يبدو أن قضية الملاكمة الجزائرية إيمان خليف، تعدّت حدود الرياضة إلى السياسة، وانتقل من "التنمّر" على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى تحامل مفضوح انخرطت فيه عدة أطراف، إذ دخلت السياسة على الخطّ، بدءًا من الرئيس السابق الأميركي دونالد ترامب، (مرشّح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية) إلى رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، والأمين العام للحزب اليميني الإيطالي ماتيو سالفيني، وغيرهم من الوجوه المؤثّرة في ساحة المال والسياسة.
عبد الله جنادي لـ "الترا جزائر": في المنافسات الدولية لا تغيب السياسة عن الرياضة قيد أنملة بل وتتداخل المواقف في كثيرٍ من المرّات وتبرز خلفيات عدة لكل موقف
في خطوة مفاجئة؛ لم تكتف رئيسة الوزراء الإيطالية بالتعليق على خسارة مواطنتها الملاكمة، الإيطالية كاريني، والتشكيك في "أهلية" خليف في الحلبة وفي ساحة " المنافسة" الأولمبية، إذ تطرقت ميلوني لموضوع خليف تحديدًا، وذلك في لقائها مع رئيس اللجنة الأولمبية الدولية توماس باخ.
وحسب ما جاء في برقية لوكالة (آكي) الإيطالية للأنباء اليوم الجمعة، تمّ "تناول قضية الرياضية الجزائرية إيمان خليف ومسألة قواعد ضمان العدالة في المسابقات الرياضية"، كما اتفقت ميلوني وباخ على أن "تظل الحكومة الإيطالية واللجنة الأولمبية الدولية على اتصال لتقييم كيفية معالجة هذه القضية في المستقبل".
ضغوطات
وكانت ميلوني قد وصفت، أمس الخميس، النزال بين خليف ومواطنتها كاريني والذي انتهى بفوز البطلة الجزائرية في أقل من دقيقة بـ "غير المتكافئ"، مضيفة بأنه "لا ينبغي السماح للرياضيين ذوي السمات الذكورية بالمشاركة في المسابقات النسائية".
استمرار الجدل حول البطلة الجزائرية في الملاكمة، إيمان خليف، لتدخل السياسة على الخطّ، يشير إلى أنّ الأخيرة؛ أي السياسة كثيرًا ما كانت تقلب موازين القوى في شتى المجالات وخاصة الرياضة، لكفة المصالح على حساب ما كان الغرب يدعو إيله من قيم "التسامح، وتقبل الآخر والاختلاف والتعايش وحقوق الإنسان"، بل كانت الكفة الأقوى والأكبر في مثل هذه المنافسات الدولية.
وجهان لعملة واحدة
تثير العلاقة بين السياسية والرياضة الكثير من الأسئلة، حيث باتت العملية تشبِه الوجهان في عملة واحدة، بل كلاهما يتقاطعان كثيرًا في المناسبات العالمية، فتغلف الرياضة السياسة حينا، بينما تغطي السياسة الرياضة أحيانا كثيرة.
وفي هذا الإطار، فتحت قضية الملاكمة الجزائرية إيمان خليف، التي باتت اليوم الحدث الأبرز، نافذة أخرى من نوافذ تدخّل السياسة في الرياضة من بوابة أولمبياد باريس 2024، وقبل ذلك فعلت قضية غزة وعلم فلسطين الذي لاح للنّاظرين في المنافسة العالمية، وشكل غضب العديد من الأطراف والجهات.
بالعودة لقضية الملاكمة الجزائرية، عندما تأهّلت للدور الربع نهائي على منافستها الإيطالية.
حالة الفصل بين السياسية والرياضة غير قائمة، لأن الأداء وحده لا يكفي، خصوصًا وأن "الترفيه والأنشطة البدنية، يدر الكثير من المال، بل وكثير من المرات ما لعبت السياسة الدور الأكبر في تأجيج الشعوب، وهنا نستذكر الأزمة التي وقعت في 2009، على خلفية المباراة بين الجزائر ومصر في إطار التصفيات النهائية لكأس العالم لكرة القدم 2010، كمثال واضح آنذاك، كيف استخدمت السياسية في اللّعبة الأكثر شهرة في العالم، وكيف وُظّف الإعلام أيضًا وكان له اليد الطولى في تحويل مقابلة في 90 دقيقة إلى حادثة بين الجزائر ومصر، وكيف كادت أن تعصف العلاقات بين البلدين الشقيقين بعد أن انخرطت بعض الأحزاب السياسية في هذا النقاش المحتدم.
