التحق بالمعهد العالي لفنون العرض والسمعي البصري تخصّص إخراج سنة 2008، وبعد أربع سنوات من التكوين، عمل كمساعد مخرج، لكن السينما كانت حلمه منذ الطفولة، كانت شغفًا".
يوسف محساس: الجزائريون خلال العشرية السوداء لم يفقدوا حس الفكاهة والدعابة ولم يفقدوا حب الحياة، واصلوا ممارسة مهنهم في كل المجالات
هكذا أجاب المخرج الشاب يوسف محساس عن بدايته في السينما، لكن بعد 2016، استطاع محساس إخراج أربع أفلام قصيرة، آخرها عمل بعنوان "سيعود"، كما أخرج عمليين تلفزيونيين هما "بنت لبلاد" (الموسم الأوّل)، والجزء الرابع من سلسلة "دقيوس ومقيوس".. "الترا جزائر" حاورت يوسف محساس عن السينما، مشاريعه وعن فيلمه "سيعود" وكيف قدّم العشرية السوداء بعيدًا عن لغة الرصاص والدم.
- عرضت أمام الجمهور الجزائري في إطار مهرجان الجزائر الدولي للسينما (أيام الفيلم الملتزم) فيلمك "سيعود".. حدثنا عن قصته التي تعود عبرها إلى العشرية السوداء؟
تدور قصة الفيلم في سنوات التسعينيات من القرن الماضي، إبّان العشرية السوداء، حيث يكون أحد الآباء مارًا بصالون حلاقة، يتحدث مع الحلاق صاحب الدكان ليترك ابنه لديه برهة من الزمن، ثم يعود ليأخذه، لكن الأب لم يعد، فيقوم صاحب صالون الحلاقة بأخذ الطفل إلى بيته ويسهر على رعايته، خاصة وأنّه لا يملك أولادًا، فتخلق علاقة محبة بين العائلة والطفل الذي سيغير حياتهم نحو الأفضل، ليس في المنزل فقط، ولكن حتى في المحل، حيث كان الطفل يتمتع بحس الدعابة والفكاهة وكان يروي قصصًا لزبائن صالون الحلاقة. وذلك بالرغم من أنّ الجو كان زمن التسعينيات حيث الموت والرصاص، ولكنه استطاع أن يبعث الأمل والحياة والفرح في الداخل.
أشرت إلى "العشرية السوداء" بانفجار وقع بالقرب من صالون الحلاقة دون تصوير المشهد، كيف أردت تقديم هذه المحنة التي ألمّت بالجزائريين؟
في أي حرب أو مأساة أو أزمة، تحدث، يواصل الناس حياتهم بشكل عادي، يعملون، يدرسون، وهذا ما أردت إبرازه، كذلك بالنسبة للجزائريين خلال العشرية السوداء لم يفقدوا حس الفكاهة والدعابة، لم يفقدوا حب الحياة، واصلوا ممارسة مهنهم في كل المجالات، كما شاهدنا مع الحلاق، وهذا ما جعل الدولة تبقى قائمة وواقفة، وبالتالي أردت تسليط بقعة ضوء على حقبة التسعينيات المريرة من وجهة نظر أخرى، مثلا كيف كنّا نعيش داخل أسرنا، كيف نمارس حياتنا،.. أي بعيدًا عن لغة الدم والانفجارات التي كانت تحدث وقتها. لقد كانت هناك حياة وأمل وفرح وزغاريد وأعراس، الحياة كانت مستمرة بغض النظر عمّا وقع من مآسي.
