29-يوليو-2022
الرئيس تبون يترأس مجلس الوزراء (فيسبوك/الترا جزائر)

الرئيس تبون يترأس مجلس الوزراء (فيسبوك/الترا جزائر)

منذ أكثر ثلاثة أشهر أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن قرب موعد تعديل حكومي شامِل، يأتي بعد تقييم لعمل وزراء الحكومة الحالية التي يقودها منذ عام الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان، فلماذا يرفض الرئيس إجراء هذا "التغيير الشّامل" كما وصفه سابقًا للفريق الحكومي؟

يعتقد متتبعون للشأن السياسي في الجزائر أن  إجراء تغيير شامل في الطاقم الوزاري سيكون مع الدخول الاجتماعي المقبل

وجب التذكير في هذه المسألة بأنه سبق للرئيس أن قال إن تغيير الوزراء سيحصل بعد إجراء تقييم لأدائهم الحكومي بعد مضي عام من تعيينهم، أي منذ تموز/جوان الماضي، كما سبق أن أجرى تبون تعديلات بسيطة على طاقم بن عبد الرحمان بداية من إقالة وزير الاتصال عمار بلحيمر، وعيّن خلفاً له محمد بوسليماني، وأقال وزير الزراعة عبد الحميد حمداني، وعين محمد عبد الحفيظ هني وزيراً للزراعة والتنمية الريفي، علاوة على نقل يوسف شرفة إلى منصب وزير للعمل خلفاً للوزير عبد الرحمن لحفاية.

وفي إطار التعديل وليس التغيير الشامل، أعلن الرئيس تبون عن إعفاء رئيس الحكومة أيمن عبد الرحمن من حقيبة ثانية على رأس المالية في شهر شباط/فيفري الماضي، مقابل اعادة تعيين عبد الرحمن راوية، وزيرا للمالية، بعد أقل من ثمانية أشهر من مغادرته نفس المنصب، كما شمل ذلك التعديل تعيين صورية مولوجي وزيرة للثقافة، خلفًا للوزيرة المقالة وفاء شعلال. فيما تمت إقالة وزير النقل عيسى بكاي شهر آذار/مارس الماضي.

لكن يبدو أن الرئيس تبون غير راضٍ على أداء قطاع المالية، إذ قرر مجددًا إقالة وزير المالية عبد الرحمن راوية وعين خلفًا له إبراهيم جمال كساي في 14 حزيران/جوان الماضي.

رؤية اجتماعية

الواضح جدًا أن التّغيير المنتظر في الطاقم الوزاري بات غير متاح الآن، أو غير ضروري بحسب المتابعين للشّأن السياسي العام في البلاد، خصوصًا وأن الجزائر أمام تحديات اجتماعية واقتصادية أولًا وسياسية ثانيًا تواجهها مع الدّخول الاجتماعي المقبل، رغم مطالبات حزبية بإجراء تغيير لعدد من الوزراء الذين أثبتوا فشلهم في قطاعاتهم، في مقابل أنّ الرئيس اتخذ عدة إجراءات تخصّ وزارات سيادية.

وفي هذا المضمار، يعتقد الباحث في العلوم السياسية عبد الكريم لعبان من جامعة باتنة شرق الجزائر، أن قرار التغيير الشّامل للحكومة المنتظر القيام به من قبل رئيس الجمهورية من الصعب تنفيذه الآن، حتى وإن كان شكليًا، وذلك لاعتبارات عديدة متعددة المهام والأجهزة القطاعية.

ومن جهة التغيير الشامل دائمًا، أكد لعبان في تصريح لـ"الترا جزائر"، أننا أمام أحادية السلطة التنفيذية فرئيس الدولة هو رئيس الحكومة في الوقت نفسه، وهو ما يخوّل له القيام بالتغييرات بناء على التقارير المرفوعة له بحسب كل قطاع، هذا من الناحية الموضوعية أو الشكلية، بينما من الناحية الإجرائية، وجب علينا التساؤل هل يمكن إجراء تغيير كامل على الوزراء بعد ظرف سنة من تعيينهم، وهل هي المدة الكافية للقيام بذلك؟

للإجابة عن السؤال وجب التطرق إلى الإنجازات التي قام بها كل وزير في قطاعه المعني به، لذلك فإن من صلاحيات الرئيس أن يجري التغييرات الأولية بتعديل في الحكومة وليس تغيير شامل، أو ما يمكن تسميته القيام بتعديلات جزئية وفي كلّ مرة يحظى قطاع بالمتابعة والتقييم ثم التنبيه والتحفيز وفي الأخير إما الإشادة أو التغيير الجذري.

وفي الإطار نفسه، تحدّث الأستاذ لعبان عن مواعيد اجتماعية وسياسية تنتظر الحكومة خصوصًا مع الموسم السياحي والدخول الاجتماعي الداخل، فضلًا عن احتضان الجزائر للقمة العربية في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، ناهيك عن تحديات خارجية تتعلق بالعلاقات الاقتصادية والاستثمارية مع عدة بلدان تراهن الجزائر على الرفع من مداخيلها من الغاز والبترول.

