03-فبراير-2019

بلدة غارادية في شمال الصحراء الجزائرية تضم عدد من القصور التاريخية المصنفة ضمن التراث العالمي (Getty)

تقترب مساحة الجزائر من مليونين ونصف مليون كيلومتر مربّع، لتكون بذلك أكبر الدّول العربية والأفريقية مساحةً بعد تقسيم السّودان عام 2011.

تأتي الوجهات الصحراوية في صدارة خارطة الوجهات السياحية بالجزائر رغم أن سكان الصحراء بالجزائر لا يمثلون أكثر من 7% من عدد السكان

وتتوفّر الأراضي الجزائرية على الفصول الأربعة في الوقت نفسه، فراكب الطّائرة من أقصى نقطة في الشّمال البحريّ إلى أقصى نقطة في الجنوب الصّحراويّ يلاحظ ذلك. وبين النّقطتين عشرات الملامح والمواقع والطّقوس صنّف بعضها ضمن التّراث الإنساني.

اقرأ/ي أيضًا: السياحة الصحراوية في الجزائر.. إهمال متواصل

مع ذلك تأتي الجزائر، متأخّرة في قائمة الدّول العربيّة والأفريقيّة والمتوسطيّة التّي تحظى باستقطاب سياحيّ ينسجم مع إمكانياتها المختلفة، لتبقى رهينة عائدات النّفط، التّي تساهم في الدّخل القوميّ العام بنسبة تفوق 95%.

ولا تساهم السّياحة في الدّخل القوميّ السّنويّ العام إلا بـ1.5% بعائدات تتجاوز 300 مليون دولار بقليل. ولا يتجاوز عدد فنادقها ذات المعايير الدّوليّة 300 فندق بطاقة استيعاب لا تتجاوز 120 ألف سرير.

وإذا ما أضيف إلى هذا هشاشة منظومة النّقل وضعف الخدمات وانغلاق المدينة الجزائريّة على نفسها في السّنوات الأخيرة، رغم استرجاع أمنها؛ فسيصبح من المفهوم لماذا لا يتجاوز أعداد السياح الأجانب ثلاثة ملايين سائح على أقصى تقدير، وهو نفسه عدد السياح الجزائريين إلى تونس!

وتأتي الوجهات الصحراوية في صدارة خارطة الوجهات السياحية بالجزائر، رغم أن سكان الصحراء في الجزائر لا يمثلون أكثر من 7% من إجمالي عدد السكان الذي بلغ مؤخرًا 43 مليون نسمة. وفيما يلي، نستعرض لكم خمس وجهات سياحية جزائرية:

1. جانت.. جنّة الطّوارق

واحة جانت

واحة تبعد عن الجزائر العاصمة جنوبًا بـ2300 كيلومتر. وعن الحدود اللّيبية شرقًا بـ100 كيلومتر. وتشكّل جانب قلب منطة الطّاسيلي، التّي تضمّ كتابات ورسومات صخرية يعود بعضها إلى خمسة آلاف سنة قبل الميلاد، على مساحة تقدّر بـ12 ألف كيلومتر مربع.

وتتنوّع هذه الرّسومات البالغ عددها نحو 30 ألفًا في جانت التي تعني في لغة الطوارق الأمازيع "حطّ الرحال"؛ ما بين حيوانات وبشر وآلهة وطقوس ترصد العلاقة بين هذا الثّالوث. وقد حظيت عام 1982 بتصنيفها من طرف منظمة اليونسكو ضمن التّراث الإنساني.

2. تيميمون.. معراج الرّوح

واحة تيميمون

تعرف تيميمون الواقعة على مسافة 1400 كيلومتر إلى الجنوب من الجزائر العاصمة، بـ"المدينة الحمراء" لأنّ بيوتها وتجمّعاتها السّكنية المعروفة بـ"القصور" مبنية بالطوب الأحمر، ويبلغ عددها 40 قصرًا، حيث تعتلي هضابًا تعلو بدورها مغارات للتّبريد والتّخزين، مشكّلة مع أشجار النّخيل لوحة ساحرة.

وصلها الاحتلال الفرنسيّ عام 1900، فأقام فيها "باب السّودان"، الذي بات من أجمل معالمها الدّالّة عليها، بالإضافة إلى معالم أخرى مثل فندق "الواحة الحمراء" المشيّد عام 1920 والذي أقام فيه العديد من المشاهير والشخصيات العامة من حول العام، إضافة إلى قصر أغلاء، العائد إلى القرن الـ12.

وتعرف المنطقة بفنّ "أهليل" أو "أهل الليل"، الذي كان يسمّى قبل انتشار الإسلام بـ"أزنون"، وهو نمط غنائيّ وشعريّ يؤدّيه النّساء والرّجال ليلًا في شكل دائرة مرفوقًا بالتّصفيق المنسجم مع طبيعة الألحان المغنّاة.

