راسلتني صديقة تلومني على أنّني لم أشجب حادثة اعتداء بعض شباب الحراك، في واقعة معزولة، على مجموعة من النّساء كنّ يحملن لافتات تناهض قانون الأسرة. قلت لها: إنّ الاعتداء مرفوض لفظيًّا أو جسديًّا، من حيث المبدأ ومهما كانت المبرّرات. لكن لماذا تشكّل هذا الحراك الشّعبي منذ 22 شباط/فبراير؟
إنّ الحراك الشعبي يُواجه رؤوس الأفاعي، وهو مهدّد على أكثر من صعيد، ولن يحميه إلا سلميته ووحدة مطالبه ووحدة حامليها
قالت: "لمنع العهدة الخامسة. ثمّ تطوّر المطلب إلى رحيل العصابة ككل". قلت: سقطت العهدة الخامسة. فهل رحلت العصابة كلّها؟ قالت: "لا". قلت: هل من المنطق أن نرفع لافتاتٍ تخصّ مطالب فئويّة ومذهبيّة، قبل تحقّق المطلب الوطني؟
اقرأ/ي أيضًا: الشقاق الأيديولوجي في الجزائر.. حيلة لن تنطلي
إنّ الحراك يُواجه رؤوس الأفاعي، وهو مهدّد على أكثر من صعيد، ولن يحميه إلا سلميته ووحدة مطالبه ووحدة حامليها. فبأيّ منطق يُجيز، في هذه المرحلة بالذّات، أن يُرفع مطلب تعديل قانون الأسرة، أو يرفع مطلب تطبيق الشّريعة، أو يُطالب أحدهم بدولة علمانيّة؟
إنّنا بصدد الكفاح جميعًا من أجل الوصول إلى مرحلة يستطيع فيها كلّ واحد منّا الإعلان عن مذهبه أو أيديولوجيته في إطار الصّندوق الشّفّاف، من غير أن يُزوّر له أحد إرادته أو يقمعه لأنّه يحمل فكرًا ما. فلماذا نسبق العرس بليلة؟!
لماذا لا نستفيد من شباب الحراك، الذين ألغوا جميع الاختلافات ورصّوا صفوفهم بوحدتهم وانصهروا في هدف واحد هو رحيل النظام الفاسد؟ أليس من الانتهازيّة أن يصمت المؤدلج طيلة سنوات بوتفليقة، وحين انتفض الشّباب راح يركب حراكه ويمرّر أيديولجيته على حساب أيديولوجية الحراك التي يلخصها هذا الشّعار: "استرجع شيّك بعديك بيّن زيّك"؟
ثمّ ألا يُفترض وجود طرف حاكم توجّه له المطالب الفئويّة المرفوعة؟ فأين هذا الطّرف الآن؟ ألسنا في حالة فراغ؟ فإذا كان هؤلاء المؤدلجون -علمًا بأنّ الأيدولوجيا معطى بشري ضروري في سياقه الطّبيعيّ- يُطالبون السّلطة، فقد خرجنا لنطالبها بالرّحيل، وإذا كانوا يطالبون الشّعب نفسه، فهو لا سلطة له إلا سلطة الضّغط لتحقيق هدفه الكبير: رحيل العصابة، والدّخول في مرحلة انتقاليّة حقيقيّة بوجوه حقيقيّة، للوصول إلى ديمقراطيّة حقيقيّة تسع الجميع.
على الجميع أن يدركوا معطى وجوديّ، فلا يلعبوا بالنّار، وهو أنّ لحظة الحراك بلورت مفاهيم جديدة منها مفهوم "الخائن"
على الجميع أن يدركوا معطى وجوديّ، فلا يلعبوا بالنّار، وهو أنّ لحظة الحراك بلورت مفاهيم جديدة منها مفهوم "الخائن" الذّي لم يعد ذلك الذّي عارض أو شوّش على ثورة التّحرير فقط، بل هو أيضًا من عارض أو شوّش على أهداف الحراك الشّعبيّ المسالم، بالنّظر إلى تشابه التّجربتين في معطى التّحرير.
اقرأ/ي أيضًا: