بعد سنة واحدة من طلاقه، لا يشعر الأربعيني كريم خليفة بالندم ولا يعتزم الزواج مرة أخرى، فهذا القرار الذي كلّفه تعويضات مالية كبرى ونفقة لإبنيه تعادل 150 أورو شهريًا، كان الحل الأمثل حسبه، ليعيش مرتاح البال ومستقرًا وبعيدًا عن المشاكل التي جابهته طيلة 36 شهرًا من الزواج، بسبب ما وصفه بـ"تحرّر زوجته الكبير وقضائها لمعظم وقتها خارج المنزل".
تضمّن تقرير الديوان الوطني للإحصاء، أرقامًا "مخيفة" حول حالات الطلاق والخلع في الجزائر
أما الثلاثينية نجية حتوش، وهي أستاذة إنجليزية بالثانوية، فقد اختارت الخلع من زوجها بسبب الضغوط التي كان يمارسه عليها بعد سبع سنوات من الزواج؛ فقد بات يرفض عملها خارج المنزل كأستاذة رغم أنه قبِل به في بداية الزواج، ويحاول في كل مرة التضييق عليها، بالرغم من أنها ـ تقول ـ لم تقصّر يوما في حقه أو في حقّ أبنائه، وكان يعلم بمستواها الدراسي منذ البداية ورغبتها في العمل.
وبين ما يرويه الرجال والقصص التي تسردها النساء، ارتفعت نسبة الطلاق في الجزائر والخلع بشكل غير مسبوقٍ خلال الأشهر الأخيرة، ودق خبراء وأخصائيون ورجال دين "ناقوس الخطر"، مطالبين بحلول جدّية لردع الظاهرة التي باتت تهدّد استقرار الأسرة الجزائرية، وهي الخليّة الأساسية للمجتمع.
أرقام تدقّ ناقوس الخطر
تضمّن تقرير الديوان الوطني للإحصاء، أرقامًا "مخيفة" حول حالات الخلع والطلاق في الجزائر، وتكشف آخر الإحصائيات أنّ معدل الطلاق قفز من 20.9 بالمائة عام 2019 إلى 33.5 بالمائة سنة 2023، أي بواقع 93 ألف حالة طلاق، وبمعنى آخر، “ينتهي زواج واحد من بين كل ثلاثة بالطلاق” وفق التقرير نفسه.
وبلغت حالات الطلاق، العام ما قبل الماضي، 44 ألف حالة بين طلاق وخلع، بواقع 240 حالة يوميًا و10 حالات في الساعة، معظمها في الفئة العمرية بين 28 و35 سنة، أي بين المتزوجين حديثًا، علماً أن هذه الإحصائيات بلغت 100 ألف حالة طلاق بين عامي 2020 و2021.
وأضاف التقرير أن الجزائر تشهد اليوم اتجاهًا نحو انخفاض عدد حالات الزواج منذ عام 2014، وبمعدل أكثر سرعة منذ سنة 2020، وأحصى التقرير 285 ألف عقد زواج في 2023، بانخفاض 10 بالمائة مقارنة بعام 2019، بينما ارتفع عدد حالات الزواج إلى 315 ألفًا عام 2021، وربط التقرير ذلك بتأثير التعافي من جائحة كورونا، وتجاوز قيود الأزمة الصحية”.
انستغرام وتيكتوك
من جهتها، ترى الأخصائية الاجتماعية آسيا كسور أن تقلص مساحة الحوار بين الأزواج، وتدخل العائلة في القرارات الثنائية، وغياب النظرة المقدسة للعائلة، إلى جانب تأثير الحياة الافتراضية على الواقعية للأسرة، والمشاهد الكاذبة التي تروّج لها فيديوهات انستغرام وتيكتوك حول الحياة الوردية للمؤثرات في الجزائر، كلها عوامل تقف وراء ارتفاع حالات الطلاق والخلع في الجزائر.
كما ترى المتحدثة لـ"الترا جزائر" أن انعدام التكافؤ بين الطرفين والجفاء العاطفي جعلا من الحياة الزوجية لا تطاق، مما دفع بعض الأزواج إلى التفكير في الطلاق واللجوء إلى المحاكم. والدليل على ذلك الأرقام الأخيرة الصادرة عن الديوان الوطني للإحصائيات، والتي أماطت اللثام عن هذه الظاهرة، وكشفت بلغة الأرقام أن ارتفاع نسبة الطلاق وتراجع أرقام الزواج في الجزائر بات حقيقة لا مجال للتشكيك فيها، مما يستدعي دق ناقوس الخطر واتخاذ إجراءات سريعة للحد من هذه الظاهرة بمشاركة كافة الفاعلين في المجتمع.
