تكفي جولة قصيرة على الصفحات الرسمية لأحزاب التيار الإسلامي في الجزائر على موقع "الفيسبوك"، ونظرة سريعة على الصفحات الشخصية لقيادييها، وبعض النشطاء الشباب المنتمين لذات الأحزاب، ليظهر بوضوح اهتمامهم الكبير بالمؤتمر العاشر لحركة النهضة التونسية، مصدر كل ذلك الاهتمام يتأتى من الشعار الذي اختارته حركة النهضة لمؤتمرها "فصل السياسي عن الدعوي"، الشيء الذي اعتبره الجميع سابقة تاريخية لدى أحزاب تتبنى فكرًا موحدًا وتنصهر في إيديولوجية واحدة.
أبرز مواطن القوة لدى الحركات الإسلامية في الجزائر هو العمل الكثيف على المستوى القاعدي
عبد الرزاق مقري، رئيس "حركة مجتمع السلم"، أكبر حزب إسلامي في الجزائر، حضر مؤتمر النهضة، وكتب بعدها مقالًا نشر على الموقع الرسمي لحزبه، يشيد فيه بما أسماه "بالنقلة النوعية" في الفكر السياسي والممارسات العملية لأحزاب التيار الإسلامي في المنطقة، كما يرى أن "إخوان الجزائر" كانوا السباقين في محاولة إذابة الجليد بين مختلف التيارات والإيديولوجيات، والتحرك ضمن القواسم المشتركة لصالح الحريات والديمقراطية والمصلحة الوطنية.
اقرأ/ي أيضًا: تونس.. هل هي عودة إلى الدكتاتورية؟
كل هذا الاهتمام والإشادة، وردود الفعل هذه، جعلتني أعود إلى أرشيف مكتبتي المنزلية المتواضعة، لأفتح أحد أحدث الكتب وأكثرها جرأة في تناول موضوع "الجماعات" والأحزاب الإسلامية في الجزائر، كتاب "متى يدخل الإسلاميون في الإسلام؟" للكاتب الصحفي وأحد القياديين السابقين في "حركة مجتمع السلم" نذير مصمودي. الكتاب الذي حقق أحد أكبر مبيعات معرض الجزائر الدولي في نسخته الـ19، تحصلت على نسختي الموقعة منه قبل أشهر من وفاة كاتبه بسكتة قلبية، أحدث الكتاب ضجة في صفوف القواعد الشعبية لتلك الأحزاب حتى قبل أن يصدر، فجرعة الاستفزاز التي يحملها عنوان الكتاب تكفي كي يعتبر قنبلة موقوتة، كيف لا وقد كتبه أحد أكبر العارفين بخباياها، وصاحب الكتابات الجريئة، الذي عايش سنوات من الممارسة مع منتسبي التيار وقيادته، ليكون الكتاب بذلك خواطر من وحي التجربة وأسئلة من عمق الجرح.
يبرز الكتاب خفايا الحركات الإسلامية في الجزائر، وحقيقة نشأتها ودوافع نشاطها واستعمالها الاستقطاب باسم الدين كغطاء للوصول لسدة الحكم أو تحقيق المآرب، فلو أردنا القيام بعملية تشريح للأحزاب الإسلامية لوقفنا على عدة نقاط قوة وضعف، إن أبرز مواطن القوة لدى تلك التشكيلات الحزبية هو العمل الكثيف على المستوى القاعدي، ومحاولة تأطير شبابها داخل تنظيمات وجمعيات مستقلة ظاهريًا عن الهيكلة العامة للحزب، كما تتمتع هذه الأحزاب خاصة القديمة منها بمقدرة هائلة على حشد الجماهير لمختلف تجمعاتها ونشاطاتها.
اقرأ/ي أيضًا: القومجيون العرب كمصيبة عربية!
هناك تغير طفيف في الطريقة التي تنظر بها الأحزاب الإسلامية إلى نظرائها في الأطياف السياسية الأخرى
إن المتمعن في تاريخ التيار الإسلامي في الجزائر، خاصة بعد التعددية الحزبية، يلاحظ سقوطها في الكثير من الأخطاء، إن أبرز تلك المتاهات التي دخلت فيها هذه التنظيمات، "معضلة الزعامة"، وتضخيم الشخص إلى حد قدسيته، والسباحة في فلكه من غير انتقاد، مما يلغي في الكثير من الأحيان جدوى وجود هيئات تنظيمية داخل تلك الأحزاب، فيصبح الولاء للشيخ معيارًا لكل التعيينات، مشكل آخر يعاني منه "إسلاميو الجزائر" وهو ذلك الدمج بين العمل الدعوي ذي الصبغة الدينية والعمل الحزبي ذي الصبغة السياسية، خطأ آخر تلام عليه كثيرًا هذه الأحزاب وهو دورها في اللعبة السياسية في الجزائر، فإلى حد الآن يصعب تحديد تموقع بعضها ونظرتها الكاملة لعملية التغيير والانتقال السياسي في البلاد.
إنه من الظاهر بوضوح أن هناك تغيرًا طفيفًا في الطريقة التي تنظر بها الأحزاب الإسلامية إلى نظرائها في باقي الأطياف السياسية الأخرى، بل وكسرت ما كان يعتبر تابوهات لدى المنتمين إليها، فلقد طرحت الظروف الإقليمية والداخلية مبدأ الانفتاح كضرورة حتمية لا غنى عنه، فمن ذلك كانت نشأة بعض التكتلات والأقطاب كتنسيقية المعارضة والتي جمعت الإسلامي بالعلماني بالاشتراكي حول لائحة مطالب واحدة، وتكاتفت جهودهم للعمل سويًا، وفرض نمط عمل مبني على فكر متفتح، بعيدًا عن النعرات والولاءات الحزبية، وهو ربما ما يقرب الإسلاميين أكثر من كل التيارات والشرائح، في رحلتها لاسترجاع المجد الضائع.
اقرأ/ي أيضًا: