05-يوليو-2024

تلميذة تُجري امتحان البكالوريا (الصورة: الخبر)

يواصل العديد من أساتذة التعليم الثانوي تصحيح أرواق امتحانات البكالوريا التي دخلت مرحلتها الثانية، وهي المهمة التي تختلف في مسار أي أستاذ عن باقي التكليفات الأخرى التي يقوم بها خلال السنة الدراسية، بالنظر لأهمية هذا الامتحان في تحديد المستقبل التعليمي والمهني للتلاميذ، الأمر الذي يجعل هذه التجربة خاصة تختلف من أستاذ لآخر.

أساتذة يسردون لـ"الترا جزائر" قصصًا غريبة من أوراق امتحانات تلاميذ البكالوريا وآخرون مندهشون من "نوابغ" مستقبلية

ولا تكمن خصوصية هذه التجربة في المسؤولية الملقاة على الأستاذ المصحح فقط، إنّما أيضًا في غرابة بعض الإجابات التي يصادفها في أوراق مترشحي البكالوريا، وفي مستوى كل واحد منهم.

رهاب المرة الأولى

لا يُخفي أستاذ اللغة العربية، محمد، الذي يُصحح هذا العام أوراق امتحان البكالوريا أن شعوره هذه السنة لم يكن نفسه عند استدعائه من قبل مديرية التربية للجزائر العاصمة لهذه المهمة قبل 16 سنة، حيث شكّل له رهابًا خاصًا بالنظر لحجم المسؤولية المُلقاة عليه في الحرص على منح كل تلميذ حقه من النقاط دون نقصان.

وأشار محمد إلى أنه في أول يوم من تصحيح بكالوريا سنة 2008 لم يستطع معالجة سوى إجابات تسع تلاميذ بالنظر لأخذه وقت كبير في التصحيح والتأكد من عدم ظلم المترشحين، فيما يصحح اليوم 50 ورقة إجابة على الأقل بعد 14 سنة من الخبرة.

ويلفت أستاذ الفلسفة حمدادو محمد ياسين، الذي يُستدعى لهذه المهمة منذ بكالوريا 2019 إلى أنه من الطبيعي أن يطبع المشاركة الأولى في التصحيح بعض القلق والخوف، بالنظر إلى أن الأمر يتعلق بأهم امتحان في النظام التعليمي الجزائري. لذلك يستدعي القيام بهذه المهمة استرجاع التوجيهات المقدمة من مفتش المادة طول السنة، وكذا محاولة الاستفادة من تجارب الأساتذة الذين لهم خبرة في التصحيح. مبينًا أن كل الأساتذة يؤكدون أنهم اكتفوا في أول يوم تصحيح للبكالوريا في مسيرتهم المهنية بقدر قليل من أوراق الإجابات، جراء حرصهم على عدم ارتكاب أخطاء قد تؤدي إلى تقليص نتائج الممتحنين.

وقال أستاذ الرياضيات العمراني ضياء الدين، الذي يقوم بهذه المهمة منذ ست سنوات بولاية المدية في حديثه مع "الترا جزائر" إن تجربة التصحيح في البكالوريا تظل صعبة في أول مشاركة، كون الأستاذ يكون حريصًا على منح التلميذ العلامة التي تتناسب مع إجابته من خلال تحري الدقة العلمية.

وأشار العمراني إلى أن مصحح البكالوريا يكون متساهلًا أكثر مما دأب عليه في الامتحانات الفصلية، وذلك على عكس ما يشاع بأن مصححي امتحان البكالوريا يتبعون صرامة زائدة. إنما كل ما في الأمر أنهم يلتزمون بالتصحيح الوطني الموضوع من الجهات المعنية.

علامات كاملة

وقال العمراني لـ"الترا جزائر" إن من بين ما يبقى في ذهن الأستاذ المصحح هي الإجابات الكاملة لبعض التلاميذ الذين يستطيعون التحصل على علامة 20 في الرياضيات مثلا، وحتى في شعبة الرياضيات التي تكون مواضيع امتحاناتها صعبة لأنها مادة التخصص ومعاملها سبعة. مؤكدا أن هذه التجارب تبيّن أن في الجزائر نوابغ يجب التكفل بها.