وبالعودة إلى تحليل هذه الظاهرة، سواءً تعلق الأمر بارتفاع نسبة الطلاق بين الأزواج أو انخفاض عدد حالات الزواج في الجزائر، تقول الدكتورة آسيا كسور إن الأمر مرتبط بتغير سلوك المجتمع، حيث انتقلت الأسرة من صورتها البسيطة إلى صورة معقّدة مليئة بالكماليات، مما اصطدم فيه الأزواج، خاصة مع تراجع القدرة الشرائية وتدني الوضعية الاقتصادية، ناهيك عن الزيف المروّج له في الصفحات الافتراضية والذي يجعل الأزواج يعيشون حالة إحباط، ظنًا منهم أنهم مصطدمون بواقع غير الذي يعيشه المؤثرون في فايسبوك وأنستغرام ويوتوب وتيك توك.
ومن بين الأمور التي يجب وضع حدٍّ لها، تقول الأخصائية، هي لا محدودية استعمال الوسائط الافتراضية في المجتمع، والتي عرت المستور داخل الأسرة الجزائرية المحافظة من خلال تأثّر الأزواج، خاصّة النساء، بالمؤثرين والمؤثّرات الذين يعتمدون على إظهار حياة الرفاهية المزعومة والكاذبة، لتحريض النساء على الاستقلالية والعيش بمفردهن دون الحاجة إلى الزوج.
هل سيتم مراجعة قانون الأسرة؟
من جهته، يرى المحامي المعتمد لدى المحكمة العليا، إبراهيم بهلولي، أن ارتفاع معدلات الطلاق في الجزائر خلال السنوات الأخيرة يعود إلى وجود خلل في مفهوم الزواج وتكوين الأسر لدى المجتمع الجزائري، فقد تحوّل الزواج من مؤسسة اجتماعية مبنية على المودة والرحمة والتكافل إلى مؤسسة تجارية الغرض منها مادي بالدرجة الأولى، مشيرا إلى أن المصلحة المادية باتت تطغى على الجانبين، مما أدى إلى تفاقم هذه الظاهرة.
واعتبر المحامي في حديثه لـ"الترا جزائر" أن مراجعة قانون الأسرة اليوم باتت ضرورة مُلحة في ظلّ التطور الذي يشهده المجتمع الجزائري وعدم مواكبة التشريعات لهذه التغييرات، لذلك وجب مراجعة هذا القانون دون المساس بجانبه الشرعي، وإنما بإرفاقه بنصوص تنظيمية تضبط طريقة الزواج وتفرض شروطًا شبه تعجيزية على الراغبين في الطلاق أو التطليق أو حتى الخلع. قائلًا : "مادام البعض يربط عقد الزواج بالمصلحة المادية، يجب فرض شروط مادية قبل فك هذه الرابطة".
ويرى المحامي ذاته أن التسهيلات التي يمنحها القضاء الجزائري في حالات الطلاق ومجانيته أدت إلى استهانة البعض بأقدس العقود على وجه الأرض، حيث لم تعد المحاكم تلعب دور المصلح في هذه الحالات، فالقاضي يرى جلسات الصلح بين الزوجين على أنها إجراء إداري لابدّ منه، دون الخوض في تفعيل جدي لهذه الآلية التي يُمكن أن تحد من تفاقم ظاهرة الطلاق، حيث لا توجد في المحاكم اليوم أحكام صادرة تخصّ حالات الصلح بين بعض الأزواج الذين تقدموا إلى المحاكم من أجل الطلاق.
ويشدد المحامي المعتمد لدى المحكمة العليا على أهمية ودور المؤسّسات التربوية والدينية في نشر الوعي بأهمية الزواج كعقد مقدّس يجب احترامه، مشددًا على ضرورة تضمين المناهج التعليمية والدروس الدينية بمواد توضح القيم والمبادئ الأساسية للزواج، وكيفية بناء أسرة متماسكة تقوم على الحب والاحترام المتبادل.
محامي معتمد لدى المحكمة العليا: مراجعة قانون الأسرة اليوم باتت ضرورة مُلحة في ظلّ التطور الذي يشهده المجتمع الجزائري
كما دعا المتحدث إلى تفعيل دور الوساطة الأسرية بشكلٍ أكبر، حيث يمكن للوسطاء العائليين أن يلعبوا دورا حيويًا في حل النزاعات بين الزوجين قبل الوصول إلى المحاكم، ونفس الشئ بالنسبة للتوعية الإعلامية التي يمكن أن تساهم حسبه في تغيير نظرة المجتمع إلى الزواج والطلاق.