- هل ترى أنّ المخرجين الجزائريين أعطوا "العشرية السوداء" حقها؟.. بمعنى هل أنتجت أفلام كثيرة ومتعددة تعالج هذه الحقبة الأليمة من تاريخ الجزائر؟
أظنّ ذلك، فالجيل الجديد من المخرجين أنجز أفلامًا عن العشرية السوداء، كما المخرجين من الجيل الذي قبله، وأعتقد أنّه بداية من 2003 بدأت الأفلام تنتج في الجزائر حول هذه الفترة، من بينها فيلم "المنارة" لبلقاسم حجاج، فيلم "دوار النساء" لأمينة شويخ، وبالتالي كان هناك تطرق ومعالجة للعشرية بالرغم من أن الجرح مازال لم يندمل، وخلال العشرية الأخيرة ظهرت أفلام أخرى لجيل من الشباب مثل فيلم "ما قبل الأيام" لكريم موساوي، أنيس جعاد، أمين سيدي بومدين، مونيا مدور، ما أودّ قوله أنّه توجد أفلام كثيرة عالجت محنة التسعينيات، وكل مخرج عالجها وفق منظوره ورؤيته.
- في فيلمك "سيعود" برع الطفل نزيم بن عيجة (زكي) في أداء دوره، كيف تعاملت معه أو كيف وجهته أمام الكاميرا؟
ما رأيناه من مواقف كوميدية للطفل نزيم بن عيجة (زكي)، هي عفويته وطبيعته في الحديث والكلام، ما خلق نوعًا من الكوميديا والطرافة في العمل، ما كان يقوله عاديًا، ولكنه على لسان طفل صغير، كان يطرح أسئلة مشروعة وبعفوية وببراءة مثلًا عندما خاطب الحلاّق سالم وزوجته فيروز أين هم أولادكم؟ لماذا ليس لديكم أولاد؟.. وهذه العفوية في طرح سؤاله وأحاديثه عامة هي التي أضحكت المشاهد، كما أنّ هذا الطفل يتمتع بذكاء كبير والسيناريو تحصل عليه قبل بداية تصوير الفيلم، هو ممثل بالفطرة بغض النظر عن كونه والده الطيب بن عيجة، فنان وممثل، دون أن أخفي أنّ هذا الجانب ساعدني كثيرًا، باعتبار أنّ الطيب بن عيجة كان يقوم بعمل كبير مع ابنه نزيم.. وهذا انعكس إيجابًا على دور الطفل زكي (نزيم بنعيجة).
- كيف رأيت ثنائية سليمان بن واري (سالم) وسهلى ولهى (فيروز)؟
لا يمكنني إعطاء حكم مطلق، لكن أظنّ أنّهما وفقًا في تجسيد دورهما وخلقا تلك الحميمية والمشاعر الدافئة في البيت ومع الطفل زكي، وكما هو معروف سليمان بن واري ممثل مسرحي وسينمائي بامتياز، وقد تألق في السنوات الأخيرة في عدّة أفلام مثل "أبو ليلى"، وإنتاجات أخرى، وموهبته وبراعته هي من تتحدث عليه، وبالنسبة لي هو أفضل ممثل في الجزائر في جيله، وأعتقد أنّه وفق مع الممثلة سهى ولهى، التي جسدت مشاعر الطيبة والحنان كأم حقيقية باحتضانها الطفل "زكي".. كثنائي كانت هناك كيمياء بينهما في تأدية القصة.
- اختيارك للممثلين سليمان بن واري وسهلى ولهى لبطولة الفيلم، كيف جرى؟ هل كانا مستهدفين مسبقًا بعد إنهائك كتابة السيناريو؟
صاحب العمل عندما يكون هو المخرج وكاتب السيناريو، أكيد لديه نظرة قبلية، فيستهدف شخصيات الفيلم وأبطال فيلمه، لم أقم بكاستينغ، بل اخترتهما مسبقًا، وكان ذلك مدروسًا بشكل جيد، مثلًا سهى ولهى بوجهها البريء وطيبتها رأيت أنّها تقوم بهذا الدور على أكمل وجه، وبالنسبة لسليمان بن واري فهو متمكن ويستطيع الانتقال من شخصية إلى شخصية ومن مشهد إلى آخر بسلاسة وتجسيد أي دور.
