قررت الثلاثينية آمنة اللجوء إلى الخلع بعد عامين من عقد القران لفك الميثاق الذي يربطها مع الشخص الذي تزوجته، بالرغم من أنهما كانا يعتقدان أن ما يجمعهما دائم ومن الصعب انتهائه، لكن مدة 24 شهرًا كانت كافية لانضمامهما إلى قائمة أصحاب الزيجات الفاشلة التي تمثل 33.33 بالمئة من نتائج عقود القران التي تحدث في الجزائر.
باحث في علم الاجتماع لـ "الترا جزائر": التغيرات الثقافية والاجتماعية وتراجع دور العائلة الكبيرة في توعية وتوجيه المتزوجين حديثًا ساهمت أيضًا في ارتفاع نسب الطلاق
ورغم انتماء آمنة وزوجها وحيد إلى ميدان عمل واحد ورسم طموحات متشابهة، تتمثل في السفر إلى خارج البلاد للعيش وإكمال حياتهما، إلا أن ذلك لم يمنع من انتهاء قصة الزواج التي جمعتهما بعد عامين فقط من الارتباط، مثلما تقول الزوجة التي قررت اللجوء إلى الخلع بدل التطليق، لأن النتيجة بالنسبة إليها واحدة، خاصة وأنه لا يوجد أطفال بينهما يمكن أن يتسببوا في عوامل عاطفية توقف قرار الانفصال، وفق ما قاله أحد أصدقائهما لـ"الترا جزائر".
إذا عمت خفت؟
وبالنسبة لآمنة، فإن الطلاق لا يشكل لها عقدة في حياتها مثلما كانت تشعر به النساء المنفصلات سابقًا، لأن هذه الحالة أصبحت منتشرة بكثرة، وليست هي الوحيدة التي انتهت علاقتها الزوجية بالانفصال.
وحالة آمنة لا تختلف كثيرًا عن قصة التي لم يمض على زواجها سوى خمسة أشهر، حيث أصبحت ترغب هي الأخرى في الطلاق من زوجها، لأنها ترى أن الرابطة التي تجمعهما مصيرها الانفصال سواء طال الزمن أو قصر.
لكن هذا المصير لا ترغب فيه الثلاثينية عائشة القاطنة بإحدى الولايات الداخلية، فهي لا تشاطر قرار زوجها الذي يتجه إلى تطليقها عقب خلاف كبير نشب بينهما وصل حتى الاعتداء اللفظي والجسدي، فهي ترى أنهما مازالا يملكان فرصة لإنقاذ أسرتهما من الفراق، خاصة وأنا مازال في قلبها مودة لزوجها، مثلما تقول.
وباختلاف موقف الحالات الثلاث المذكورة آنفًا من الانفصال، فإن النتيجة واحدة هي أن نسبة الطلاق في الجزائر في تصاعد متواصل، وهو الواقع الذي أكدته الأرقام الأخيرة الواردة في تقرير صادر عن الديوان الوطني للإحصاء.
ووفق التقرير ذاته، فقد قفز معدل الطلاق من 20.9 بالمئة عام 2019 إلى 33.5 بالمئة سنة 2023، بواقع 93 ألف حالة طلاق، وبمعنى آخر، ينتهي زواج واحد من كل ثلاثة بالطلاق.
وقال الباحث في علم الاجتماع توفيق عبيدي لـ"الترا جزائر" إن هذه الأرقام هي "مؤشّر خطير ومخيف يهدد النسيج الاجتماعي، لأنه يدل على هشاشة مؤسسة الزواج اليوم، وعجزها عن الصمود أمام التحديات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي تواجهها مما يؤدي في النهاية إلى تصدع الأسرة وانفصال الزوجين".
تعددت الأسباب
تختلف الروايات التي سردها من مروا بتجربة الطلاق لـ"الترا جزائر" من حالة لأخرى، إلا أن الأسباب المؤدية إلى فك الرابطة الزوجية تتقاطع فيما بينها حتى وإن تباينت من حالة إلى أخرى.
وحسب الباحث في علم الاجتماع توفيق عبيدي، فإن من أبرز العوامل المؤدية إلى "فشل الزواج وحدوث الطلاق هو عدم التوافق الفكري واختلاف الخلفيات الثقافية للزوجين، الأمر الذي يؤدي إلى التصادم والصراع ثم الانفصال، إضافة إلى الوجه السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي وما تروج له من مثالية مفرطة يتوهمها الطرفين تسقط مباشرة على عتبة الواقع".
