02-نوفمبر-2021

(الصورة: نون بوست)

في وقت يتّجه البرلمان الجزائري نحو المصادقة على قانون يجرّم الأعمال المرتكبة من طرف السلطة الفرنسية الاستعمارية ضدّ الشعب الجزائر، يمثّل قانون تجريم الاستعمار محطة اختبار سياسي بالنسبة لثلاثة أطراف؛ أولها الأحزاب السياسية خاصّة الموالية للسلطة على صعيد قدرتها على التخلّص من سلطة الإيعاز وضغوطات السلطة على مواقفها وخياراتها، وثانيها نواب البرلمان كامتحان لهم على تحرير الموقف النيابي، والثالث هو السلطة في حدّ ذاتها إن كانت فعلًا تريد أن تذهب إلى مستوى تغيير قواعد الاشتباك السياسي مع فرنسا حول ملفّ الذاّكرة والتاريخ. 

يحقّ لكل ضحية حسب مسودة قانون تجريم الاستعمار، رفع دعوى أمام  المحكمة الجنائية، ويلزم السلطات الفرنسية بتسليم المطلوبين المتهمين أو المدانين بارتكاب جرائم ضد الجزائريين

في هذا السياق، أفرج أزيد من 100 نائب في الغرفة السفلى للبرلمان الجزائري عن نسخة جديدة لمسودة قانون تجريم الاستعمار الفرنسي، فهل ستكون هذه النسخة الجديدة من القانون استثناءً وتصدَّر بخلاف التجارب السابقة من دعوات التجريم والتي بقيت في الأدراج؟

اقرأ/ي أيضًا: قانون تجريم الاستعمار.. مساءلة تاريخية لفرنسا عن مجازر الجزائر

54 مادة: جرائم فظيعة

حمّلت نسخة مسودة قانون تجريم الاستعمار الفرنسي في الجزائر، الدولة الفرنسية مسؤولية مختلف الجرائم المرتكبة في حقّ الجزائريين طيلة فترة احتلالها للجزائر (1830-1962)، معتبرة أنّها جرائم ضدّ الإنسانية لا يمكن تلافيها بقرارات سياسية، ولن تتمكن الجزائر من تجاوز حقبة مظلمة من تاريخها الأليم، وتضحيات شعبها الجسام، فضلًا عن حقّ الأجيال كاملة.

كما اشترطت الوثيقة اتّخاذ عدّة إجراءات لعودة العلاقات الثنائية بين البلدين في شتىّ القطاعات في المستقبل، وهي اشتراطات تكون قد وضعت الأصبع على جراح لم تندمل منذ مرور 67 سنة من عمر استقلال الجزائر، وتعود للواجهة كلّما أطلقت شخصيات سياسية فرنسية تصريحات تمسّ بتاريخ الجزائر وشعبها.

واحتوت النّسخة من مسودة قانون تجريم الاستعمار الفرنسي في الجزائر التي حصلت عليها "الترا جزائر" على 54 مادة، وقّعها أزيد من 100 نائب في البرلمان الجزائري، تناولت عديد المجالات أهمّها: الجانب السياسي والقانوني، بالإضافة إلى "المسؤولية التاريخية للدولة الفرنسية عن جرائم الإبادة والتهجير ونهب الثروات الجزائرية فضلًا عن التجهيل"، حسب ما جاء في الوثيقة، إذ أفرد القانون المقترح عمومًا شرطًا لضرورة اعتراف فرنسا وتقديم اعتذارها للجزائر والإقرار بها، مفاده تقديم تعويضات كشرط أساسي لعودة العلاقات البينية.

من غير شكّ، أن القانون الذي أعلن عنه نوّاب الغرفة التشريعية للبرلمان الجزائري، يصبو إلى "إدانة الاستعمار الفرنسي عن كامل الأعمال الاجرامية التي ارتكبها واسترجاع الحقوق المسلوبة المعنوية والمادية على حدّ سواء، جراء العدوان المسلح على الشعب الجزائري منذ 14 حزيران/جوان 1830 حتى استرجاع الاستقلال في الخامس تموز/جويلية 1962"، كما يؤكّد هذا القانون المقترح على "معاقبة بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين وغرامات مالية كل من يقوم بتمجيد الاستعمار الفرنسي في الجزائر بأيّة وسيلة من وسائل التعبير".

