02-مايو-2021

مشهد من مسلسل "عاشور العاشر" في جزئه الثالث (فيسبوك/الترا جزائر)

أعادت الانتاجات الدرامية في شهر رمضان للعام الحالي الجدل حول الرقابة الفنية في الجزائر وكبحها للعمل الإبداعي، وتأثيرها في وصوله إلى الجمهور في صورة مقبولة، وذلك بعد أن تناقلت عدة مصادر أنباء عن تعرض عدّة أعمال لمقصّ الرقيب سواءً كان حكوميًا أو من الجهة المنتجة أو القناة العارضة، وحتى مجتمعيًا.

تطرح هذه الرقابة إشكالية مدى تقبل الجزائريين لمضامين الأعمال الفنية التي تبثّ على القنوات المحلية والحكومية

وإن كانت القوانين الجزائرية تضمن حرّية التعبير والإبداع الثقافي، وترفض الرقابة على الأعمال الفنية، إلا أن ذلك يظلّ إلى اليوم في الغالب مجرّد حبر على ورق، بالرغم من خضوع سواءً الأفلام أو المسلسلات قبل إنتاجها إلى تدقيق لجان القراءة.

اقرأ/ي أيضًا: الأعمال الرمضانية.. سقوط الكوميديا وصعود نجوم "السوشيل ميديا"

 

رقابة حكومية

انتظر الجمهور الجزائري هذا العام الجزء الثالث من مسلسل "عاشور العاشر" في جزائه الثالث بشغفٍ كبير، على أمل أن يكون على الأقل في مستوى الموسمين السابقين، غير أن كل هذه التوقعات سقطت في الماء بعد الحلقة الثانية من المسلسل، الذي يبث لأوّل مرّة على التلفزيون الحكومي الجزائري، بعد أن بث الجزء الأول والثاني على قناة "الشروق" الخاصّة.

سطحية الحوار الذي ميز مسلسل "عاشور العاشر" في جزئه الجديد، وتوجّهه إلى الانتقاد المباشر، عكس ما كان في الموسمين السابقين من أسباب فشل العمل هذا الموسم، إلا أن متابعين للمشهد الفنّي في الجزائر أكّدوا أن معايير الرقابة المعتمدة في التلفزيون الحكومي، كانت وراء تسجيل أوّل إخفاق للمخرج جعفر قاسم الذي ارتبط اسمه على الدوام بالنجاحات التلفزيونية.

قبل عرض الجزء الثالث من "عاشور العاشر"، أكد المدير العام للتلفزيون الجزائري الحكومي أحمد بن صبان في ندوة صحفية أن هذا المسلسل مجرّد عمل فني بعيد عن تدخلات السلطات العليا التي  لها انشغالات أخرى.

وأضاف وقتها بن صبان، أن مدير التلفزيون الجزائري لا يسمح لنفسه أن يطلب من مبدع قص مشاهد من العمل، كما أن المخرج جعفر قاسم لا يسمح لتاريخه المهني أن يشوّه عملًا دراميًا مثل "عاشور العاشر".

غير أن ممثلين شاركوا في "عاشور العاشر"، أعلنوا تفاجأهم بـحذف عدة مشاهد لهم بعد عرض المسلسل على شاشة التلفزيون الحكومي، منهم أحمد زيتوني ومروان قروابي الذي اتهم إدارة التلفزيون بقصّ العديد من المشاهد من هذا العمل الدرامي.

وإن كان بث أيّة مؤسّسة إعلامية لما يتوافق مع خطها التحريري واقع تعتمده جميع الوسائل الصحافية، غير أن ذلك يكون في كل مؤسّسات الإعلام التي تحترم نفسها قبل بدء تصوير أي منتج عبر لجان القراءة لها، وكما هو معلوم فإن التلفزيون الجزائري وافق سابقًا على مضمون عاشور العاشر في جزئه الثالث وفق تصريح بن صبان.

ورغم الانتقادات التي طالت التلفزيون الجزائري، إلا أنها لم تنف سواءً هي أو المخرج  جعفر قاسم كل ما تم تداوله حول تعرض "عاشور العاشر" لعملية حذف واسعة لمشاهد في جزئه الرابع.

وقبل هذا العام، تدخلت الحكومة لمنع بث عدة أعمال فنية منها سلسلة "دقيوس ومقيوس" التي تم العام الماضي منع بثها على قناة الشروق الخاصة، كما تم إيقاف بث سلسلة "دار العجب" بعد انتقادها لتقديم إعانة مالية لتونس.

سلطة المجتمع

حتى وإن استطاعت المؤسّسات التلفزيونية الجزائرية النجاح في تخطي عقبة رقابة صانع القرار السياسي، فإنها قد تصطدم برقابة المجتمع الذي لا تروقه بعض المضامين الدرامية حتى وإن كانت مجرد عمل فنّي لا يريد الإساءة لأيّ كان.

