13-أغسطس-2020

يعيش المشهد السياسي فترة ركود بسبب الأزمة الصحية (تصور: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

ركنت الأحزاب السياسية في الجزائر إلى السكون والصمت، وجمّدت فعلها السياسي بشكلٍ لافتٍ، رغم استمرار التداعيات المرتبطة بالأزمة الوبائية ومحاكمات قضايا الفساد ومختلف قضايا نشطاء الحراك الشعبي ومعتقلي الرأي ومسودة الدستور، إضافة إلى الأزمات الإقليمية التي يفترض أن تكون الجزائر معنية بها كأزمة مالي وفي ليبيا.

أنظار الطاقم الحكومي في الجزائر موجّهة صوب متابعة وتفكيك الأزمة الصحيّة

لقد بدأت إجراءات رفع الحجر الصحي تدريجيًا في الجزائر، لكن الحجر السياسي الذاتي الذي اختارته الأحزاب والقوى السياسية مازال قائمًا حتى الآن، فبعد فترة نقاش حول مسودة الدستور بداية شهر حزيران/ جويلية الماضي، اختفت الأحزاب من الساحة وتوارت وراء الأزمة الوبائية، وفي غياب مستجدّ سياسي تطرحه السلطة في الغالب.

قرأ/ي أيضًا:  "البديل الديمقراطي" يحذّر من ضرب التعددية السياسية

دوامة الشأن العام

أنظار الطاقم الحكومي في الجزائر، موجّهة صوب متابعة وتفكيك الأزمة الصحيّة، والرمي بثقلها نحو معالجة عدّة ملفات مرتبطة بالمؤسّسات الاستشفائية والاستجابة للمتطلبات الأزمة، والميزانية المرصودة لها.

واقع الأمر، اهتمام الحكومة الجزائرية بالوضع الوبائي وتبعاته الصحيّة والاقتصادية والاجتماعية، منحصرٌ الآن حول طريقة الانشغال بتنفيذ البرامج المؤجّلة من فترة الأزمة الصحية، المرتبطة أساسًا بتأخير امتحانات سنوية مصيرية، والالتزام بتنظيمها وإنجاحها دون المساس بالمتمدرسين، خاصّة امتحان الباكالوريا المنتظر في الشهر المقبل.

الملفت للإنتباه، أن كلّ المشاريع السياسية الكبرى والانتظارات التي يتطلّع إليها المواطن، من خلال الوعود التي قدّمها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خلال فترة حملته الانتخابية وأثناء وعقب فوزه بكرسي الرئاسة في الجزائر في كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي، تظلّ خطوات مؤجّلة يقول الباحث في العلوم السياسية فارس عقون لـ "الترا جزائر"، وذلك إلى حين الانتهاء من ترتيب البيت العام للجزائريين مع الدخول الاجتماعي المرتقب، حسب تعبيره.

في هذا السياق، تركت الأزمة الصحية بصمة قوية على الفعل السياسي عمومًا، وعلى الفعل الحزبي بشكلِ أقل، إذ "لاحظنا تقهقرًا كبيرًا في الحضور الحزبي على الساحة السياسية"، وهي الأحزاب التي صدح صوتها وخرجاتها ونشاطاتها خلال الفترة السابقة، دون"أن ننسى أنها تقوقعت على نفسها خصوصًا في فترة الحراك الشعبي سنة 2019، وكانت "محلّ الأنظار إبان الإفراج عن قضيا الفساد، واتهامات طالت عديد الوجوه وعديد المسؤولين والأسماء الثقيلة منها والوازنة".

سنتان من الغياب

للعام الثاني علي التوالي، يغيب عن الأحزاب السياسية تنظيم الجامعات الصيفية التي تعودت تنظيمها كمؤتمرات للتثقيف السياسي، وتكوين الكوادر ومناقشة القضايا السياسية والاقتصادية والثقافية الراهنة.

