطة وتفشيها في المجتمع."

وكتب الصحفي حمزة دباح بشأن ذلك، قائلًا: "هل سمتعم، آخر تطور؟، وزارة الثقافة الجزائرية تصدر تعليمة وزارية لمنع برمجة وبث الأغاني المبتذلة في الفعاليات الثقافية، بما يتضمن أغاني تمجيد الحرقة والتشجيع على كل أنواع الانحرافات."

وأضاف: "وجاء ذلك في أعقاب الحملات الشبكية والجدل والسخط الأخير من برمجة أغنية تمجد الحرقة والمخدرات في حفل "الشان" (بطولة كأس أمم أفريقيا للمحليين التي جرت مؤخرًا بالجزائر). وختم دباح منشوره بتوجيه شكره لوزارة الثقافة على هذا القرار."

بدوره، المغني والفنان سليم الشاوي  تفاعل مع قرار الوزارة بمنع "الأغاني الهابطة" بمنشور بدأه بسرد كلمات باللهجة الجزائرية يتداولها مغنو الجيل الجديد في أغانيهم وحفلاتهم ولا تمت للأخلاق بصلة وقال: "إلا حبيت (إذا أحببت) أن تعرف ثقافة شعب أسمع غناه يعطيك لخبر."

ومن بين تلك "الكلمات الهابطة"، وفقه، ذكر: "الصاروخ (مخدرات)، مريولي، نديرلك الطيحة، أعطوني البيضة، نهرس راسي، نضرب الحمراء، نزدملك فالليل، .. وخلي وخلي ..".

 وأضاف: "أول قرار وزاري صائب، إن شاء الله ربي يجيبو فالصواب"، داعيًا في السياق المتابعين والجمهور إلى عدم الاشتراك في ما وصفه بـ"الرداءة"، ويقصد عدم متابعة من يؤدي هذا النوع من الأغاني الهابطة وعدم التفاعل معه بالتعليق والنشر.

الممثلة نضال الجزائري تفاعلت مع القرار على صفحة الوزارة عقب نشرها البيان وقالت: " هالهدرة (هذا هو الكلام)، هذه البداية والجايات أحسن وأفضل مع قانون الفنان. وبنفس التعليمة من وزارة الإعلام والاتصال لضبط بعض القنوات التي أصبحت تبث العهر والفجور."

وعلّق الناشط مسعود بولجويجة في منشور كتبه على صفحته التي تهتم بالشأن الديني والتاريخي والثقافي بالجزائر عن الموضوع: "تحية تقدير واحترام للدكتورة صورية مولوجي وزيرة الثقافة والفنون ، على إصدارها تَعليمَة وِزَارِية تَنُصّ عَلَى مَنعِ بَرمَجة وبَث الأغَانِي المبتذلة في كُل الفَعاليَات الثَّقَافِية."

أمّا الناشط سعيد بن خوجة، فوصف قرار الوزارة مولوجي بـ"الصائب"، واعتبر أنّ "ومن واجبات الدولة أن تمنع كل ما يضر المجتمع في دينه وأخلاقه وثقافته.....الخ."

وشاطر ناشط يدعى بن سعد فيصل ما ورد في الآراء السابقة قائلاً على حسابه بفيسبوك: "نبارك هذا البيان والأمر حيث بلغ السيل الزبى وأصبحت كثير من التفاهات تغزو حفلاتنا وقنواتنا."

وتابع قوله: "كما نتمنى من الأسر منع الأغاني الهابطة في الأعراس والأفراح."

وثمنّ الناشط كمال العرفي ما ورد في تعليمة الوزارة التي تمنع "الأغاني المبتذلة والمسيئة للأذواق والأخلاق في المؤسسات والتظاهرات الثقافية"، آملا في السياق ذاته أنّ "يتم الالتزام بذلك أيضا في الفضاءات الإذاعية والتواصلية."