المسؤولية الأخلاقية والتاريخية

في السياق نفسه، تنص المادة السادسة من نص القانون على مطالبة الدولة الفرنسية بالتعويضات عن الأضرار المادية والمعنية الناجمة عن الجرائم الاستعمارية المقترفة في حقّ الشعب الجزائري، مؤكدًا على أنّ "الدولة الفرنسية تتحمل المسؤولية كاملة عن الجرائم التي ارتكبتها الجيوش الفرنسية وعملائها طيلة فترة الاستعمار بصفتها جرائم ضد الانسانية كالتفجيرات النووية والإبادة الجماعية، وحقول الألغام، وجريمة الألقاب المسيئة، وسرقة الممتلكات والتراث الوطني"، لافتًا في هذا السياق إلى أن جرائم الاستعمار الفرنسي لا تخضع لمبدأ التقادم ولا لقوانين العفو، وفقًا لمقتضيات القانون الدولي الإنساني.

كما ينصّ القانون على أن يتم "تأسيس شرطا الاعتراف والاعتذار، كقاعدتين في التعامل في العلاقات الجزائرية الفرنسية، ويعتبر الاعتراف والاعتذار والتعويض حقوقًا مشروعة للشعب الجزائري وغير قابلة للتنازل"، كما "يُلزم الدولة الجزائرية بعدم التوقيع على أية اتفاقية أو معاهدة مع الدولة الفرنسية حتى استيفاء كلّ الشروط الواردة في القانون".

وفي المقابل من ذلك، يؤكّد القانون مسؤولية سعي الدولة الجزائرية على إلزام الدولة الفرنسية بالاعتراف بماضيها الاستعماري في الجزائر، إضافة إلى إلزامها بالاعتذار وتقديم تعويضات عن الجرائم والمآسي في حق الشعب الجزائري، كما "يُلزم الدولة الجزائرية كشرط للتوقيع على أية معاهدة أو اتفاقية مع فرنسا، إجبارها على إلغاء كل النصوص الفرنسية الي تمجد وتؤيد سلوك الهمجية الاستعمارية"، منها قانون تمجيد الاستعمار الذي أصدره البرلمان الفرنسي في شباط/ فبراير 2005.

كما تفيد مسودة قانون تجريم الاستعمار المسودة، على "استحداث محكمة جنائية تختص بمحاكمة كل شخص ارتكب أو ساهم في ارتكاب جريمة من الجرائم الاستعمار السابقة الذكر، كما يحاكم أمامها، كل شخص ارتكب ذلك مهما كانت جنسيته أو صفته، كما يحقّ لكل ضحية أو لذي الحقوق رفع دعوى أمام هذه المحكمة الجنائية، ويلزم السلطات الفرنسية بتسليم المطلوبين المتهمين أو المدانين بارتكاب جرائم الاستعمار الفرنسي.

وصنفت الوثيقة القانونية الجرائم الاستعمارية إلى خمسة أصناف، هي: "جرائم حرب تشمل التقتيل والإعدامات واستخدام الأسلحة المحرمة دوليًا وسياسات الأرض المحروقة، وجرائم العدوان بالتخطيط لاحتلال الأراضي، وجرائم الإبادة الجماعية التي تشمل إهلاك قرى وقبائل بأكملها وإخضاع الجزائريين لأحوال معيشية بقصد إهلاكهم، وجرائم ضدّ الانسانية تشمل التشريد والنفي والتجنيد القسري والتفجيرات النووية، وجرائم ضد الهوية الوطنية، تشمل قتل العلماء وهدم المساجد وإغلاق الكتاتيب وبث التخلف والحرب الدينية".

حقوق المهجّرين

كما عرجت الوثيقة، في ضوء ذلك إلى أن يمنع "منح أية حقوق للمعمرين والفرنسيين المولدين بالجزائر أو ما يطلق عليهم بـ "الأقدام السوداء"، إذ ينصّ على أنه "لا يحق لهم المطالبة بأية تعويضات عن الأملاك الشاغرة التي تركوها غداة الاستقلال أو المطالبة بأراضي أو عاقرات استغلوها ونهبوها من السكان الأصليين بغير وجه حق"، كما "يُلزم الدولة الجزائرية باسترجاع الثروات والأموال المنهوبة والمهرّبة من قبل الأقدام السوداء".

وفي مقابل ذلك، يطالب القانون على "إلزام الدولة الجزائرية لفرنسا بإعادة الممتلكات المنهوبة والمهرّبة خلال الاستعمار والعمل عبر قنواتها الرسمية والدبلوماسية، على إجبار فرنسا تقديم تعويضات عادلة ومنصفة لجميع ضحايا التّجارب النووية التي نفذتها فرنسا في الصحراء الجزائرية، وتولي مسؤولية تطهير تلك الأراضي من الإشعاعات النووية وإصلاح البيئة، وكذا وتسديد ديونها للجزائر لفترة ما قبل الاحتلال"، وذلك على خلفية أن بين الجزائر وفرنسا ديون تتعلق بطلبية القمح التي باعتها الجزائر للدولة الفرنسية قبل الاحتلال ولم تستلم الجزائر حقها المادي، وكانت الشرارة التي تسببت في اندلاع الحرب وإطلاق حملة لاحتلال الجزائر.