ويرى عبيدي أن " التغيرات الثقافية والاجتماعية وتراجع دور العائلة الكبيرة في توعية وتوجيه المتزوجين حديثًا ساهمت أيضًا في ارتفاع نسب الطلاق، إضافة إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية والعجز عن الإنفاق وتأمين حاجيات الأسرة مع تراجع القدرة الشرائية وارتفاع متطلبات الأسرة وأفرادها".
ويعتقد توفيق عبيدي أن لجوء الكثير من النساء إلى الخلع خاصة بعدما اندمجت المرأة في سوق العمل بشكل كبير، وتمكنها من الاستقلال المادي للمرأة وخروجها للعمل من الأسباب التي ساهمت في عدم الخوف من اللجوء إلى الخلع والطلاق، فهذا الاستقلال المادي في جانبه السلبي ساهم في انتشار ما يسمى بالقيم الفردانية التي أصبحت اليوم سائدة في المجتمعات الحديثة وتتمظهر مثلًا في استقلالية المرأة، ماديًا فترى في راتبها سندًا لها بدل زوجها، فلا تجد أي مشكل في طلب الخلع أو الطلاق، دون أن نغفل طبعًا عن الأسباب الأخرى".
ومن الأسباب التي يراها عبيدي ساهمت في تزايد نسب الطلاق هو لجوء معظم المتزوجين الجدد إلى العيش خارج العائلة الكبيرة مثلما كان سابقًا، مبينًا أن التجربة بينت أن "العائلة الموسّعة أثبتت دورها الكبير في نجاح زواج الأبناء من خلال لعبها دور المرشد، بالتوجيه والنصح والتشجيع على الحوار والتواصل الإيجابي لحل واحتواء المشاكل التي تظهر خاصة بعد فترة الزواج مباشرة، إلا أن دورها تراجع مؤخرًا لأسباب عديدة قد يكون أبرزها استقرار المتزوجين الجدد في بيوت منفصلة عن بيت العائلة، ومع قلة خبرتهم في التعامل مع مشكلات الزواج يجد الزوجين أنفسهم في صراعات تنتهي غالبًا بالطلاق".
خاسرون
من المؤكد أن فشل الزواج يؤثر سلبًا على الطرفين، لكن يبقى كل واحد منهما محتفظ بفرصة إعادة التجربة بالزواج من جديد، ليبقى الخاسر الأكبر هم الأطفال، وبالخصوص لما يتحول الانفصال إلى حرب بين الأب والأم.
وأوضح الباحث في علم الاجتماع أن "الأطفال هم الخاسر الأكبر، لأن الطلاق يخلف آثار سلبية كارثية على الأطفال منها الأضرار النفسية والسلوكية، ومشاكل اجتماعية ومادية، كما قد يتسبب في انقطاعهم عن الدراسة وحتى ضياعهم وانحرافهم".
ورغم بلوغها 18 سنة من العمر، ما تزال نسرين إلي اليوم لا تتقبل انفصال والديها، حيث تلوم أباها لتطليقه أمها، وتكرر له هذا السؤال في كل مناسبة، بالنظر إلى الحياة الصعبة التي تعيشها، حيث أصبحت تجد نفسها مضطرة للعيش عند أخوالها، كون أمها أعادت تأسيس حياتها من جديد ولا تستطيع العيش معها، فيما لم تستسغ أيضًا العيش مع والدها الذي تزوج هو الآخر من جديد، وفق ما قاله أحد أقرباء نسرين لـ"الترا جزائر".
وبسبب هذا الوضع تراجع المستوى الدراسي لنسرين التي نزل معدلها من 17 إلى 12، وهو ما حرمها عند اجتياز البكالوريا من الحصول على معدل يمكنها من الالتحاق بكلية الطب، كونها لم تتمكن من مراجعة دروسها كما يجب في بيت خالها الذي أصبح يدعوها اليوم للرحيل من بيته والانتقال للعيش عند والدها.
الباحث توفيق عبيدي لـ "الترا جزائر": الأطفال هم الخاسر الأكبر، لأن الطلاق يخلف آثار سلبية كارثية على الأطفال منها الأضرار النفسية والسلوكية
لكن رغم هذا الوضع المأساوي الذي يمر به الطفل الذي ينفصل والديه، إلا أن عبيدي يرى أن "الأطفال ليسوا الضحايا الوحيدين لفك الرابط الأسري، فللطلاق انعكاس على الزوجين، ماديًا من ناحية التكاليف واجتماعيًا يتمثل في نظرة المجتمع للمطلقين خاصة للمرأة التي يصبح الطلاق وصمة اجتماعية تلاحقها حسب تفكير البعض".