13-ديسمبر-2022
الفنانة وهيبة باعلي (فيسبوك/الترا جزائر)

الفنانة وهيبة باعلي (فيسبوك/الترا جزائر)

سمراء الخشبة وعاشقة المسرح، تعتبر أول ممثلة من الجنوب الجزائري الكبير تقتحم عالم التمثيل المسرحي، تحدّت ظروف بيئتها الصحراوية وعادات وتقاليد منطقتها، لتقول أنا هنا، أنا موجودة، لن يوقفني أي عائق في سبيل تحقيق أحلامي.. إنّها الممثلة الشابة وهيبة باعلي القادمة من تمنراست في أقصى الجنوب الجزائري وابنة فرقة "صرخة الركح".

تغلبت وهيبة على ظروف بيئتها وتمكنت من العمل مع وجوه فنّية كبيرة مثل الراحل أحمد بن عيسى والفنان هارون الكيلاني

بدأت وهيبة باعلي مشوارها في المسرح من بوابة "نخلة الأجداد" (2006) التي أنتجتها فرقة "صرخة الركح" وأخرجها عزوز عبد القادر، ثم بدأت تبرز في مسرحيات أخرى باللغات العربية والأمازيغية مثل "سارق لحكايات"، "ضحية الزمان"، "أرار تماتنت"، "تمنهايت"، مونودرام "نوارة" و"ريق الشيطان" و"وجوه"..إلخ.

من هي وهيبة باعلي؟

وهيبة التي تغلبت على ظروف بيئتها وتمكنت من العمل مع وجوه فنّية كبيرة مثل الراحل أحمد بن عيسى، فشاركت في مسرحية "نجمة"، ومسرحية "الحب المفقود"، كما ظهرت في مسرحية لعباس محمد إسلام بعنوان "آباء للبيع"، و"الشيخ آمود" و"ريق الشيطان" لهارون الكيلاني، مسرحية "سالم والجدة" ومسرحية "الموهبة" ومسرحية "رقصة الموت" ومسرحية "الكسوف".. وغيرها.

وهيبة باعلي

تأثرت وهيبة باعلي (من مواليد 1986)، بقامات فنّية جزائرية كبيرة أمثل الراحلة صونيا مكيو التي توفيت في أيار/ماي 2018، وفتيحة بربار (1945-2015)، وبالراحلين أحمد بن عيسى (1944-2022)، وامحمد بن قطاف الذي فتح لها باب التكوين في المسرح الوطني، وبالتالي لم يأت تألق وهيبة باعلي في المسرح من فراغ، بل اعتمد على التكوين والمطالعة والاحتكاك بكبار الفنانين الجزائريين والعرب في عالم الفن الرابع، ما شكلّ لديها تجربة مسرحية ثرية تجسدت في تقديم عروض مهمة داخل وخارج الوطن، إضافة إلى حصد عديد الجوائز في مهرجانات دولية ووطنية ومحلية ولعلّ أبرزها جائزة رئيس الجمهورية لأحسن ممثلة.

وهيبة باعلي

وهيبة القادمة من عمق الصحراء ومن ولاية تزخر بتراث ثري، تقول إنّها "همّها أن تشارك تجربتها مع الآخر، وتبحث عن العدالة، العدالة في المجال الثقافي والفني، لأنها ترى أنّ الثقافة ملك للجميع وليست حكرًا على أحد، وهو ما تراه أحد أسباب النجاح والمنافسة الشريفة، لأي مبدع مهما كان، وبرغم من سطوع نجمها في سماء التمثيل المسرحي، وهيبة باعلي إنسانة متواضعة، سيدّة بيت، تقضي أوقات فراغها في الاهتمام بمزرعتها الصغيرة أو بمكتبتها المتواضعة، دون أن تغفل مساعدة جيرانها وبالخصوص كبار السن من منطقتها، فتخدمهم بمحبة نابعة من أخلاقها الطيبة وبقدر ما استطاعت.

وهيبة باعلي

"نوارة" الصحراء

ويشكل المسرح الفضاء والفسحة التي بإمكان "سمراء الخشبة" أن تأخذ منها وتعطيها بقدر ما تريد، فتجربتها المسرحية التي تستند على تراث الصحراء وتمزج بين المسرح الأمازيغي والصحرواي الجزائري، مع توظيف البعد الأفريقي، يجعلها واحدة من الممثلات الاستثناء في هذا الجانب، إلى جانب ممثلين آخرين يتقدمهم عبد القادر عزوز مكتشفها وأكبر الداعمين لها في بداياتها وإلى يومنا هذا، لأنّها ترى في المسرح الأمازيغي الجزائري الأفريقي تجربة مهمة لا تزال غير مستغلة وبحاجة إلى التعريف بها وإيصالها إلى أبعد نقطة، ليكتشفها الجمهور في مختلف دول العالم.

دعم هذه التجربة نظريًا وتطبيقيًا، يكمن حسبها في مواصلة التكوين والورشات والدراسات، وما حضورها في بلدان عربية كتونس والسودان لتقديم أعمالها بمعية الفرقة التي تنتمي إليها، لدليل على حلم تسعى لتحقيقه بكل إخلاص وإرادة وعزيمة، بحيث تعمل على مشروع مسرحي جديد مع الأستاذ علي مهدي من دولة السودانن في إطار إنتاج عمل مشترك جزائري-سوداني مع الهيئة العالمية للمسرح.

وهيبة باعلي

وحديثا، أبدعت وهيبة باعلي في أداء دورها في مسرحية "الجاثوم" للمخرج ورفيقها عزوز عبد القادر، ومن كتابة وفاء براهم شاوش، والتي عرضت مؤخرا بالمسرح الوطني الجزائري، وتحمل في طياتها روح وتراث الطاسيلي والبيئة الصحراوية

 لكن لوهيبة بصمة خاصة من خلال مونودرام "نوارة" الذي قدمته على مسارح كثيرة وشكلّ علامة فارقة في تاريخ العروض النسائية المسرحية (المونودرامية).

و"نوّارة" نص الكاتب عبد الهادي دحدوح، يعتبر أقرب العروض إلى قلب وهيبة لأنّه لامس العقول والقلوب كما قالت في تصريحات صحفية سابقة، فـ"نوّارة".. هي المرأة، الحالمة، القوية، الثائرة، المقاومة، الصابرة، الباحثة عن الحوار وسط مجتمعات تسيطر عليها الذكورية، الباحثة عن حريتها ولو كلّفها ذلك حياتها.

فتح النور بن براهم: وهيبة باعلي هذه الشابة الجزائرية الصحراوية تحمل في داخلها شحنة إبداعية لا مثيل لها

 ومن الشهادات التي تؤكد مدى الموهبة الفذّة التي تتمتع بها وهيبة باعلي ما قاله قبل سنوات المكلف بالاتصال بالمسرح الوطني الجزائري، الأسبق المرحوم فتح النور بن براهم: "وهيبة باعلي هذه الشابة الجزائرية الصحراوية تحمل في داخلها شحنة إبداعية لا مثيل لها وحبًا خالصًا وصادقًا للمسرح وطريقًا ملامحه واضحة".