لايختلف اثنان، أن ألبوم ذكريات كرة القدم الجزائرية لايزال يحتفظ بتلك الصور بالأبيض والأسود وحتّى الملوّنة لأفضل المهاجمين الجزائريين، الذين تعاقبوا على المنتخب الوطني وتركوا بصماتٍ لن يمحوها الزمن من الذاكرة الرياضية، إسلام سليماني.. الشاب الذي نصب نفسه ملكًا على عرش إمارة موناكو.
نجح إسلام سليماني، في تجاوز الصعاب والعراقيل التي اعترضه نحو حلم قميص المنتخب الوطني الأوّل
من العدم
نجح إسلام سليماني، في تجاوز الصعاب والعراقيل التي اعترضه نحو حلم قميص المنتخب الوطني الأوّل، فاللاعب الشاب استطاع أن يثبت عُلوّ كعبه ويصبح علامةً فارقةً في عالم الساحرة المستديرة، إذ يقول بالخصوص الصحافي الرياضي، وليد مرزوقي إن "إسلام هو أحسن سفيرٍ للاعبِ المحليّ في أوروبا..، فهو مثال للتحدي والإرادة الفولاذية".
اقرأ/ي أيضًا: جمال بلعمري.. صخرٌ ثمينٌ يرفض الانكسار أو المساومة
وأضاف وليد مرزوقي في حديث لـ "الترا جزائر"، أنه "عند انتقال سليماني لشباب بلوزداد، لا أحد كان يتوقّع نجاحه مع نادي بلكور العاصمي، سوى رئيس الفريق آنذاك محفوظ قرباج الذي قام بانتدابه..".
وأردف الصحافي، أن اللاعب سليماني كان دائمًا ضحة انتقادات لاذعة، فيقول: "سليماني كان يتعرّض للانتقاد في كل مرّة بسبب تضييعه للكُرات، وعندما لا يسجّل كانت توجّه إليه انتقادات أكثر، لكن كل ذلك أعطى شحنة ايجابية للاعب".
بين أزقة عين البنيان بالعاصمة،إلى نادي موناكو الفرنسي، توقّف سليماني في العديد من المحطات الأوروبية، وبات محل اهتمام عمالقة الكرة في العالم، سيما بعد حجزه مكانة في تشكيلة المنتخب الوطني فترة الناخب وحيد حاليلوزيتش.
فاللاعب الذي قدم من قسم الهواة مع ناديه اتحاد الشراقة، إلى واحد من أعرق الأندية الجزائرية، شباب بلوزداد، لم يكن ينتظر أن تبتسم له أقدار الكرة وتجعله قطعة أساسية وجزءًا لايتجزأ من معادلات المدرب وحيد حاليلوزيتش، ولاحتى أستاذ الرياضيات كريستيان غوركوف، لوضح مرزوقي هنا: "صراحة.. سليماني أحرج مدرب المنتخب الوطني كريستيان غوركوف، الذي كان يريد التضحية به، من أجل منح الفرصة لإسحاق بلفوضيل، الذي كان في أوج مستواه..".
ويستطرد الصحتفي المتخصص في شؤون الأندية: "لكن سليماني واصل العمل، ووضع غوركوف أمام الأمر الواقع، فأدرك حينها أن سليماني ركيزة أساسية لايُعوض بسهولة".
قبل سنوات خلت، لم يكن سليماني ينتظر أن يشارك في تصفيات نهائيات كأس العالم بالبرازيل سنة 2014، ويسجّل هدفين خلال الدورة، حينها تحوّلت المعاناة إلى تحدٍ وحلم وأخيرًا حقيقة، وأدرك المدرب البوسني وحيد حاليلوزيتش، وقتها أن مستقبل سليماني ماوراء البحار.