ولم تتوقف الآلة الاستعمارية عند الجرائم والقتل والتهجير، بحسب مسودة القانون، بل قامت بعملية المساس بكرامة الجزائريين من خلال تناول القانون لملف شائك جدًا، يتعلّق بمسألة "الألقاب" وذلك ما جاء في تفاصيل نص المادة 46 من قانون تجريم الاستعمار، وما أطلق عليه "جريمة خلط الأنسابّ"، إذ قامت فرنسا الاستعمارية بعملية خطيرة من أجل تفكيك النسيج الاجتماعي في الجزائر"، وذلك عبر فرضها ألقابًا غير مناسبة ومسيئة للجزائريين.

في الشقّ الإنساني دائمًا، استأصل الاستعمار الفرنسي عائلات جزائرية من جذورها، وهجّرها عنوة إلى "كاليدونيا الجديدة" وهو ما شددت على ضرورة النظر فيها من خلال ما نص عليه القانون بضرورة "إنشاء مؤسسة للبحث في الأنساب وإعادة رسم شجرة الأسر لإحياء سجايا الشعب الجزائري ومحو أثار الطمس والتشويه التي مارسها الاستعمار الفرنسي".

ولتخفيف العبء النفسي والاجتماعي لأحفاد المهجّرين إلى عديد المناطق في العالم، تتناول القانون ضرورة "اعتراف الدولة الجزائرية لأبناء وأحفاد المبعدين والمهجرين والمنفيين في كل الأقطار، لاسيما المنفيين في كاليدونيا الجديدة وغوايانا الفرنسي، بالحقّ في الجنسية الجزائرية، وتسهيل حصولهم عليها ودخولهم إلى الجزائر، على أن تتحمل الدولة مسؤولية تلقينهم تعاليم الدين الإسلامي واللغة العربية".

موقف سياسي

سياسيًا، تبقى هذه الخطوة، مبادرة لإعادة النظر في الجرائم التي اقترفتها فرنسا إبان احتلالها للجزائر، وتمكين الجزائريين من حقوقهم، خاصّة وأن الطرف الفرنسي لم يتوقف عن التجريح في الدولة الجزائرية من بوابة التصريحات والعمل على إذكاء نيران التاريخ الذي أرادت فرنسا قراءته من وجهة نظر فرنسية استعمارية بحتة.

ونتيجة لتلك العوامل، فإنها خطوة، نحو فتح تحقيق برلماني حول الجرائم المقترفة في حق الجزائريين، إذ لفت الباحث في كلية الحقوق والعلوم السياسية، بجامعة قسنطينة عبد الرحيم حملاوي أن اللجنة يخول لها الدستور أن تقتصر على قضية أو مسألة تتعلق بالمصلحة العامة، تنظر في الوقائع والأحداث بسرية تامة.

وحول الخطوة التي تعقب طرح المسودة، يرى الأستاذ حملاوي في تصريح لـ "الترا جزائر"، أنه فور إنهاء التحقيق يمكن للرأي العام الاطلاع عليه، بعد أن يتمّ ّ"إضفاء الصفة الجرمية على مختلف الأفعال التي قامت بها فرنسا خلال الحقبة الاستعمارية"، حسبما قال.

تُطرح أسئلة حول الظّروف السياسية المتعلقة بتزامن القانون مع الأزمة الحادة التي تعرفها العلاقات الجزائرية الفرنسية 

وفي الأخير يمكن أن تكون الموافقة على هذا القانون صفحة جديدة نحو مباشرة إجراءات محاكمة فرنسا على كل تلك الجرائم المرتكبة، غير أنه من خلال هذه المسودّة، تُطرح أسئلة حول الظّروف السياسية المتعلقة بتزامن القانون مع الأزمة الحادة مع باريس، فهل تشكّل عاملًا مساعدًا لتمرير هذا القانون، أم أن السلطة السياسية في الجزائر لها موقف آخر؟

 

اقرأ/ي أيضًا: 

عاصفة دبلوماسية وشيكة بين الجزائر وباريس

ماكرون: النظام الجزائري أنهكه الحراك الشعبي