في نهاية العام الماضي، تناقلت وسائل إعلام جزائرية وفرنسية، خبر انطلاق تصوير الفيلم "الأخوات" للمخرجة يمينة بن غيغي، وذكرت أنّ تصوير مشاهد الفيلم، سيكون موزّعًا بين عدّة مدن جزائرية؛ وهي العاصمة ووهران وقسنطينة، لتنتقل كاميرات الفيلم فيما بعد لالتقاط مشاهد من مدينة باريس والشمال الفرنسي.
أثناء إقامتها في الجزائر العاصمة، أصرّت إيزابيل على رؤية الفنّان القبائلي معطوب الوناس
تدور قصّة فيلم "الأخوات"، حول الهجرة والحنين لوطن الأجداد، وكفاح المغتربين من أجل الاندماج مع غربتهم ومجتمعات الدول التي هاجروا إليها، والخبر الأبرز في ذلك أن بطولة الفيلم ستعود لنجمة السينما الفرنسية ذات الأصول الجزائرية إيزابيل عجّاني، تلك الحسناء التي لا تشيخ حتى وهي على مشارف الستّين.
أصول جزائرية
وُلدت نجمة الشاشة الفرنسية إيزابيل عجّاني في السابع من حزيران/جوان 1955 بباريس. والدها من أصول جزائرية، وهو محمد شريف عجّاني المولود في مدينة قسنطينة شرقي البلاد، من عائلة قادمة من مدينة تيزي وزو الساحلية، انخرط جدّها سعيد، في السادسة عشرة من عمره في الجيش الفرنسي خلال الحرب العالمية الثانية، أمّا والدتها غوستي، فتنحدر من أصول ألمانية من منطقة بافاريا.
اقرأ/ي أيضًا: المثقفون والفنانون الشباب.. روافد الحراك الشعبي في الجزائر
في إحدى المقابلات التلفزيونية، قالت إيزابيل عجّاني إنّ والدتها كانت تخجل من أصول زوجها الجزائري، وكانت تُخبر الناس أنه من أصول تركية، وكثيرًا ما طلبت منه تغيير الاسم العائلي. لقد كانت تلك المرّة الأولى التي تتحدّث فيها إيزابيل علانية عن أصولها الجزائرية، فطالما كانت النجمة الفرنسية بعيدة روحًيا عن الجزائر، وهي التي قامت بأوّل رحلة لها إلى الجزائر في تشرين الثاني/نوفمبر 1988، ليس بصفتها نجمة سينمائية، بل مواطنة ستدعم الديمقراطية الفتية.
في أكتوبر الأسود
يتذكّر جيّدًا من عايشوا فترة نهاية الثمانينات في الجزائر، والتغيّرات التي أعقبت أحداث تشرين الأوّل/أكتوبر 1988، ظهور إيزابيل عجّاني نفسها، داخل جامعة بوزريعة بالجزائر العاصمة، بدعوة من رابطة حقوق الإنسان التي كان يترأسّها المحامي علي يحي عبد النور آنذاك.
حين صعدت الفنانة الفرنسية إلى المنصّة، كان الجميع يترقّب ما ستقوله هذه القادمة لأوّل مرّة إلى الجزائر، فرغم صيتها العالمي آنذاك، كانت تبدو غريبة عن الفضاء الجزائري. أمسكت إيزابيل الميكروفون وبدأت كلامها بالقول إنها "فخورة بالمشاركة في ولادة الديمقراطية".
أثناء إقامتها في الجزائر العاصمة، أصرّت إيزابيل على رؤية الفنّان القبائلي معطوب الوناس، الذي كان يرقد في المستشفى بعد إصابته بطلقات نارية في أحداث أكتوبر، لقد زارته رفقة مجموعة من الأصدقاء، حينها رفضت إيزابيل عروض حماية من طرف السلطات الجزائرية واختارت أن تتجوّل دون حراسة شخصية في البلد الذي ينحدر منها والدها.
