بإنهاء رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، لمهام وزير المالية عبد الرحمن راوية، تعود للواجهة إشكالية "الخطأ الفادح" الذي يرتكبه الوزراء، ويتسبب في تنحيتهم من المنصب دون سابق إنذار، ويخرج كبار مسؤولي الدولة من قصر الدكتور سعدان من الباب الضيق.
توقع المحامي عامر رخيلة أن تعود أسباب إقالات الوزراء إلى تجاوز الصلاحيات وعدم تطبيق التعليمات وتعطيل المشاريع والتورط في قضايا الرشوة والفساد وخدمة المصالح الشخصية، وبعض الملفات الأخلاقية التي تسيء لسمعة الحكومة
ورغم أن بيان رئاسة الجمهورية هذه المرة لم يتحدث عن أي هفوة ارتكبها الوزير المقال، ولم يشرح أسباب الإقالة، حيث أكد المنشور الصادر بتاريخ 14 حزيران/جوان 2022، أن "رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون قرر إعفاء وزير المالية عبد الرحمان راوية من منصبه بعد شهور من تعيينه، وتكليف الأمين العام للوازرة بتسييرها بالنيابة"، إلا أن قراءات عديدة رافقت هذه الإقالة، وتحدثت عن أخطاء ارتكبها الوزير في تسيير عدة ملفات، دفعت الرئيس لاتخاذ هذا القرار.
وسبق وأن أكد الرئيس تبون في حوار مع الصحافة الوطنية بتاريخ 23 أفريل/ نيسان 2022، بشأن إمكانية إجراء تعديل حكومي قريب، أن "هذا التعديل سيكون بعد التقييم السنوي، إلا في حال خطأ فادح يرتكبه أحد أعضاء الحكومة"، كما فضل الرئيس منح وزرائه مزيدًا من الوقت للتأقلم مع قطاعاتهم وحل مشاكلها.
وبالعودة قليلا للوراء، فهذه الإقالات مسّت من قبل وزير العمل والشغل والضمان الاجتماعي يوسف عاشق شوقي، ووزير النقل عيسى بكاي، وقبله سابقه على رأس القطاع لزهر هاني، لتطيح هذه المرة بعبد الرحمن راوية بعد أربعة أشهر فقط من تنصيبه على رأس المالية، خلفا للوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن، حيث فضل الرئيس شهر شباط/ فيفري المنصرم فصل هذا القطاع الحساس عن الوزارة الأولى، لتخفيف العبء عن رئيس الجهاز التنفيذي.
ما هو "الخطا الفادح"؟
ويعتقد المحلل السياسي علي ربيج في تصريح لـ"الترا جزائر"، أن إقالة وزراء بسبب خطأ فادح يندرج ضمن تقديرات رئيس الجمهورية، والصلاحيات المتاحة له دستوريا، بحكم أن أسمى وثيقة تشريعية في البلاد تمنحه إمكانية إقالة وزراء وتعيين آخرين.
كما يؤكّد ربيج أن تفسير كلمة "الخطأ الفادح" خلال أداء المهام تختلف من وزير إلى آخر، وتتعلق بالدرجة الأولى، بكيفية تنفيذ المهام الموكلة لهذا الشخص وليست مرتبطة بجرم جنائي، فالمسؤول معرض للخطأ خلال أداء مهامه، لكن بمستويات متفاوتة حسب درجة الضرر.
وعندما يقرّر رئيس الجمهورية إنهاء مهام مسؤول ما بسبب خطأ فادح، فهذا يعني أن الخطأ تسبب في ضرر معتبر للقطاع الذي يسيره، ويواصل المتحدث قائلًا: "لا يمكن تحديد سبب مباشر لإقالة هؤلاء، لكن هي مجموعة من الأسباب أدّت إلى هذه النتيجة، فالأمر يرتبط في معظم الأحيان بمخالفة تعليمات الرئيس أو التأخر في تنفيذها".
من جهته، يعتقد الخبير الدستوري، عامر رخيلة أنه في حال ارتكاب الوزراء لخطأ جسيم مثلما أعلنته رئاسة الجمهورية، عدة مرات، فإن الإقالة لا تعد كافية، وإنما يجب أن يتم إعقابها بالمتابعة القضائية.
وذهب المتحدث أبعد من ذلك في إفادة لـ"الترا جزائر"، موضحًا: "برأيي ومن باب الشفافية يجب توضيح ماهية الأخطاء التي وقع فيها هؤلاء المسؤولين، لشرح أسباب الإقالة للرأي العام من جهة، ومن جهة أخرى إنصاف هذا المسؤول، فلا يكفي فقط قول كلمة خطأ فادح، وترك الباب مفتوحا أمام التأويلات".
وتوقع رخيلة أن تكون أهم أسباب الإقالة، تجاوز الصلاحيات وعدم تطبيق التعليمات، وتعطيل المشاريع، والتورط في قضايا الرشوة والفساد، وخدمة مصالح شخصية، وبعض الملفات اللاأخلاقية التي تسيء لسمعة الحكومة.