جسر لشبونة
لم ينتظر إسلام سليماني كثيرًا، حتى بدأت العروض تتهاطل عليه من كبار الأندية، الراغبة في تدعيم قاطرتها الهجومية برأس حربة يكون بمواصفات سليماني، وبدوره لم يتأخّر في اختيار سبورتينغ لشبونة البرتغالي، كأوّل محطة احترافية لمهاجم شباب بلوزداد، المتوّج بجائزة أفضل لاعب جزائري عام 2013، نظيرتألقه مع ناديه ومع منتخب بلاده في الطريق نحو ريو ديجنيرو، وهزّ شباك المنافسين في المواسم الثلاثة، التي قضاها مع لشبونة خلال 48 مرّة.
تألّقُ ابن عين البنيان مع النادي البرتغالي، جعله يمرّ عبر جسرٍ مباشر إلى أنكلترا، فدقت ساعة رحيل "السوبر سليم"، كما دقت ساعة بيغ بان في لندن معلنة أن جزائريًا سيشعل الدوري الانكليزي، وأن نادي الذئاب ستكون محطته الاحترافية الثانية.
هنا، يقول مرزوقي إن "نجاح سليماني في البريمير ليغ كان بسبب انضمامه إلى زميله في المنتخب الوطني رياض محرز، وهو ما جعله يندمج بسرعة ويبرهن مرة أخرى بأنّه قنّاص من طرازٍ عالٍ، والدليل أنّ حصيلته من الأهداف بلغت 13 هدفًا في دوري يعجّ بالنجوم".
مرحلة الشكّ
كأيّ لاعب كرة قدم، عاش الدولي الجزائري، فترة فراغٍ في مشواره..، وكثرت الأقاويل وتضاربت الآراء بين رحيله عن ليستر سيتي، وعودته إلى سبورتينغ لشبونة، لكن الكلمة الأخيرة عادت له وقرّر النادي الإنكليزي إعارته إلى فريق نيوكاسل.
لعب سليماني، تحت إشراف المدرب الشهير رافاييل بينيتز، ولم تطل مدّة بقائه طويلًا حتى وجد نفسه بألوان فنربخشه التركي، حينها تساءل المتابعون حول، ما إذا كان هذا الفريق نهاية لمشوار صاحب الحادية والثلاثين سنة؟
الوقت المناسب
عاش المنتخب الوطني لكرة القدم، هزّات ارتدادية، وفشل المدرّبون الذين تعاقبوا عليه في إعادته للواجهة، فـ "الخضر" فقدوا بريقهم منذ رحيل وحيد حاليلوزيتش، وبات المنتخب الوطني حقل تجاربٍ لمدربين عجزوا عن إحداث التغيير.
فالمشكل كان أكبر من تعيين مدرّبٍ، فوجد رئيس الاتحاد الجزائري لكرة القدم، خير الدين زطشي، نفسه في ورطة كبيرة وهو الذي راهن على اللاعب الأسبق لـ "الخضر"، وصاحب الكعب الذهبية رابح ماجر، من أجل تكوين منتخب في مستوى تطلعات جماهيره العريضة، التي ضاقت ذرعًا من خيبة الفشل فحصل الطلاق والقطيعة واستنجدت "الفاف" بالمدرّب جمال بلماضي لعله يفلح في رأب الصدع، فكان إسلام سليماني واحدٌ من الذين صنعوا اللحمة مجدّدًا وأعادوا الروح القتالية لـ"محاربي الصحراء".
يعلّق الصحافي الرياضي مرزوقي، على عودة سليماني إلى بيت "الخضر" مرة أخرى بالقول إن "البعض لايرى في إسلام سليماني جميع مواصفات المهاجم الصريح، لافتقاده بعض التقنيات، لكن بالعكس حسن تموقعه داخل الميدان ورأسياته المُحكمة جعلته محلّ ثقة بلماضي".
وأشار مرزوقي إلى أن "الناخب بلماضي فعلًا واجه صعوبات في لمّ شمل الفريق قُبيل كان 2019، لكنه اختار الركائز التي رآها تساعده في توحيد صف الأفناك مع منحها الثقة..، وسليماني واحدٌ من هؤلاء، خاصّة وأنه ورقة رابحة يستطيع صنع الفارق في أيّة لحظة."
