20-يونيو-2019

لم يؤثر رفع الراية الأمازيغية على سلمية مسيرات الحراك (أ.ف.ب)

"يليق بي أيضًا، بهذه المناسبة، لفت الانتباه إلى قضيّة حسّاسة تتمثّل في محاولة اختراق المسيرات ورفع رايات أخرى غير الراية الوطنية من قبل أقليّة قليلة جدًا، فللجزائر علم واحد استشهد من أجله ملايين الشهداء، وراية واحدة هي الوحيدة التي تمثّل رمز سيادة الجزائر واستقلالها ووحدتها الترابية والشعبية، فلا مجال للتلاعب بمشاعر الشعب الجزائري".

الرايات التي كانت تُرفع في المسيرات، والراية الأمازيغية من بينها، لم تؤثّر على سلمية المسيرات الشعبية

كان هذا جزءًا من خطاب قائد الأركان أحمد قايد صالح، في كلمة توجيهية ألقاها في محافظة بشار جنوبي الجزائر، معتبرًا أن رفع رايات غير الراية الوطنية خلال المسيرات الشعبية قضيّة حساسة.

اقرأ/ي أيضًا: خطاب قايد صالح.. تجديد القطيعة مع مطالب الحراك الشعبي

جدل على مواقع التواصل

أثار خطاب قائد الأركان الأخير، موجةً كبيرة من الانتقاد على مواقع الاجتماعي، وصبّت موجة التعليقات، حول تدخّل قائد الأركان في القضايا السياسية، وإثارة مواضيع هامشية بعيدًا عن المطالب الحقيقية للحراك، خاصّة وأن الرايات التي كانت تُرفع في المسيرات، والراية الأمازيغية من بينها، لم تؤثّر على سلمية المسيرات الشعبية.

ردود الفعل على مواقع التواصل الاجتماعي، أجمعت على أن خطاب قايد صالح، أثار مواضيع جانبية في عزّ أزمة سياسية أمرٌ لا طائل منه؛  واعتبروا أن الجزائريون الذين خرجوا كرجل واحد في 22 من فيفري/ فبراير، رفعوا عاليًا سقف المطالب، وهو إسقاط النظام وليس إسقاط رايات ثقافية أو سياسية، كانت وليدة محطّات تاريخية لا ينكرها أحد.

هنا يعلّق الصحفي جعفر خلّوفي، على خطاب قايد صالح "سقطت خطط النظام الواحدة تلو الأخرى، ولم يبق إلا أقدم خطة في التاريخ، وهي فرّق تسد". مضيفًا أن النظام لم  يجد إلا محاولة تعفين المسيرات وتلغيمها، داعيًا إلى التحلّي بالهدوء وعدم التعاطي مع هذه الخطابات رغم الاستفزاز الواضح على حدّ تعبيره.

راية ثقافية

تُبرز الصور والفيديوهات الملتقطة في الشارع، منذ الحراك الشعبي الجزائري، أن الراية الثقافية الأمازيغية، كانت الأكثر حضورًا في المسيرات الشعبية، ولم يقتصر حضورها على منطقة القبائل فقط ذات الكثافة السكانية لأمازيغ الجزائر، ولكنّها امتدّت إلى كثير من ولايات الوطن، وهو ما يُفهم أن خطاب قائد الأركان كان يستهدف الراية الأمازيغية حسب متتبّعين.

يتّفق كثيرون، أن الراية الثقافية الأمازيغية، إن كانت هي المقصودة في خطاب قائد أركان الجيش، فإن حضورها لم يكن أبدًا حصرًا على مسيرات الحراك الشعبي، ولكنها كثيرًا ما تُرفع في التظاهرات والمظاهرات المنظّمة في الجزائر، وكثيرًا أيضًا ما ظهرت في محافل ثقافية دولية، إذ يحملها من يفتخرون بانتمائهم لهذه الثقافة.

كما يُعرف أيضًا، أن الراية الأمازيغية، لا تتعدّى كونها راية ثقافية جامعة لكل شعوب المغرب الكبير، وليست حكرًا على جهة ما إذ كثيرًا ما تشاهد في المسيرات والتظاهرات التي تنظّم في دول مجاورة مثل تونس والمغرب وليبيا.

في هذا السياق، يكتب مهدي برّاشد الإعلامي المهتمّ بالثقافة الشعبية، أنه لم يرفع يومًا راية الهوية الأمازيغية، لكن الملايين ممن خرجوا إلى الشارع لم يروا فيها تهديدًا للوحدة الوحدة الوطنية، مضيفًا أن من خرجوا إلى الشارع لم يمنعوا أيّ واحد ممن حملوها من المشاركة في الحراك. ويختم برّاشد منشوره بالتساؤل: هل هناك جهة متخوّفة على الوحدة الوطنية للجزائريين أكثر من الشعب الجزائري؟

الجيش والسياسة

من جهته، يرى الباحث والأكاديمي نوري دريس، أن النظام يعتقد أن مطلب الجزائريين تقنيٌّ محض، وقد تمّت الاستجابة له، معتبرًا أن " النظام لا يستطيع فهم أن المجتمع يطالب بتغيير نمط تسيير الدولة بشكل جذري، هو لا يستطيع فهم أن الإجراءات التي قام بها إلى غاية الآن، هي بالنسبة للجزائريين قضيّة داخلية تخصّ النظام وحده".

ويعلّق دريس على منع رفع الراية الأمازيغية بالقول، إنه لا يعتقد أن قائد الأركان في دعوته اليوم لمنع رفع رايات غير الراية الرسمية يستهدف منطقة معيّنة، أو يعكس حقدًا على الراية الثقافية الأمازيغية. ربّما يعتقد أن هذا من شأنه أن يضعف التجنيد في المسيرات الأسبوعية و يعيد الجزائريين إلى ديارهم، إذ أن استمرارها حسب اعتقاد المؤسّسة العسكرية، يحول دون تفرّغ الجيش لإعادة ترتيب الساحة السياسية واختيار مسؤولين جدد يسيرون الشأن العام على حدّ قوله.

الجديد في خطاب قائد الأركان قايد صالح، هو توجّهه من دعوة القضاء إلى فتح ملفات الفساد، والتشديد على التوجّه إلى انتخابات رئاسية، والتمسّك بالحلّ الدستوري، إلى توجيه خطابات سياسية وأيديولوجية تتعلّق بالهوية والثقافة الجزائرية.

شكّل رفع العلم الأمازيغي وغيرها من أعلام الهوية الجزائرية إلى جانب العلم الفلسطيني جزءًا كبيرًا من تجمعات الحراك

 ويُسجّل أيضًا أن خطاب قايد صالح، جاء متوعّدًا بمتابعة كل من يخالف تعليماته الخاصّة بإسقاط الرايات التي تُرفع في الحراك الشعبي، وبدى قائد الأركان في خطابه الأخير، كمن يطلق النار على إحدى ساقيه، إذ شكّل رفع العلم الأمازيغي، وغيرها من أعلام الهوية الجزائرية إلى جانب العلم الفلسطيني، جزءًا كبيرًا من التجمعّات المشاركة في الحراك الشعبي منذ ما يزيد عن أربعة أشهر.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

عنفٌ أمني في مواجهة الحراك.. عودة لخطابات التخويف

"العصابة" أم الجيش.. من هو صاحب القرار في الجزائر الآن؟