وتطرح هذه الرقابة مسألة مدى تقبل الجزائريين لمضامين الأعمال الفنية، وتمتعهم بروح السخرية والدعابة التي تتقاطع مع إيحاءات الإنتاج الدرامي أو أي عمل تلفزيوني.

ولا يقتصر عدم تقبل محتوى بعض الأعمال الدرامية على المواطن البسيط فقط، إنما أيضًا على فئات من المفروض أن تكون أول من يدعم الفعل الفني والثقافي، وهو ما قد يوجه هذا العام لعدد من المحامين الذين انتقدوا سلسلة "بوقاطو" (المحامي) التي تبث على قناة "الجزائرية وان"، وكان اتحاد المحامين ينوي رفع دعوى قضائية ضدّ القناة التي بثّت العمل ومخرج السلسلة.

وبدوره، لم يتقبل اللاعب الدولي السابق علي بن شيخ  تضمن مسلسل "عاشور العاشر" في جزئه الجديد، مشاهد تنتقد طريقة تحليله للمباريات على قناة "الهداف" الخاصّة، وأسلوب المقارنة الذي ينتهجه في الحديث عن جيل الثمانينات من اللاعبين الذين ينتمي لهم والجيل الحالي للاعبي المنتخب الوطني، حيث تداولت عدة مصادر نيته رفع دعوى قضائية ضدّ المخرج جعفر قاسم، رغم أن المسلسل تضمن في  جزئه الأول حلقة ساخرة حول المدرب السابق للمنتخب الوطني رابح سعدان ولاعبيه الذين شاركوا في مباراة أم درمان الشهيرة ضدّ المنتخب المصري، إلا أن شيخ المدربين لم ينزعج من ذلك.

مقص سينمائي

قد يكون الكثيرون انتبهوا للرقابة التي تتعرّض لها الأعمال التلفزيونية باعتبار أنها تصل إلى جميع بيوت الجزائريين، غير أن الرقابة على المنتج الفني ليست جديدة في الجزائر لاعتبارات مختلفة سواءً سياسية أو مجتمعية أو دينية وغيرها.

ونستذكر في هذا الإطار، أنه على سبيل المثال فيلم "بابيشا"، الذي حصد عدة جوائز في مهرجانات خارج البلاد، مُنع من العرض في الجزائر لما تضمنه من آراء اعتبرت "مسيئة للمجتمع الجزائري".

وإلى اليوم، لازالت وزارة الثقافة لم تصل إلى اتفاق مع المخرج بشير درايس بشأن عرض فيلم "العربي بن مهيدي"، بعد رفضه حذف مشاهد وإضافة أخرى اعتبرتها مع وزارة المجاهدين لا توافق الحقائق التاريخية وقد تشوّه صورة الشهيد البطل.

وفي عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، تم منع فيلم "سنوات الإشهار"، إخراج وتمثيل عثمان عريوات من العرض بسبب تضمنه انتقادات للوضع السياسي الذي عاشته البلاد في السنوات الأخيرة.

وقبلها، كانت قد منعت وزارة الثقافة عرض فيلم "شظايا الأحلام" للمخرجة بهية بن الشيخ، من المشاركة في فعاليات اللقاءات السينمائية لبجاية، بحجّة أنه يتضمن ترويجًا لمدونين صدرت ضدهم أحكام قضائية.

ومن المؤكد أن الرقابة على الأعمال الفنية ليست مقتصرة على المشهد الثقافي الجزائري، إلا أنها في الغالب تكون في الجزائر بجرعة زائدة تفقد أيّ عمل إبداعي روحه وحبكته التي تجذب الجمهور لمتابعته سواءً في التلفزيون أو السينما أو الإنترنيت.

تبقى تقديرات السلطة المنظمة للانتاج السينمائي والتلفزيوني هي ما تسمح ببثّ الأعمال الفنية وهي من يحيلها على قائمة المنع

 ومن هذا المنطلق، وجب اليوم مراجعة هذه السياسة والتي تبدأ بتعديل النصوص القانونية الفضفاضة التي تعتمد عليها السلطة في رقابتها، تحت غطاء الإساءة للأديان أو الثورة التحريرية أو المجتمع أو المساس بالنظام العام، وغيرها من التحذيرات التي تضمنها المرسوم التنفيذي رقم 13-277 المؤرخ في 29 تمّوز/جويلية 2013، الذي يحدد تشكيلة لجنة مشاهدة الأفلام ومهامها وسيرها، والمتعلق بالانتاجات السينمائية، أما المضامين التلفزيونية فإنه في غياب قانون السمعي البصري المنظم لعمل القنوات الخاصة، تبقى تقديرات السلطة المنظمة لهذا النشاط هي من يدخل منتجًا  شاشة العرض ومن يحيله على قائمة المنع.

 

اقرأ/ي أيضًا:

دراما رمضان في الجزائر.. ضحك على الكوميديا لا منها

"الفنون الجميلة" غير معترف بها في الجزائر؟