من بلاد الأغوات إلى إمارة الملوك
رغم اختياره الوجهة التركية للبقاء في المنافسة، لَام البعض إسلام سليماني حول قرار لعبه لــ "لفنربخشه" التركي، ففي نظرهم النادي التركي حتى وإن كان من بين أعرق الفرق، إلّا أنه ليس في مستوى تطلعات هداف "الخُضر"، الذي عاد مُجددًا لممارسة هويته المفضلة وهي هزُّ الشباك، التي تجسدت بتسجيله لخمسة أهداف مع ناديه..، مرة أخرى سليماني يتخذ من رابع فريق يلعب له نقطة عبورإلى الضفة أخرى.
ومن تركيا طار إسلام سليماني إلى فرنسا، وحطّ رحاله بنادي الإمارة الفرنسي "موناكو"، الذي أعاره من ليستر سيتي، ولم يتوقّع أشد المتفائلين أن ينجح سليماني مع أصحاب الزيين الأحمر والأبيض.
وفي الخصوص، وصف وليد مرزوقي، الانتقال إلى "موناكو" بـ "المغامر الجديدة" لسليماني، معتبرًا أنه "مع نادي الإمارة استعاد سليماني عافيته ونشوة تسجيل الأهداف، وبات حديث العام والخاص في عاصمة النور".
واستطرد مرزوقي "ما قام به الدولي الجزئري مع خامس فريقٍ لعب له، جعل وسائل الإعلام الفرنسية تُثني عليه، فحتى عند العودة من الإصابة لا يتوانى في إيداع الكرة في شباك الخصوم، وأخذ عداد أهدافه في الارتفاع، ومعه ارتفعت أسهمه في بورصة اللاعبين في أوروبا، رغم ركود المجال الرياضي بسبب جائحة كورونا".
انتقال في زمن كورونا..؟
مع كلّ انتقال للدولي سليماني، قصة تألق أو اخفاق..، لكن عام 2020 الرياضي في ذاكرة "سوبر سْليم" سيبقى محفورًا بذكريات فيروس كورونا والحجر الصحّي، وأيضًا عرض النادي الفرنسي أولمبيك مرسيليا الذي رفع من أسهمه في عزّ الأزمة العالميّة.
تشير تقارير إعلامية فرنسيّة، إلى أنّ نجوميّة ابن عين البنيان، دخلت مفكّرة العديد من الأندية الراغبة في الاستفادة من خدماته تحسبًا للموسم القادم، إذ يسعى نادي مرسيليا الفرنسي جاهدًا لضمّ إسلام سليماني الذي يرى فيه مختصّون اللاعب الأمثل، الذي يتوافق والمواصفات التي يبحث عنها نادي الجنوب الفرنسي، حيث حدّدت إدارة ليستر سيتي المالك لعقد اللاعب سعر عشرة ملايين أورو للتخلّي عنه.
وليد مرزوقي: ارتفعت أسهم سليمان سليماني في بورصة اللاعبين بأوروبا، رغم ركود المجال الرياضي بسبب جائحة كورونا
وإن بقي سليماني أميرًا على إمارة موناكو، فإنّه يستعد لمشوارٍ آخر أكثر إثارة، بداية بكأس أمم أفريقيا 2021، وكذا نهائيات كأس العالم 2022 بقطر، ليبصِم "سْليم" على مشوارٍ حافلٍ بدأه محاربًا، فملكًا ينتظر تاجًا جديدًا.
اقرأ/ي أيضًا :
كورونا تلم شمل العائلة الرياضية.. أندية تتبرّع ولاعبون يتنازلون عن رواتبهم
يوميات اللاعبين في الحجر.. من طموح المنافسات إلى معضلة اللياقة البدنية