من خلال هذا المثال؛ كثيراً ما زُجَّ بالإعلام في حلبة الصراعات وخوضها بأسلحة متعدّدة، معلنة أو مضمرة، ثم العمل على تأجيجها أيضًا، وربما في العديد من الحالات يعمل على إخمادها، كما يتمّ إخماد النيران، وهذه من الوظائف المخفية للوسائل والقنوات ووسائط التواصل الاجتماعي التي تسير بسرعة ولا يمكن اللحاق بها في الدعاية لأي موقف.
واللاّفت أن التّوظيف السلبي لفوز الرياضية الجزائرية من قبل البعض والإعلام بمختلف منصاته وفضاءاته التقنية، بدأ يعطي قراءات أخرى لصورة أكبر فيما يراه البعض أنه "عملية انتقامية لإقصاء الرياضيين الجزائريين بسبب الكيان".
خلفية المواقف
الفصل بين الرياضة والسياسة طموح يعسُر تحقيقه، فحتى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رفض تشكيل حكومة جديدة بعد الانتخابات التشريعية إلى حين انتهاء الألعاب الأولمبية، لأن الأخيرة هي واجهة البلد وصورة الحكومة ووسيلة للتسويق للخارج.
وفي هذا الإطار، يؤكد المحلّل السياسي، عبد الله جنادي، على أن التحرُّر من الحدود الجغرافية مُتاحٌ، أكثر من الحُدود السياسية، ويعنِي بِذلك "صُعوبة تحرُّر الرياضة من السُّلطة السياسية، أو السياسة عمومًا".
وفي هذا الشّأن، يضيف لـ "الترا جزائر"، بأنه في المنافسات الدولية، "لا تغيب السياسة عن الرياضة قيد أنملة"، بل و"تتداخل المواقف في كثيرٍ من المرّات وتبرزخلفيات عدة لكل موقف"، ففي حالة الملاكمة الجزائرية، إيمان خليف، التي تدخل ساسة من إيطاليا والأرجنتين وأغلبهم من اليمين في مسألة انتصارها على الملاكمة الإيطالية، وفي هذا الأمر تجد أطراف سياسية محددة، تتبع الفكر اليميني المتشدد في الغالب، "الفرصة لاعتبار الحالة مدخلًا إلى مواقف سياسية لصالح التطبيع مع المثلية".
في سياق ذي صلة، يتحدّث البعض لـ "الترا جزائر"، عن مجرّد انطباعات "ساخنة" بعد المفاجأة من البطلة الجزائرية، التي سبق لها وأن تعرضت للاستبعاد من بطولة العالم في الهند السنة الماضية، للإساءة إليها.
بالنّسبة لقواعد اللعبة، والتحامل القوي ضدّ خليف، فإنّ اللجنة الأولمبية والرياضية الجزائرية، دعمت البطلة، مؤكّدة "مواصلتها للدفاع عن حقوقها كمنافسة عادلة ومؤهلة"، كما كشفت في بيانها، أمس الخميس، معلنة اتخاذها كل الإجراءات لـ"حماية الملاكمة، وأنه لا يوجد قضية اسمها ملاكمات غير مؤهّلات للمشاركة في المنافسات".
اللجنة الأولمبية والرياضية الجزائرية دعمت البطلة مؤكّدة مواصلتها للدفاع عن حقوقها كمنافسة عادلة ومؤهلة
كما عبّرت اللجنة الأولمبية الدولية عن التزامها بـ "ضمان امتثال جميع الرياضيين المشاركين في دورة الألعاب الأولمبية بباريس 2024 لقواعد الأهلية والتوافق"، لافتة إلى أنّ المجموعة الرياضية المشاركة في المنافسة ملتزمون دائمًا بهذه اللوائح في جميع المنافسات الدولية".