ويشكّل هذا الفنّ واحدة من الوجبات الرّوحية في تظاهرة "الأسبوع"، التّي يحتفل بها سكّان المنطقة، رفقة آلاف القادمين من مختلف المناطق في الجزائر وأفريقيا بالمولد النّبويّ، وكلاهما مصنّف ضمن التّراث الإنساني.

3. تاغيت.. فاصل بين الأرض والسّماء

واحة تاغيت

يعود تعمير هذه الواحدة إلى 11 قرنًا، وتقع في الجنوب الغربيّ للبلاد، فوق هضاب رمليّة يبلغ ارتفاعها 700 متر، ما جعلها صالحة لأن تكون منصّة للمناطيد والتّزحلق على الرّمل.

ويعني اسم تاغيت في اللّغة الأمازيغيّة "الحجرة"، إذ نجد في "جبل قبقب" ظاهرة تساقط الأحجار وفق ريتم ملحّن. وفيه نقوش يعود بعضها إلى ألف سنة قبل الميلاد.

وتتميّز تاغيت عن بقيّة الواحات، باستقطابها للسيّاح الشّباب، خاصّة هواة التّصوير  والأفلام، بالنّظر إلى صلاحيتها للرّياضات الرّملية، والرّوح العصرية لفنادقها، مثل فندق "تاغيت" الذي صمّمه المهندس الإيطالي بوشيتا، ودشّنه الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة حين كان وزيرًا للخارجيّة عام 1971.

4. تيوت.. كان الإنسان أطول

واحة تيوت

واحة ذات واد وعيون عذبة في الجنوب الغربيّ. تتوفّر على قصبة تعود إلى القرن الـ15، ونقوش صخرية اكتشفت عام 1847 من طرف الفرنسيين، وتعود إلى العصر الحجريّ الحديث. 

كما تشتمل على على مقبرة العماليق، التّي يبلغ فيها طول القبر الواحد عدّة أمتار، بما جعل الباحثين يطرحون احتمال أنّ الإنسان القديم كان أطول ممّا هو عليه اليوم.

ويمكن للسّائح أن يقيم في أحد بيوت السكّان المحلّيين، ليكون على اتصال مباشر بعادات وطقوس وأطباق هي مزيج لعناق بين الحضارتين الأمازيغية والعربية.

5. قمّة الأسكرام.. انتفاء الفوارق بين البشر

قمة الأسكرام

تقع قمّة الأسكرام في سلسة جبال الأهقار، التّي تتربّع في الجنوب الشّرقي على مساحة قدرها 550 ألف كيلومتر مربع، بما يشكّل خمس مساحة الجزائر.

وعثر الباحثون على هياكل لحيوانات بحرية تدلّ على أن المنطقة كانت أنهارًا وبحارًا في القديم. وعلى رسومات ونقوش ترصد النّشاط اليومي لإنسانها السبّاق إلى وضع أبجدية خاصّة به تسمّى "التّفيناغ".

وتبعد القمّة عن مدينة تمنراست بـ80 كيلومترًا. وهو طريق برّي تستخدم عليه سيارات الدفع الرباعي، وينتهي إلى منطقة سياحية تتكون من بيوت حجرية توفّر وجبات وسهرات أفريقيّة. وتعلو القمّة كنيسة أقامها المبشّر المسيحي شارل دي فوكو مطلع القرن الـ20.

وتوفّر قمة الأسكرام لزائريها من القارّات الخمس، مشاهدة أحد أجمل أنواع الغروب والشّروق في العالم، بصحبة أنواع نادرة من الأيائل والعصافير. وهي لحظة معزولة عن الوسائط الجديدة، بما يعيد الإنسان إلى ذاته بعيدًا عن إكراهات المدينة المعاصرة.

تزخر الجزائر بالكثير من الإمكانيات السياحية غير المستغلة بالشكل الأمثل، والمتمثلة في الجغرافيا الواسعة والمناطق مختلفة الطبيعة والحرارة

هذا وتمثّل الوجهات الخمس المذكورة، نماذج قليلة عمّا تزخر به الجزائر من إمكانيات سياحية تقرّ الحكومة نفسها بكونها بعيدة عن الاستغلال الأمثل، الذي لم تستطع أن تصل إليه رغم المبالغ الصّخمة المرصودة لأجل ذلك، ورغم هبوط أسعار النّفط في السّنوات الأخيرة، بما جعل السّلم الاجتماعي في البلاد مهزوزًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مقبرة العالية.. مفخرة الموتى في الجزائر!

الزاوية التيجانية.. قِبلة العشاق ومورد النُسّاك في الصحراء الجزائرية