التقييم وليس الولاء

سياسيًا، أجرى الرئيس تبون عدة لقاءات ثنائية مع عديد رؤساء الأحزاب السياسية في إطار مبادرة لمّ الشمل، وكانت من بين الأطروحات مسألة الحكومة ومطالبات بـ"حكومة توافقية" يشارك فيها طيف من مختلف المكونات السياسية الموجودة في الساحة.

رغم مطالبات الأحزاب السياسية بذلك بما فيها أحزاب الموالاة الشريكة في الفريق الحكومي، لماذا لم يقرر الرئيس الجزائري تغيير الحكومة؟رغم فشل الكثير من الوزراء كالتجارة والصناعة وغيرها وتلقيهم الانتقادات الشعبية بسبب عدم تحقيق الحكومة لمنجزات اجتماعية واقتصادية كبيرة أو إحداث تغييرات جدية في مختلف المجالات.

كثيرون ينظرون إلى التغيير الشامل في الطاقم الوزاري سيكون مع الدخول الاجتماعي المقبل، إذ يستوفي الرئيس باعتباره رئيس الجهاز التنفيذي دستوريًا، كلّ صلاحياته من التقييم لمختلف الوزارات، وهو ما يستدعي إزالة اللّبس عن الأسماء التي بإمكانها تولي عديد الحقائب المهمة أو السيادية بالدرجة الأولى.

وفي هذا الإطار، تحدث المحلّلون السياسيون في الجزائر أن" مبادرة لمّ الشمل" ألقت بظلالها عن كلّ التغييرات التي سيحدثها الرئيس، خاصة منها المتعلقة بإيجاد خيط ناظم للاستقرار الإداري من جانب التسيير، خصوصا في قطاعات الصحة والتربية والجامعات، في مقابل إعادة نظر في قطاعات حيوية كالصناعة والفلاحة والتجارة، ناهيك عن تقييم شامل لمنظومة كل من قطاعات الثقافة والرياضة بعد عودة القطاعين لزخم النشاطات الميدانية والمبادرات الوطنية والدولية.

أما بخصوص القطاعات ذات الصّبغة المالية، فإن كل من وزارة المالية والطاقة والصناعة تعتبر من أهم المجالات التي تتطلب متابعة يومية للمنجزات وتستحقّ عناية كبرى، خصوصا أمام التوجّه الإصلاحي للقطاع المالي والاقتصادي للجزائر، والذي بدوره يأخذ حصة الأسد من اهتمامات الرئيس تبون منذ توليه الحكم في ظلّ الأزمة الاقتصادية التي يعرفها العالم بسبب أزمة وباء كورونا وتداعياته على مختلف القطاعات وتوقعات ارتداداتها السلبية في المستقبل.

خطّة أم مخطّط؟

من وجهة نظر أخرى، وعلى ذكر هذه الأزمة، تنتظر الجزائر تشكيل حكومة تكنوقراطية، رغم دعوات الأحزاب السياسية إلى تشكيل حكومة جامِعة، تستهدف تنفيذ مبادرة لمّ الشمل التي تحتاج إلى درع سياسي، بينما يرى آخرون أن الجزائر أمام تحديات توفير التمويل اللازم لتنفيذ المشاريع والاستثمارات فضلا عن الاستجابة لمتطلبات مختلف الشرائح الاجتماعية.

وفي هذا الخطّ من حيث توجهات الطاقم الحكومي، يعتقد الخبير الاقتصادي عبد المجيد عقون أن الحكومة بمختلف وزاراتها تحتاج إلى تثبيت في تنفيذ المشاريع وتوفير السيولة المالية التي من شأنها أن تخضع المشاريع للإنجاز في آجلها المحددة.

ولفت الخبير عقون في تصريح لـ"الترا جزائر" أن المنطق الاقتصادي لا يقبل القسمة على إثنين، إذ شرح ذلك بقوله:" لا يمكن إرضاء طيف سياسي والتخلي عن المشروع الاقتصادي في الوقت نفسه، خاصة ونحن أمام استتباعات أزمة كورونا المفاجئة والتي أخلت بتوازنات الخزينة العمومية، واستهلكت الكثير من الأموال، علاوة على خسائر كبرى في عدة قطاعات ذات الصبغة الخدمية".

الحكومة القادمة تنتظرها ملفات ثقيلة تعتبر من مخلفات النظام السابق إضافة إلى مواجهة نتائج الأزمة الصحية في البلاد

وفي مقابل ذلك، فإن الشق الاجتماعي يلقي بمختلف مشاكله في الواجهة، إذ لا يمكن إغفال التركة الثقيلة التي خلفتها منظومة الفساد خلال العقدين الأولين من الألفية الثانية، خصوصًا وأن الخزينة العمومية استنزفت في عديد المشاريع التي لم تنجز حتى أو ما أنجز منها إلاّ قليلًا، وهو ما يعني أن الحكومة الحالية والقادمة ستكون أمام تحديات ترميم المخلفات واستعجال توظيب بيتها لمواجهة نتائج أزمة كورونا بتعقيداتها على مختلف القطاعات.