ووجه شكره كما قال لـ"كل الشكر للقائمين على الجهات الرسمية المختلفة في كل جهد يستهدف احترام الذوق العام، وتكريس الآداب المطلوبة المتوافقة مع ثوابت هويتنا الجزائرية والإسلامية."

"أغاني هابطة".. لكن من يحددها؟

وفي ظل صمت الكثير من المغنين والفنانين والفاعلين في مجال الموسيقى والغناء بالجزائر، وعدم تفاعلهم مع قرار الوزارة بحظر "الأغاني الهابطة" لا بالإشادة ولا بالرفض، تساءل نشطاء على منصات التواصل حول فحوى القرار بضرورة معرفة من يحدّد وكيف يُحَدّدُ معنى "الأغاني المبتذلة" وكيف يطبق على أرض الواقع؟

وفي هذا الشأن أوضح الإعلامي محمد بن زيان في منشور على حسابه بفيسبوك أنّه "يتفهم تعليمة وزارة الثقافة بخصوص منع الأغاني الهابطة، لكن، من يحدد معنى هابطة؟."

وتساءل في قوله: "هل الأمر مرتبط فقط بعبارات؟ أم متصل بنوعية ما يقدم؟، قبل أن يشرح أنّ الإبداع لا يتم بالنوايا الحسنة فقط بل بإبداع، جدير بوسم الإبداع."

وأشار إلى أنّ الأحرى هو السؤال عن البديل الذي سيصحح المعادلة، لأنّه -على حدّ تعبيره- مسطرة القانون لا تصنع فنا ولا تلغي وضعا في زمن لم تكن فيه وسائل تواصل اجتماعي هزم "الراي" أغاني الإذاعة الرسمية."

وبخصوص هذا الموضوع أوضح الناشط رستم سلطان أنّه من باب "مفهوم المخالفة.. لا حرج أن يكون ذلك خارج الفعالية الثقافية."

وكتب موضحًا أكثر: "منطقيًا؛ ولو سَلَمنا جدلًا بما جاء في التعليمة كان من المفروض أن يمنع المغني بصفة نهائية من هذه الفعاليات وليس أن تُمْنَعَ أغانيه المبتذلة فقط، ضف إلى ذلك أن أغلبية المغنين أصحاب هذه الأغاني ليست لديهم بطاقة فنان وأصلا لا يحتاجونها ."

وبحسب قوله: "التعليمة تتبرأ من الأغاني المبتذلة وتؤكد أن القانون يعاقب عليها، وتساءل: هل الوزارة غير مختصة بإحالة الملف أمام العدالة؟".

وتقريبًا للصورة للمتلقي ذكر المتحدث أنّ "المرحومة وردة الجزائرية في فترة مرت وبقرار صارم كانت ممنوعة في الجزائر لسنوات قبل أن يُعفى عنها ( لأسباب أخرى.)، وخلال الثورة  (1954) جيش التحرير الوطني حكم بالإعدام على فنان (لم يذكره) بعد إنذاره بالتوقف على الغناء المبتذل، وكان هذا الفنان يعرف طبيعة حكم جيش التحرير، فهذا الأخير لا يلعب، فسارع هذا الفنان بأداء أغنية ثورية يمجد فيها بطولات الثورة واختتمها بأغنية "يا رسول الله أنا جيتك هارب".. وتوقف عن الغناء إلى غاية الاستقلال."

وخلال العشريتين الأخيرتين غَزَتْ موجة من الأغاني الجديدة الساحة الفنية الجزائرية، لا يخلو محتواها من توظيف كلمات، يصفها متابعون بـ"النابية والخادشة للحياء والأخلاق."

كما يحظى هذا النوع الجديد من الأغاني بالرواج لدى الجيل الجديد، ناهيك عن تحقيق أصحابها سواء في زمن الأشرطة (الكاسيت) قبل عشرة سنوات أو المنصات الرقمية ومنصات التواصل حاليًا مبيعات وأرباح خيالية. واستمرارها بصورة مخيفة جعل الفنان الجزائري محل انتقادات دائمة.