"خطأ فادح" أنهى مصير هؤلاء
وشملت عمليات الإقالة بسبب خطأ فادح وزير العمل والشغل والضمان الاجتماعي الأسبق، يوسف عاشق شوقي، بعد تداول فيديو له على شبكة الإنترنت وصفت وقتها بـ "الفضيحة الأخلاقية"، نتيجة شجاره مع زوجته في مكان عام، وتمت إقالته على الفور بتاريخ 29 تموز/جويلية 2020، واستبداله بالوزير السابق الهاشمي جعبوب، دون إجراء أي تعديل حكومي، ودون ذكر أي تفاصيل عن أسباب الإقالة من طرف الرئاسة.
كما أقال الرئيس تبون وزير النقل عيسى بكاي، شهر آذار/مارس الماضي لارتكابه خطأ فادحًا في ممارسة مهامه، وفق ما جاء في بيان صادر عن الرئاسة، دون تحديد نوعية هذا "الخطأ الجسيم"، وتم تعيين كخليفة له وزير الأشغال العمومية، كمال ناصري لتسيير القطاع بالنيابة وقتها.
وقبل بكاي، سبق وأن أنهى الرئيس تبون، مهام وزير النقل لزهر هاني، شهر كانون الأول/جانفي 2021، بسبب صفقة اقتناء مستلزمات شركة الخطوط الجوية الجزائرية، وجاء في بيان رئاسة الجمهورية وقتها: "بأمر من السيد رئيس الجمهورية، تم إنهاء مهام السيد لزهر هاني بصفته وزيرا للنقل".
وأردف البيان "هذا القرار جاء بعد شروع شركة الخطوط الجوية الجزائرية في عملية لاستيراد لوازم مرتبطة بنشاط خدمات الإطعام دون الأخذ بعين الاعتبار الظرف الاقتصادي الوطني والتوجيهات المالية الرامية لتكريس تسيير عقلاني للعملة الصعبة وضرورة إيلاء الأولوية للإنتاج الوطني".
وأحدث إنهاء مهام وزير المالية عبد الرحمن راوية من طرف رئيس الجمهورية قبل أيام، جدلًا واسعًا، لاسيما وأنه لم يمض وقت طويل عن تنصيبه، وتضاربت الفرضيات حول أسباب إقالته بين ملف وقف استيراد السلع من إسبانيا الذي لم يلتزم فيه بتعليمات الرئيس، أو اعترافه بحاجة الإدارات والوزارات الجزائرية لمركبات جديدة في وقت أوقف الرئيس الاستيراد، وبين خلاف بينه وبين الوزير الأول حول مشروع قانون المالية التكميلي.
نمط جديد للإقالة
ويشدد رخيلة، على أن هذا الأسلوب الجديد للإقالات، "لم يكن مألوفًا في الفترة السابقة، حيث لم يعد الرئيس يتريث إلى غاية التعديل الحكومي، حتى ينهي مهام المسؤولين".
ويندرج هذا النمط الجديد في إطار التزام الصرامة في الرقابة، وتوجيه رسائل للوزراء بأن "زمن اللاحساب قد ولى وإن كل مسؤول اليوم متواجد تحت الرقابة".
ويشدد رخيلة على أن سلسلة الإقالات باتت تثير قلق الوزراء والمسؤولين، وتحركهم لإثبات جدارتهم في الميدان سواء بتكثيف خرجاتهم أو نشر حصائلهم، للابتعاد عن دائرة الخطر.
ويقول رئيس حزب "صوت الشعب"، لمين عصماني في تصريح لـ"الترا جزائر"، إن إقالة الوزراء بسبب خطأ فادح، تحول إلى أسلوب جديد لتعامل الرئيس مع حكومته، وفرض صرامة حادة في تقييم أداء الوزراء، إذ سبق وأن صرح الرئيس أنه "لا تسامح مع من يخالف التعليمات".
ويعتبر المتحدث أن هذا الأسلوب الجديد في الردع، يقوم على طرد الوزراء الكسالى من الحكومة، وتنحية كل مسؤول يخطئ، ويتسبب في ضرر كبير لسيرورة القطاع الذي يديره، فالخطأ اليوم أصبح يعني رحيله من الحكومة ليترك الحقيبة الوزارية لغيره، على حدّ تعبيره.
يبقى التساؤل مطروحًا لدى المواطن الجزئري حول طبيعة الخطأ الذي ارتكبه المسؤول والأسباب التي أدت إلى إقالته
وفي انتظار التعديلات الجديدة التي سيقرها الرئيس لاحقًا على تشكيلة الحكومة، يبقى المواطن يتساءل دائمًا عن طبيعة الخطأ الذي ارتكبه المسؤول، ويتمنى لو يتم الإفصاح عنه، في خطوة مماثلة لتلك الإقالات التي تنتهجها الدول الأكثر ديمقراطية في العالم.