08-نوفمبر-2020

السلطة المستقلة للانتخابات سجّلت مشاركة ضعيفة للناخبين (تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

بعد مطالبات من قبل الصحافيين والقوى السياسية، نشرت السلطة الوطنية للانتخابات في الجزائر النتائج التفصيلية للاستفتاء على تعديل الدستور الذي جرى في الفاتح تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، وتضمّنت أرقامًا تفصيلية عن التّصويت في كل ولاية وكذا نِسب المشاركة فيها، والنتائج حسب كل ولاية في علاقة برفض قبول الكتلة الناخبة المحليّة للدستور، بغض النّظر عن النتيجة النهائية.

تُفيد الأرقام الرسمية للنتائج التفصيلية للانتخابات عن تحوّل مهم في سلوك الناخبين

وتكشف الأرقام المتاحة من قبل السلطة العليا للانتخابات، عن مؤشّرات يمكن قراءتها من عدّة زوايا، من الناحية السياسية والقانونية والاجتماعية، واستنطاق الأسباب والدوافع التي أثّرت في هذه النتائج.

اقرأ/ي أيضًا: "لا للدستور" تتفوق على "نعم" في 7 ولايات

قراءة أفقية

تُفيد الأرقام الرسمية المعلنة عن النتائج التفصيلية للانتخابات، عن تحوّل مهم في سلوك الناخبين، في التّصويت عبر مختلف الولايات التي كانت تعتبر وعاء انتخابيًا كما يصطلح على تسمية، بسبب المشاركة المكثّفة لسكان هذه المناطق، وإقبالهم في الكثير من الانتخابات التي نظمتها الحكومة الجزائرية على مرّ أكثر من ثلاثة عقود من الزمن.

في قراءة أفقية للأرقام، أي في نسبة مشاركة الناخبين مقارنة مع التصويت بـ"نعم" و"لا"،  لعلّ ما يمكن الوقوف عنده في البيانات الجديدة لنتائج الاستفتاء، وجود ثماني ولايات من بين 48 ولاية جرى فيها التصويت، جاءت فيها نسبة التصويت برفض الدستور أعلى من نسبة الموافقة عليه، لعدّة اعتبارات تخصّ طبيعة الكتلة الناخبة في هذه الولايات، وعوامل اجتماعية ترتبط بتأثير المؤسّسات الدينية المحلية في المجتمع المحلّي، فقد سجلت ولاية تندوف أعلى نسبة رفض بـ 75 في المائة، إضافة إلى ولاية غرداية التي تفوّقت عدد الأصوات المعبّر عنها بـ "لا" بنسبة 60 في المائة، وهي ولاية مازالت فيها المؤسّسة الدينية ذات تأثير بالغ على المجتمع المحلّي، خاصّة بسبب وجود غالبية من السكان الأمازيغ "الميزابيين" الذين يتبعون المذهب الإباضي، كما سجّلت ولاية الأغواط نسبة 55 في المائة ضدّ الدستور، والجلفة نسبة 63 في المائة، وورقلة نسبة 52 في المائة وإليزي نسبة 58 في المائة.

القاسم المشترك بين هذه الولايات، على الصعيد التأثير الاجتماعي، هو قوّة المؤسّسات الدينية العرفية، كالزوايا والطرق الصوفية والمجالس الدينية الحاكمة، التي أبدت مواقف مناوئة للدستور، اذ كانت الزاوية التيجانية في الجزائر وعموم أفريقيا، والكائن مقرّها في منطقة عين ماضي في الأغواط، والتي يمتد تأثيرها الى مناطق الجنوب ودول الساحل وغرب أفريقيا، قد أصدرت بيانا رفضت فيه الدستور ودعت إلى التصويت ضدّه، وهي من المرّات القليلة التي تصدر فيها هذه الزوايا مواقف ضدّ خيارات السلطة.

