21-مايو-2019

يشتهر التونسيون في الجزائر دون سواهم بصناعة الزلابية (الترا جزائر)

من البديهيات التي يتفق عليها الجزائريون أن "زلابية بوفاريك" هي سيدة المائدة الرمضانية، ففي أيام رمضان تصبح مدينة بوفاريك قبلة للجزائريين الباحثين عن اللذة الأصلية لهذا النوع من الزلابية، بل ويقصدون ثلاث عائلات بعينها، يقال إنها تحتفظ بسرّ هذه الحلوى. 

إن كانت زلابية بوفاريك مرتبطة بشهر رمضان فقط، فهناك نوع آخر متوفر طوال العام إنها الزلابية التي يصنعها التونسيون

وإن كانت زلابية بوفاريك مرتبطة بشهر رمضان فقط، فإن هناك نوع آخر متوفر طوال العام، بل بات منافسًا رسميًا لزلابية بوفاريك، إنها الزلابية التي يصنعها التونسيون، الذين اختاروا أن ينقلوا هذه اللذة التونسية للجزائر منذ قرابة قرن من الزمن.

اقرأ/ي أيضًا: زلابية بوفاريك.. سلطانة الجزائريين الحلوة

حلوى هاربة من التجنيد أم ثمرة غلطة؟

لم يستقر الناس على رواية واحدة عن أصل الزلابية وموطنها الأول، حيث تقول بعض الروايات إنها رأت النور في أرض الأندلس على يد الفنان أبو الحسن علي بن نافع، الملقّب بزرياب. وترى هذه الرواية أن الاسم الأصلي للزلابية هو "الزريابية"، قبل أن تُحوّر مع مرور الزمن. 

الزلابية

بينما تنسب بعض الروايات أصل الزلابية لبلاد الرافدين، حين أخطأ حلواني في بغداد في طهي إحدى صنوف الحلويات، لكنه واصل هذه "الغلطة" وسقاها عسلًا، خوفًا من صاحب المحل. وحين دخل الزبائن كان يصيح "زلّ بي"، ومن هنا أتى اسم حلوى الزلابية.

فيما تنتشر رواية تقول إن الزلابية ظهرت قبل زرياب، استنادًا إلى نظم للشاعر ابن الرومي في بغداد يتغزل فيه بالزلابية: "رأيته سحرًا يقلي زلابية/ في رقة القشر والتجويف كالقصب. كأنما زيته المغلي حين بدا/ كالكيمياء التي قالوا ولم تُصَبِ. يُلقي العجينَ لُجينًا من أناملهِ/ فيستحيل شَبابِيطًا من الذهـبِ". لكن على كل حال، هو استناد مردود، كون ابن الرومي توفي بعد زرياب بنحو 40 عامًا.

ويتناقل التونسيون قصة قديمًا ورثوها عن التواجد العثماني في البلاد، أن شابًا فرّ من التجنيد الإجباري، فاستقر به الحال في بيت إحدى العائلات في المدينة العتيقة بباجة، وهناك حضّر لهم هذه الحلوى فأعجبوا بها، وطلبوا منه تعليمهم إياها، وليومنا هذا تشتهر هذه المدينة بالجودة العالية للزلابية التي يصنعها أبناؤها. 

وفي تونس أيضًا، ثمة رواية أخرى متواترة، تقول إن الزلابية تونسية أصيلة، وموطنها الأول قرية صغيرة جنوب البلاد تدعى "غمراسن" ومنها انطلقت الزلابية لتصل كل بقاع الأرض.

التونسي.. العلامة المسجلة للزلابية في الجزائر

اعتاد الجزائريون على أن يلقبوا المهنة بنسبها لأصل ممارسيها، ومن هنا صار بائع الخردوات والعقاقير يلقب بـ"المزابي"، وذلك راجع لأن غالبية من يمارسون هذه المهنة ينحدرون من مدينة غرداية عاصمة بني ميزاب، جنوب الجزائر. 

بنفس المنطق صار الجزائريون أيضًا يلقبون صانع الزلابية بالتونسي، نظرًا لاشتهار التونسيين منذ عقود بقدومهم للجزائر وفتح محلات لتحضير الزلابية وبيعها، فلا تكاد تخلو مدينة جزائرية من حلواني تونسي متخصص في الزلابية والفطاير. وعلى عكس المحلات الموسمية التي تفتح خصيصًا لبيع الزلابية في رمضان فإن التونسيين في الجزائر يمارسون هذه المهنة طوال أيام السنة.

في المدينة القديمة بالبويرة جنوبي شرقي الجزائر، وداخل محل صغير، يمارس العم محمد الخرشاني مهنة تحضير الزلابية وبيعها منذ أزيد من 20 سنة. يقول العم محمد لـ"الترا جزائر": "أنا قدمت إلى هنا منذ 20 عامًا تقريبًا. والدي رحمه الله أتى قبلي، وورثت عنه الصنعة أنا وإخوتي الأربعة". 

ويضيف: "خرج أبي من مدينة تطاوين قاصدًا الجزائر، ثم تبعته أنا. فيما اختار إخوتي فتح محل للزلابية في العاصمة الليبية طرابلس، ولا زالوا يمارسون عملهم هناك رغم ظروف الحرب".

الزلابية

ووفقًا للعم محمد، فإن "الكثير من التونسيين ومن نفس مدينتي قدموا إلى الجزائر إبان ثورة التحرير، وغالبيتهم استقروا هنا"، مؤكدًا على أنهم صاروا جزءًا مهمًا في المدن الجزائرية: "أدخلنا الزلابية والمخارق التونسية لبيوت الجزائريين فأصبحت من عاداتهم الغذائية".

يعمل العم محمد، كما غيره من أصحاب محال الزلابية التونسيين، في صناعة الزلابية طوال أشهر السنة: "نحن لا نكتفي ببيع الزلابية أيام رمضان بل هي قوتنا اليومي، في غير رمضان نبيع الفطائر صباحًا مع الشاي لنتحول لتحضير الزلابية وبيعها طيلة اليوم".

"لذة الزلابية التي يعدها التوانسة فريدة من نوعها"، يقول أحد زبائن محل العم محمد، مفسرًا الازدحام على محله حصرًا بين المحلات المجاورة الموسمية.

اعتاد الجزائريون على أن يلقبوا المهنة بنسبها لأصل ممارسيها، وعلى هذا يُطلقون على صانع الزلابية "التونسي"

ينهي العم محمد حديثه لـ"الترا جزائر"، والإناء المملوء بالزلابية لم يفارق يده: "تعلم الكثير من الجزائريين طريقة صنع الزلابية في محلي، وفتحوا محلات خاصة بهم. على الأقل قمت بشيء مفيد في حياتي، ساهمت في نقل هذه الحلوى اللذيذة للآخرين، هذا ما سيضمن تواصلها ووصولها لأبعد مكان ممكن، كما فعل أجدادي".

 

اقرأ/ي أيضًا:

رمضان الجزائر.."ضيف خفيف" بعادات وأطباق متميزة

رمضان الجزائريين.. أرصفة محتلة