- قلت في النقاش الذي أعقب الفيلم، بقاعة ابن زيدون برياض الفتح، بالعاصمة إنّ فيلمك هو تكريم لمحل الحلاقة القديم (بقلب مدينة سطيف) الذي صورت فيه عدّة مشاهد.. حدثنا أكثر عن هذه النقطة؟
نعم، يمكن الاثنان معا، أولًا هو محل حلاقة في سطيف قديم، كنت أذهب إليه عندما كنت صغيرًا، والديكور الذي شاهدنا في المحل الفيلم تقريبًا نفسه الذي كان في المحل الحقيقي، والصورة نفسها هدوء يعمّ المكان، كنت أنتظر دوري لأحلّق آنذاك، وبالتالي تلك الصورة بقيت راسخة في ذهني وأردت تكريم المحل وصاحبه من جهة، والتطرق إلى العشرية السوداء من وجهة نظر أخرى مغايرة، من خلال بناء قصة تنطلق أحداثها من محل حلاقة. وهنا أشير فقط إلى أنّ المحل القديم لم تسنح لي الفرصة لتصوير مشاهد الفيلم به، باعتباره بناية قديمة ومهددة بالزوال (لمّح إلى أنّه مغلق)، لكن عندما كتبت السيناريو في 2016 كان الهدف أنني أصوّر فيه مشاهد من هذا الفيلم.
- متى كان أوّل عرض لفيلمك "سيعود".. وما هي الجوائز التي تحصل عليها؟
قدّم عرضه الأول في مهرجان القدس السينمائي، وبما أنّ الفيلم يحمل عنوان "سيعود" ..عندما أتحدث مع نفسي في هذه الصدفة، أحس بالفخر، وبشرف كبير، أنني عرضته بهذا المهرجان، كما شارك بعدها في نحو 30 مهرجانًا بأربع قارات، أوروبا، أمريكا الجنوبية، آسيا، أفريقيا، وتحصل على 6 أو 7 جوائز، لكن عرضه في الجزائر يبقى له طعم خاص جدًا، حيث يوجد احتكاك مباشر مع الجمهور الذي يرى قصته وحياته ويومياته من خلال هذا العمل.
- السينما الجزائرية، بعين المخرج الشاب يوسف محساس، كيف يرى واقعها؟
السينما الجزائرية لم تكن غائبة أبدًا، بالرغم من أنّ الكم كان في بعض الفترات قليلًا إلاّ أنّ الكيف ونوعية الأفلام كانت موجودة، الجزائر، ورغم الإنتاج القليل، كانت حاضرة في المهرجانات وتتحصل على جوائز. صحيح كصناعة سينمائية غير قوية، لكن هناك جيل جديد من المخرجين وكتاب السيناريو الشباب لديهم بصمتهم، أذكر إلياس سالم عندما أخرج فيلمه "مسخرة"، ياسمين شويخ، مؤنس خمّار، حسان فرحاني، أمين سيدي بومدين.. لديهم بصمة، ولديهم حضور في المهرجانات وجوائز، أمّا السينما الجزائرية كصناعة فهذه أعتقد أنّها أزمة عالمية لا ترتبط بالجزائر فقط، وبالتالي السينما الجزائر متميزة وأي مهرجان تدخله تترك به بصمتها، ولا أستبعد أن يكون للجزائر في المستقبل أفلام في المسابقة الرسمية بمهرجان "كان" أو مهرجان فينيسيا.
يوسف محساس: هناك جيل جديد من المخرجين وكتاب السيناريو الشباب لديهم بصمتهم
- ما هي مشاريع بعد فيلم "سيعود"؟
نعم، لديّ مشروع فيلم، وضعته بوزارة الثقافة، وأتمنى أن أتلقى الدعم، ولم لا يكون أوّل فيلم لي طويل أشرع في تصويره في 2023.
ا