31-مايو-2022

(فيسبوك/ الترا جزائر)

أدى الارتفاع المسجل في حوادث المرور  في الأيام الأخيرة إلى التساؤل من جديد حول أسبابها والعواملة المساهمة فيها، في ظلّ تجميد استيراد السيارات منذ أربع سنوات وتهالك أسطول المركبات بسبب نقص قطع الغيار وغلاء أسعارها، وإن كان يبدو أن جاحة كورونا كان لها سبب مباشر في تراجع حوادث البرور، بسبب حالة الغلق التي عاشتها البلاد خلال السنوات الماضية.

حالة المركبات تساهم بـنسبة 2.76 بالمائة في وقوع حوادث المرور وهو رقم لا يُستبعد أن يكون قد ارتفع  بسبب قدم الحظيرة الوطنية للمركبات

ورغم وعود الحكومة المتكررة بحل ملف السيارات الجديدة خاصة المستوردة من الخارج في اقرب أوقت، إلا أن كل المؤشرات تصب في غير ذلك ، رغم أن الرئيس تبون كان قد طالب بإنهاء هذا المشكل نهاية شهر الثلاثي الأول.

ارتفاع مخيف

خلال الشهر الجاري، سجلت الحماية المدنية  خلال 48 ساعة فقط وفاة 25 شخصًا وإصابة 427 آخرين بجروح مختلفة ومتفاوتة الخطورة في حوادث مرور، وهي الحصيلة التي شملت حادث المرور الأليم الذي وقع ببلدية بن قشة بولاية الوادي جنوبي البلاد، إثر اصطدام بين سيارتين، والذي ارتفع عدد الوفيات فيه لاحقًا إلى 10 أشخاص.

كما شملت هذه الحصيلة وفاة ستة أشخاص آخرين اثر اصطدام بين سيارة أجرة وشاحنة ببلدية سي الجيلالي بولاية تيارت غرب البلاد، وبعدها حادث مرور أليم آخر سجل بولاية خنشلة شرق البلاد، إثر اصطدام بين سيارتين ببلدية بابار وخلف خمسة وفيات.

تتطابق هذه الحصيلة مع حالة  ارتفاع حوادث المرور التي عادت لتشهدها الجزائر بعد انخفاض لسنوات، وفق ما تظهره أرقام الجهات المختصة في 2021، حيث سجلت مصالح الدرك الوطني خلال الـ11 شهر الأخيرة من سنة 2021، 6669 حادث مرور، تسبب في وفاة 2449 شخص وإصابة 9276 آخرين، وهو ما اعتبرته ارتفاعًا رهيبًا مقارنة بـ2020، بالنظر إلى أن عدد الضحايا قفز بنسبة 15 بالمائة.

ولا تختلف  الملاحظة المسجلة في الأرقام المقدمة من قبل مصالح الأمن عن تلك الصادرة عن مصالح الدرك، ففي شهر شباط/فيفري الماضي أعلن المفتش العام للمصالح المراقب العام للشرطة بالمديرية العامة للأمن الوطني أرزقي حاج سعيد إحصاء وفاة 650 شخصًا وجرح 20169 آخرين في 16892 حادث مرور في 2021، مشيرًا إلى تصاعد في عدد الوفيات مقارنة بسنة 2020  بـ14.24 بالمائة.

وتخالف هذه الأرقام الانخفاض الذي سجل في عدد الوفيات في 2019، وقبلها 2018 التي شهدت تراجعًا في عدد الوفيات مقارنة بـ2017، مع العلم أن 2020 كانت الأكثر تسجيلا لحوادث المرور بسبب تراجع حركة السير بسبب القيود الذي فرضتها جائحة كورنا.

حظيرة قديمة

تُرجع الجهات المختصة في الغالب السبب الأول لحوادث المرور للعنصر البشري جراء السرعة المفرطة والتجاوزات الخطيرة، إلا أن قدم حظيرة السيارات في الجزائر بعد وقف الاستيراد والإنتاج المحلي المقنّع، أصبح هو الآخر اليوم سببًا لا يمكن إغفاله في تحديد الأسباب التي تقف وراء الارتفاع اللافت في عدد حوادث المرور، وفق ما أوضحه  لـ" الترا جزائر" رئيس الفدرالية الوطنية لنقل المسافرين والبضائع عبد القادر بوشريط، والذي دعا الحكومة إلى التحرّك العاجل للعمل على تجديد حظيرة السيارات للحد من تصاعد عدد حوادث المرور.

وقال بوشريط إن حظيرة السيارات خاصّة وسائل نقل المسافرين والبضائع قد تهالكت، بسبب قرار تقييد الاستيراد المطبق منذ أربع سنوات، والذي يوازيه غياب قطع الغيار الجيدة في السوق الجزائرية التي تمكن من صيانة جيدة للمركبات القديمة، مشيرًا إلى أن 80 بالمائة من قطع الغيار المتداولة في الجزائر "مغشوشة".