خلال جولتها في الجزائر آنذاك، زارت إيزابيل عجّاني بعض الشخصيات، وحضرت عدّة ندوات ولقاءات، كانت تحوم في فلك سياسي قريبٍ جدًا من حزب "التجمّع من أجل الثقافة والديمقراطية"، وكان واضحًا أن المواقف السياسية التي تبنّتها كانت مناقضة تمامًا لمواقف النظام السياسي في الجزائر الذي كان يعيش آخر أيّامه، وكانت تناضل من أجل إرساء قواعد الديمقراطية في الجزائر، كما كان لها موقف صريحٌ حين دعّمت وقف المسار الانتخابي وانتزاع السلطة من أيدي الإسلاميين.
بعد تلك الجولة السياسية في البلاد، والتي يبدو أنّها سبّبت لها بعض الإزعاج في الأوساط الرسمية الجزائرية والفرنسية على حدّ سواء. غرقت إيزابيل عجّاني في صمت طويل بعد أحداث العنف والدم في الجزائر، ورفضت التصريح لوسائل الإعلام عن العشرية السوداء، بل ولم تتحدّث حتى بعد اغتيال معطوب الونّاس الذي كانت قريبةً جدًا منه، وكأنّها كانت تعيش حدادًا على الوطن الذي أحست بانتمائها إليه فجأة.
الحسناء المتمرّدة
رفضت إيزابيل عجّاني مرافقة مختلف الرؤساء الفرنسيين الذين قدموا للجزائر في زيارات رسمية، شيراك في عام 2003، وساركوزي في عام 2007، وهولاند في عام 2012، وماكرون في عام 2018. هي ترفض منذ تجربة عام 1988 أن يكون لها دخل في الشؤون السياسية للجزائر، ومن جهة أخرى ترفض أن تكون صورتها أداة تسويق سياسي من الجزائر أو فرنسا.
رفضت إيزابيل عجّاني أيضًا، دعوة من الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة لحضور لقاء له مع نخب الجالية الجزائرية في فرنسا وذلك أثناء زيارته لفرنسا عام 2000، كما رفضت مرافقة عشرات من الفنانين الفرنسيين والفرانكو-جزائريين الذين دعتهم الرئاسة الجزائرية خلال تظاهرة السينما الصيفية عام 2001. وكان الهدف من هذه العملية تحسين صورة الجزائر في فرنسا، والتي دمّرتها وسائل إعلام فرنسية.
عدم رغبتها في التقرّب من الجزائر لم يتوقّف حتى أمام الإغراءات المالية، حيث رفضت عروضًا مالية كبيرة من عبد المؤمن خليفة من أجل الظهور في ومضات إشهارية أو حضور فعاليات ينظّمها "مجمع الخليفة" بين عامي 2002 و 2003، تلك الفرص التي رفضتها قام فنّانون فرنسيون باستغلالها على غرارجيرارد ديبارديو وآخرون. لقد تناقلت أوساط فرنسية أن عبد العزيز بوتفليقة، سأل عبد المؤمن خليفة عن سبب غيابها عن عشاء نظّمته الرئاسة على شرف ممثّلين فرنسيين بعد مباراة الجزائر وأولمبيك مرسيليا، والذي كان من المفترض أن تكون إيزابيل عجّاني حاضرة فيه، فاكتفى الفتى المدلّل للنظام الجزائري آنذاك بالإجابة "إنها مريضة ولم تتمكّن من المجيء".
عطور جزائرية
بعد تعيين خليدة تومي وزيرةً للثقافة، كان الجميع ينتظر أن تتصالح إيزابيل مع أصولها الجزائرية مرّة أخرى، فقد كانت على علاقة شخصية بها، لكن ذلك لم يحدث ورفضت إيزابيل حضور تظاهرة سنة الجزائر في فرنسا عام 2003.