خلال السنة الماضية غابت الجامعات الصيفية بسبب الحراك الشعبي، الذي كان في أوج مرحلته الثورية ولانشغال القوى السياسية بمسار التغيير الذي انتهى إلى انتخابات رئاسية  في نهاية العام، كما غابت الجامعات هذا العام بسبب الأزمة الوبائية التي قلّصت من مستوى الحركة السياسية، لكن ذلك يبرز أيضًا غياب الإبداع السياسي لدى الأحزاب الجزائرية، لضمان استمرارية النشاط، القاعدي والمركزي، عدا عدد قليل جدًا من الأحزاب السياسية التي أبقت نشاطها مفتوحًا وعقدت ندوات واجتماعات افتراضية لمناقشة قضايا وموضوعات راهنة، خاصة أحزاب البديل الديموقراطي.

وفي ظلّ هذه الظروف، يتّضح جليًا أن أغلب الأحزاب السياسية استقالت من المشهد العام، إذ قدّر المحلل السياسي والناشط الحقوقي فريد حميدي، موقفها بالعزف المنفرد دوما، وغالبا ما " تتحين فرصة المناسبات السياسية"، بينما هي اليوم في راحة تامة وبعيدة عن المشاركة في إيجاد مخارج للأزمة الصحية من مختلف جوانبها الاجتماعية والاقتصادية"، حسب قوله.

وفي هذا الصدد،  يطرح ذلك فعليًا العلاقة بين الحزب والمجتمع ومشكلاته الراهنة، إذا بقدر ما كان يفترض أن تكون الأزمة الوبائية وتسيير الحكومة للازمة، محلّ متابعة من قبل الأحزاب وإصدار تقييم سياسي بشأنها ومعاضدتها بالمقترحات، بقدر ما لوحظ استقالة الأحزاب من الممارسة السياسية في هكذا ظرف.

هياكل بلا دور

يظهر تخلّي الأحزاب السياسية عن دور ها كهياكل تعمل على مراقبة عمل الحكومة وسياساتها، نابع من فشلها في احتواء الشارع في فترة الغليان الشعبي خلال سنة كاملة، وظهورها بأقل فاعلية في تقديم أطروحات بديلة.

ومن انعكاسات ذلك، أن الحزب السياسي عمومًا في الجزائر، مازال بعيدًا عن التأثير في السياسات الحكومية وفي إثارة النقاش حول قرارات أو خيارات تتخذها، وكل ما من شأنه الإضرار بالشأن أو المال العام يعطي ذلك مؤشرًا علي أن السلطة باتت هي التي تتحكم في توقيت ومواعيد النشاط السياسي، وتحدد مواضيع النقاش، فحالما طرحت السّلطة ملف الدستور استعادت الساحة السياسية حيويتها وتفاعلاتها، لكن ذلك لم يستمر طويلًا.

يتّضح جليًا أن أغلب الأحزاب السياسية استقالت من المشهد العام

ووفق رؤية المهتمين بالشأن العام في الجزائر، فإن الأحزاب السياسية الغائب الحاضر في الجزائر، يترك عدة تفسيرات متعلقة بكون "الحزب في الجزائر صانع لردّة الفعل أكثر منه صاحب مبادرة سياسية"، يقول الناشط الحقوقي حميدي، لافتًا في تصريح لـ "الترا جزائر" أن ظروف وبيئة العمل السياسي في الجزائر نفسها مشوشّة بسبب الإفساد الذي مارسته المنظومة السياسية السابقة على مستوى الفعل السياسي أحادي الوِجهة، والتشويه الذي لحق الساحة السياسية منذ سنوات. ومن تبعات هذا التشويه يقول المتحدث، إن الفترة السابقة عرفت "فوضى كبيرة في صعود عديد الأحزاب للسّاحة ومن ورائها جمعيات ومنظمات، شاركت في عمليات سياسية وهيمنت على الساحة.

قرأ/ي أيضًا: 

"البديل الديمقراطي" يُعلن عن تنظيم جلسات وطنية ردًا على دعوة تبون

قوى البديل الديمقراطي ترفض مشاورات تبون