وبدوره، يلفت الأستاذ حمدادو محمد ياسين أنه بالرغم من أن المصححين لا يعرفون أسماء إجابات التلاميذ التي بين يدهم، بالنظر إلى إغفال أوراق الامتحانات للمحافظة على مصداقية هذه الشهادة وتحقيق المساواة بين جميع المترشحين، إلا أن بعض الإجابات تبقى عالقة في ذهن الأستاذ المصحح بالنظر للأسلوب المعتمد من قبل التلميذ، والذي يكون مشوقا أحيانا إلى حد الأسلوب الروائي، مع مزاوجته بالأسلوب المطلوب باستخدام الأدلة والإثباتات المقنعة وتقديم الأمثلة التي قد لا تكون ضمن المنهاج الدراسي، وهي العوامل التي تجعل مثل هؤلاء التلاميذ يحصلون على العلامة الكاملة حتى في الفلسفة.

وأضاف حمدادو أنه في بكالوريا هذا العام مثلا تم منح علامة 20 في مادة الفلسفة في شعبة علوم تجريبية بالمركز الذي يصحح به، إضافة إلى علامة 19 لمترشحين في شعبة آداب وعلوم إنسانية.

أما أستاذ اللغة العربية محمد فيُشير إلى أنه بالرغم من مصادفته لإجابات نموذجية ما تزال عالقة في مسيرة تصحيحه للبكالوريا، إلّا أنه يبقى من الصعب منح علامة كاملة في اللغة العربية، إلا نادرا.

إجابات غريبة

وأضاف أستاذ اللغة العربية أنه في المقابل، فإن بعض الإجابات الغريبة تبقى هي الأخرى عالقة في ذهن المصحح، منها أن بعض المترشحين لا يفرقون بين الصور البيانية والمحسنات البديعية.

وبيّن الأستاذ نفسه أنه من بين المضحكات المبكيات أن ورقة إجابة أحد المترشحين تضمنت إعرابه لاسم محمد في النص أنه اسم جلالة مرفوع، وهي أخطاء رغم أنها نادرة إلا أنها تتكرر كل دورة، خاصة لما يتعلق الأمر بالإعراب والبناء اللغوي. وكذا في تلخيص النص أو التعبير، حيث تتضمن إجابات بعض المترشحين خروجًا كاملًا عن النص بالتطرق لموضوع لا علاقة له بمضمون السؤال.

أما أستاذ الرياضيات ضياء الدين العمراني فيشير إلى أنه من المواقف الغريبة التي تتكرر هي رسائل الاستجداء الخارجة عن النص، والتي تتضمن طلبات من صاحب الإجابة تدعو الأستاذ المصحح لمساعدة المترشح في التنقيط والتساهل، والتي تكون في الغالب طلبًا مقترنا بالدعاء لهذا الأستاذ في محاولة لدفعه للتعاطف مع التلميذ.

مصحّحون أكّدوا لـ"الترا جزائر" أنّ النتائج المسجلة في عمليات تصحيح امتحان البكالوريا، إلى غاية الآن، جيّدة في الرياضيات عند الشعب العلمية وفي الفلسفة لدى الشعب الأدبية

وأوضح أستاذ الفلسفة حمدادو محمد ياسين أن هذه الطلبات بالمساعدة في التنقيط تتكرر سنويًا، لكن التلميذ لا يعلم أنها لا تؤخذ بعين الاعتبار، مشيرًا إلى أنه من بين الإجابات الغريبة في الفلسفة هي أن البعض يأتي بأقوال من رأسه وينسبها لفلاسفة، إضافة إلى اختلاقه لنظريات من وحيه. وكذا عدم التفريق ببعض المصطلحات الفلسفية بمصطلحات علمية، مثل  الخلط بين درس الذات في الفلسفة والذات في العلوم الطبيعية.

وتحدث أساتذة آخرون عن لجوء بعض التلاميذ والذي يعتقد أنهم من الأحرار لإعادة كتابة الأسئلة عند عدم تمكنهم من الإجابة، وبالخصوص في امتحاني اللغات الأجنبية كالفرنسية والإنجليزية.

ووفق من تحدثنا معهم، فإن قصة التصحيح في البكالوريا تظل تجربة مميزة وممتعة تختلف من أستاذ لآخر حتى وإن تشابهت في بعض الجوانب، لكن يبقى أمل كل مصحح هو أن تكون علامات المترشحين مشجعة وفوق المعدل المطلوب. وهو ما لمسه من صرحوا لـ"الترا جزائر" هذا العام، الذين أشاروا إلى  تسجيل نتائج جيدة في الرياضيات عند الشعب العلمية وفي الفلسفة لدى الشعب الأدبية، مع عدم تسجيل عدم توفيق للعلميين الذين اختاروا الموضوع الأول في اللغة العربية والذي تطرق إلى موضوع الصداقة.