كان يجب انتظار إيزابيل إلى سنة 2010، حين قبلت الممثلة الفرنسية الشهيرة بدور رئيسي في فيلم "عطور الجزائر" بعد أن نجح المنتج التنفيذي الفرنسي ذو الأصول التونسية طارق بن عمار في إقناعها، إلى جانب المنتجة الفرنسية يمينة بن غيغيي التي سبق لها العمل مع إيزابيل عجّاني في فيلم "عائشة" الذي حقق نجاحًا باهرًا في إقناعها بالحضور إلى الجزائر.
لم تكن علاقة إيزابيل بمخرج الفيلم رشيد بن حاج جيّدة، لكن وضعها المالي الصعب آنذاك، جعلها تقدّم بعض التنازلات، غير أن بعض تصرّفاتها لم تعجب فريق العمل، فهي لم تتنقّل إلى الجزائر إلّا بعد حصولها على الشطر الأكبر من مستحقاتها مسبّقًا، وطالبت بجناح خاص لها في فندق "الجزائر"، كما اشترطت عدم حضور وسائل الإعلام، وإحاطتها بحرس خاصّ لحمايتها، لكن بحكم العلاقة السيئة التي تربطها بالمخرج، لم تستطع النجمة الفرنسية التأقلم مع ظروف العمل، وطلبت فترة راحة لأيًام، لكنّها سافرت إلى فرنسا ولم تعد مجددًا.
بعد عدّة محاولات من الطرف الجزائري، رفضت إيزابيل عجّاني أن تعود مجدّدًا ما لم يتمّ تغيير المخرج، وهو ما رفضته الجهة المنتجة التي وقع اختيارها على النجمة الإيطالية مونيكا غيريتوري لتعويضها. ذلك الكمّ من المشاكل والاضطرابات قتل مشروع الفيلم في مهده، ورغم إنتاج العمل فيما بعد، إلّا أنه مرّ على شاشات العرض مرور الكرام. رفضت الجزائر رفع دعوى قضائية ضدّ عجّاني واكتفت بمقاضاة المنتج طارق بن عمّار.
صمت طويل
بعد فشل تجربة "عطور الجزائر"، وعدم اتّضاح الرؤية بخصوص فيلم "الأخوات" اختارت إيزابيل عجّاني أن تظل بعيدة مجدّدًا عن الجزائر وعن شؤونها، واكتفت بزيارة دول عربية لحضور بعض المهرجانات أو تلقّي التكريمات.
رفضت عجّاني مجدّدًا الحديث عن الحراك الشعبي، رغم تشابه أحداثه مع ما حدث في تشرين الأوّل/أكتوبر 1988، هذا الصمت كان الصفة البارزة أيضا لتعامل الكثير من المشاهير العالميين والجزائريين مع الحراك الشعبي.
استفادة بعض الفنانين من فترة نظام الرئيس السابق جعلهم يتوارون عن الأنظار منذ بداية الحراك الشعبي
يعتقد متابعون اليوم، أن سكوت بعض الفنّانين وعدم خوضهم في الحديث عن الحراك الشعبي، يقف وراءه استفادتهم من النظام السابق، فهناك من الفنانين الجزائريين ممن شاركوا حتى في أغاني تمجّد مباشرة شخصية بوتفليقة مثل نجم الراي العالمي الشاب خالد، ولا يزال بعض الفنانين متخوّفًا من سيناريوهات قادمة في ظلّ غموض يكتنف المشهد السياسي في البلاد، ويرفضون الانحياز لأيّ طرف حفاظًا على مصالحهم وضمان ظهورهم في المهرجانات والفعاليات الثقافية والأعمال السينمائية، والتي تشكّل مصدر رزق كثير من الفنانين في ظلّ عدم استقلالية المؤسّسات الثقافية.
اقرأ/ي أيضًا:
الحراك الشعبي يحرر الصورة الفوتوغرافية!
مصالي الحاج.. هذه الأرض ليست للبيع