مردّ هذا الموقف هو اعتبار أن الدستور الجديد ، يتضمّن توجهات علمانية ويحيّد دور المساجد والمؤسسات الدينية، إضافة الى الدعاية السياسية المناوئة للدستور التي قادتها خاصة "قوى إسلامية" ذهبت في الاتجاه نفسه، لكن التحاليل السياسية التي تعاطت مع نتائج الاستفتاء، فسّرت هذا أيضًا بتبعات اجتماعية أخرى في هذه المناطق، تتعلّق بظروف التنمية الغائبة من جهة، ولكون أن النتائج النهائية للاستحقاق الانتخابي كانت مقاربة للمشاركة في أرض الواقع، خاصّة وأن الانتقادات التي كانت تطال الاستحقاقات الانتخابية في السابق اقتصرت على تزوير نتائج الانتخابات، والتلاعب بنسب المشاركة، ما لم يسمح بمعرفة المؤشرات الانتخابية.

خارج نطاق هذه الولايات، تُضاف ولاية بجاية في منطقة القبائل شرقي الجزائر، إلى قائمة الولايات التي صوتت ضدّ الدستور، بنسبة 65 في المائة، غير أن الظروف التي جرى فيها التصويت في هذه الولاية، والنسبة الضئيلة لعدد المشاركين في منطقة القبائل والاحتجاجات التي أدّت إلى تجميد الانتخابات في منتصف النهار، حيث لم يصوت سوى 1300 ناخب فقط من مجموع 506 ألف ناخب، وهو ما يجعل من هذه النسبة مؤشرًا ليس ذات أهمية، مقارنة بالنسبة القياسية للمقاطعة التي بلغت أكثر من 99 في المائة.

قراءة عمودية

بات جليًا أنّ هذه الأرقام تعطي مؤشرات سياسية أخرى، إن أفردنا لها قراءة عمودية، أي في مقارنة أرقام نسب المشاركة والتصويت بقبول الدستور من رفضه فيما بين الولايات السابقة الذكر وبين مجموع نسبة المشاركة وطنيًا، حيث يتّضح أن النتائج سيكون لها ارتدادات على الانتخابات القادمة، من حيث تحرّر الكتلة الناخبة من تلاعب الحكومة بالعملية الانتخابية عموما وبالنتائج خاصّة، هذا إذا سلمنا بنزاهة السلطة المستقلة في الاستفتاء.

هنا، يقول المحلل السياسي عبد الحميد ميساوي في تصريح لـ "الترا جزائر"، إن المتغيّر الانتخابي في هذه الولايات مهمّ ويجب إخضاعه للدراسة، لكونها مناطق كانت كتلة ناخبة مؤيدة للسّلطة ولأحزابها الموالية، وخاصّة حزبي "جبهة التحرير الوطني" و"التجمع الوطني الديمقراطي"، وتحوّل موقفها بشكلٍ كبير.

ولفت ميساوي إلى أن هذه النتائج، راجعة للتداعيات التي أفرزها الحراك الشعبي من جهة، ولتأثير مباشر لقوى مجتمعية قادت حملة ضدّ الدستور، فضلًا عن تأثير الحملة الانتخابية التي روّجت للدستور، وهي برأيه قداتها الوجوه نفسها التي كانت سببًا في الأزمة التي تعرفها الجزائر.

متابعون يتوقّعون تغيّرًا كبيرًا في اللعبة السياسية في علاقة السلطة مع الأحزاب السياسية 

ولو سلّطنا الضوء على هذا التفصيل، فإن كثيرًا من المتابعين للشأن السياسي في الجزائر، يستشرفون تغيّرًا كبيرًا في اللعبة السياسية في علاقة السلطة مع الأحزاب وتأثيرها على مجريات الانتخابات واستقطاب الناخبين، وهو ما يعني أن الكتلة الناخبة في هذه الولايات التي صوّتت ضد الدستور، ستُحدث مفاجآت أخرى في الاستحقاقات القادمة، خاصّة الانتخابات ذات البعد التّمثيلي، مثل الانتخابات التشريعية والانتخابات المحليّة على مستوى بلديات وولايات الوطن.

 

اقرأ/ي أيضًا:

اعتقالات في يوم الاستفتاء على الدستور

نسبة التصويت على تعديل الدستور بلغت 23.7% وطنيًا