أثار اقتطاع رواتب العمال والموظفين، الخاصّة بالأشهر التي توقفوا فيها عن العمل بسبب جائحة كورنا، جدلًا وسط الطبقة الشغيلة، خاصّة وأن هذا القرار طبق في القطاع الخاص وبعض القطاعات العمومية، واستثنيت قطاعات أخرى رغم أنها حكومية أيضًا.
لم يكن ينتظر معظم العمال المستفيدين من العطل الإجبارية بسبب فيروس كورنا أن تُخصم رواتبهم
وبسبب الخوف من انتشار فيروس كورنا، أمرت الحكومة مع بداية انتشار الوباء في الجزائر بتخفيض 50 في المائة من العمال، تاركة المجال لإدارة كلّ مؤسّسة في التعاطي مع هذه الرخصة المهنية، التي طبقتها بعض المؤسّسات العمومية بنحو مائة بالمائة، وامتنعت مؤسّسات خاصة عن تنفيذها بالكامل تحت مبرّرات مختلفة.
اقرأ/ي أيضًا: رصد أكثر من 2 مليار دينار لتعويض مؤسسات قطاع البناء بسبب كورونا
خصم غير منتظر
لم يكن ينتظر معظم العمال الذين استفادوا من العطل الإجبارية بسبب فيروس كورنا، أن يتم الاقتطاع من رواتبهم، سواء بخفض بعض المنح أو إلغائها، أو بعدم دفع أجورهم كاملة أو نصفها، تحت حجّة "عدم العمل يقابله عدم تلقي أيّ مقابل مالي".
هنا، يقول الشاب العشريني خليفة لـ"الترا جزائر"، العامل بمؤسسة حكومية تعمل في قطاع الموارد المائية، إنّه تفاجأ بخفض الإدارة راتبه البالغ 40 ألف دينار إلى النصف، منذ أن أرسلتهم في عطلة إجبارية شهر آذار/مارس الجاري، وهو الوضع الذي يستمرّ حتى اليوم بالنظر إلى أن المؤسسة تنشط بولايتي البليدة والعاصمة الجزائر، اللتين لا تزالان تخضعان للحجر الجزئي بسبب استمرار معدّل إصابات يزداد يومًا بعد يوم.
وفي قطاع التربية، أعلنت النقابة الوطنية للأسلاك المشتركة والعمال المهنيين، تلقّيها العديد من الإخطارات، عبر مكاتبها الولائية المسجلة بالمداومة المركزية بخصوص اقتطاعات مبهمة من الرواتب الشهرية ومنحة المردودية لفئتي الأسلاك المشتركة والعمال المهنيين لشهر حزيران/جوان الجاري.
وذكرت النقابة، أن هذه الفئة من العمال ظلت "العين الساهرة والحارسة والخادمة للمؤسّسات التربوية في مختلف ربوع الوطن، عندما استقرّ الجميع في بيوتهم نتيجة الحجر الصحّي، للوقاية من وباء كورونا وبناء على تعليمات السلطات المخولة في هذا الشأن".
ودخل الطاقم التربوي في عطلة إجبارية منذ شهر آذار/مارس الماضي، بعدما قرّرت الحكومة إنهاء العام الدراسي قبل موعده بسبب جائحة كورونا، ولم يبق بالمؤسّسات التربوية سوى العمال المهنيون.
وجاء في بيان النقابة أن "الشريك الاجتماعي كان ينتظر المكافأة لتعزيز يقظة الضمير المهني الجمعي، لكنه سجل بكل أسف شديد هذه الاقتطاعات المالية غير المفهومة والتي لا تعكس توجيهات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، بخصوص المرابطين الصامدين في مؤسّساتهم وفي المواقع الأمامية خلال فترة الحجر الصحّي".
وفي القطاع الخاصّ، أكدت شهادات عدة لـ "الترا جزائر"، أن كثيرًا من المؤسسات قرّرت عدم دفع رواتب الموظفين الذين سرحتهم خلال الحجر الصحّي، واعتبرتهم في عطلة غير مدفوعة الأجر، بحجّة أن دفع رواتبهم سيحتم عليها تقديم منح للموظفين الذين ظلوا قيد الخدمة خلال الأشهر الماضية، وتحجّجت بعدم توفرها على القدرة المالية للقيام به، خاصّة في ظل عدم وفاء الحكومة بتعويض الأضرار التي طالت المؤسّسات الاقتصادية بسبب الوباء.
تخبط إداري
اختلف تعامل الإدارات مع شكوى الموظفين، الذين مسّهم قرار اقتطاع الرواتب بسبب عدم العمل أيام الحجر الصحّي، فوزارة التربية استجابت للطلب الذي رفعته نقابة الأسلاك المشتركة.
ووجّه الوزير محمد واجعوط، تعليمة لمسؤولي قطاعه يأمرهم فيها بضرورة العمل على إبطال كافة إجراءات الخصم من رواتب الأساتذة والموظفين، والشروع مباشرة في إرجاع كافة الاقتطاعات بصفة فورية ودون أي تأخير، وفق ما نقلت صحيفة الشروق.
وأوضح الوزير أن "الاجتهاد مع النصوص القانونية غير مقبول"، كون المرسوم التنفيذي رقم 69/20، المؤرّخ في 21 آذار/مارس 2020، المتعلق بتدابير الوقاية من انتشار فيروس كورونا المستجد ومكافحته، ينصّ على تقاضي العمال والموظفين مرتباتهم كاملة غير منقوصة، خلال العطلة الإجبارية الاستثنائية التي فرضتها جائحة كورونا.
لكن الأمر بالنسبة للقطاع الاقتصادي والعمال العاملين لدى الخواص مختلف تمامًا، فالاستهجان الذي عبر عنه مسّهم سيف اقتطاع الرواتب، لم يجد قبولًا لدى وزارة العمل التي وقفت إلى جانب أرباب العمل.
وأكدت وزارة العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي، على عدم "وجود أي مراسلة رسمية من طرف المفتشية العامّة للعمل تخصّ عدم اقتطاع جزء من رواتب عمال القطاع الاقتصادي، وإلزامية تقاضيهم لمرتّباتهم كاملة غير منقوصة، خلال فترة استفادتهم من العطلة الاستثنائية التي أقرّها المرسوم التنفيذي رقم 20-70، الذي يحدد التدابير التكميلية للوقاية من انتشار فيروس كورونا".
وبيّنت الوزارة، أن كل المسائل المرتبطة بالأجور ومكوّناته وكذا الزيادات والاقتطاعات في القطاع الاقتصادي تخضع لـ "التفاوض والتشاور مع الشريك الاجتماعي".
لم يستفد كثير من العمال اليوميين من منحة 10 آلاف دينار التي أقرتها الحكومة
وإذا كان حال العمال المؤمّنين اجتماعيًا صار على هذا الوضع بسبب جائحة كورنا، فإن الصورة تبدو قاتمة على طول الخط لدى العمال اليوميين، الذين لم يستفد الكثير منهم من منحة 10 آلاف دينار التي أقرتها الحكومة، مساعدة لهم في هذا الظرف الاستثنائي، وحتى من استفاد منها، لم تكن كافية لتغطية مصاريف الأشهر الثلاثة التي توقف فيها عن العمل، خاصّة وأن فرص العمل لا تزال قليلة رغم تخفيف إجراءات الحجر في عدة ولايات.
اقرأ/ي أيضًا:
قطاع الأشغال العمومية.. الدولة تستعيد مشاريعها من الخواص
فوضى إدارة المشاريع الحديثة.. الجزائريون يسخرون من مشروع "المدينة الذكية"