وأوضح بوشريط أن الارتفاع في أسعار المركبات بالجزائر صار يحول دون اقتناء العاملين في مجال النقل لمركبات جديدة أو أقل استعمالًا، مبينًا أن الفرج يكون في حل ملف السيارات في أقرب وقت، وتسهيل عمل الوكلاء لتحسين عمر الحظيرة الوطنية للمركبات والتقليل من حوادث المرور، على حدّ تعبيره.

ويشار أنه في 2016 لما كانت حظيرة السيارات تجدد سنويًا، أكد مدير المركز الوطني للوقاية و الأمن عبر الطرقات (المركز أصبح يسمى المندوبية الوطنية للأمن عبر الطرقات) أحمد نايت الحسين أن حالة المركبات تساهم بـ2.76 بالمائة من وقوع حوادث المرور، وهو رقم لا يُستبعد أن يكون قد ارتفع  بسبب قدم الحظيرة الوطنية للمركبات.

غير معروف

رغم اتساع الأصوات المطالبة بحل ملف استيراد السيارات اليوم قبل غد إلا أن الصمت الموجود لدى الحكومة ينبئ بأن الأجل يبقى غير معروف، بالنظر إلى عدم تحويل كل التصريحات الرسمية إلى أفعال، ففي شهر شباط فيفري الماضي توقع الرئيس تبون في لقائه الشهري مع وسائل الإعلام الجزائرية الفصل في ملف السيارات قبل نهاية الثلاثي الأول من السنة الجارية.

وقال تبون وقتها "عن قريب، أعتقد قبل نهاية الثلاثي الأول من السنة سيتم الفصل في هذا ملف  السيارات المعقد جدا"

وأوضح تبون أن "التركيب المنشود للسيارات سيكون على عكس "الاستيراد المقنع" الذي عرف في السابق، يجب أن يسمح بالدخول في صناعة حقيقية لا تقل فيها نسبة الإدماج عن 30 إلى 40 بالمائة و هذا هو النجاح"، مضيفًا أن الحكومة ستعمل على تشجيع إنتاج قطع الغيار محليا.

وبالنسبة لاستيراد السيارات، أشار الرئيس تبون إلى وجود "إمكانية" هذا الاستيراد بشرط أن "يفهم الوكلاء أن التصرفات السابقة لم تعد ممكنة"، مشيرًا إلى إلى عدم ضمان شركة أوروبية لتصنيع السيارات، رفض تسميتها، كانت تبيع سياراتها في الجزائر لقطع غيار سياراتها.

وفي الشهر الثاني من العام الجاري أيضًا، قال وزير الصناعة أحمد زغدار إنّ "نص دفتر شروط استيراد السيارات يتواجد حاليًا على طاولة الحكومة"، متوقعًا صدوره قريبًا، وكشف زغدار  حينها عن إيداع 73 ملفًا من قبل المتعاملين الاقتصاديين لاستيراد السيارات يتم معالجتها على مستوى اللجنة القطاعية المختصة، بينما تم تقديم 46 طعنًا.

ورغم أن الثلاثي الأول انتهي والثاني على وشك الانتهاء إلا أن الحكومة تبقى حتى اليوم غير قادرة على الوفاء بتعهداتها وحل مشكل السيارات الذي صار غير مقبول تأخيره لدى المواطنين والمؤسسات الاقتصادية.

 وينسف عدم حل هذا الملف الاقتصادي الذي يراه خبراء بسيط المعالجة، كل التصريحات الرسمية المتعلقة بتسهيل الاستثمار وتيسيره، بالنظر إلى أن قطاع النقل يظل أهم عامل في نجاح أي مشروع استثماري.

في انتظار أن تتمكن الحكومة إيجاد حلّ لملف السيارات، سيبقى هذا التأخر مساهمًا في ارتفاع الأسعار بأسواق المركبات المستعملة

وفي انتظار أن تتمكن الحكومة إيجاد حلّ لملف السيارات، سيبقى هذا التأخر مساهمًا في ارتفاع الأسعار بأسواق المركبات المستعملة، وفاتحًا لنوافذ التوجه نحو التهريب والمعاملات التجارية غير المشروعة، وهو المشكل الذي توقعت بعض الأقلام أن حله قد يكون بإقالة وزير الصناعة الحالي في التغيير الحكومي المرتقب، وإن كان البعض يعتقد أن  طي ملف السيارات في الجزائر ليس مرتبطًا بعمل وزير قطاع معين إنما بنظرة حكومة ككل.