07-مارس-2023

(الصورة: تيكانا نيوز)

يقف حشد من المواطنين أمام شباك استخراج شهادة الجنسية الأصلية، وسط طابور يعج بالفوضى، بينما يحاول أمين الضبط تنظيم المواطنين المندفعين أمام الشباك.

خبير في مجال الاتصال التكنولوجي: التحول الرقمي في الجزائر لم يعد خيارًا، وإنما حتمية تُمليها التحديات الآنية والمستقبلية

بين تلك الطوابير يتساءل مواطن في الأربعينيات عن إمكانية استخراج شهادة الجنسية عبر الإنترنت ويرد عليه آخر يقف خلفه أن ذلك غير ممكن، فشبكة الإنترنت، حسبه، غالبًا ما تكون ضعيفة والانقطاع يستمر أحيانًا لساعات طويلة، هنا ينادي أمين الضبط الذي يبدو عليه الإرهاق والتعب على الأسماء والألقاب، ويستلم المواطنون المستاؤون بعد طوال انتظار وثيقة شهادة الجنسية الأصلية.

هذا جانب من واقع خدمات استخراج الوثائق الحالة المدنية في أغلب المراكز تقريبًا، في عصر بات تعميم استخدام الإنترنت منتشرًا على نطاق واسع، بينما تنقل كاميرات وسائل الاعلام العمومية تقارير تتحدث عن تحسين وجودة أداء الوظيفي وتسهيلات إجراءات استخراج الوثائق الإدارية، لكن المواطن البسيط له رأي مختلف. 

حتمية الانتقال الرقمي

 في السياق، تسعى السلطات الجزائريةمنذ بداية سنة 2023 إلى التحول الرقمي والاهتمام بمجال التكنولوجيات، ويولي الرئيس عبد المجيد تبون اهتمامًا بالغًا في خطاباته برقمنة كافة القطاعات الاقتصادية والخدماتية، نظرًا إلى كون التحول الرقمي من بين وسائل التنمية الاقتصادية وعاملًا من عوامل مكافحة الفساد، وشرطًا أساسيًا في إضفاء طابع الشفافية على التسيير والإدارة، بالإضافة إلى القدرة على الضبط الدقيق للموارد الطبيعية والتحكّم الأمثل في حاجيات المواطن من سلع وخدمات.

في هذا السياق، أعرب الرئيس عبد المجيد في حديث لوسائل إعلامية عن وجود "مقاومة" لم يسمِ أطرافها، تسعى من أجل تعطيل التحوّل الرقمي، وقال إن الرقمنة باتت ضرورة ملحة من أجل تحقيق قفزة في مجال التنمية وبناء استراتيجية تستجيب على معطيات وحسابات دقيقة وليس بيانات تقديرية وتخمينه، وفي السياق، السعي إلى الرقمنة هدد الرئيس عبد المجيد تبون أن التحول الرقمي سيفرض بالقوة، وهي العبارة التي توحي إلى وجود مقاومة من أجل الإبقاء الوضع الذي عليه والذي يتسم بالضبابية وعدم الشفافية.

تحديات على طريق

في سياق الموضوع، قال يزيد أڨدال، الخبير في مجال الاتصال التكنولوجي، إن التحول الرقمي في الجزائر لم يعد خيارًا، وإنما حتمية تُمليها التحديات الآنية والمستقبلية، وأضاف أن التحول الرقمي مسار استراتيجي ومصيري للدولة، له علاقة بكل القطاعات الاستراتيجية واستشراف المستقبليات، على حد قوله.

وأمام هذا الرهان الاستراتيجي، يتساءل الخبير عن الإمكانيات المادية والبشرية المؤهّلة التي وُضعت من أجل تحقيق الانتقال الرقمي؟ وإن كنا نمتلك رؤية واضحة المعالم في مجال التحوّل الرقمي إلى غاية سنة 2030، وهل ما يجري من مشاريع هو استجابة فقط لتحديات آنية أم مقاربة بعيدة المرمى والأهداف.

وأوضح أڨدال أنه بعد ثلاث سنوات من إنشاء وزارة الرقمنة غير أن النتائج تبقى دون مستوى التطلعات، مشيرًا أن الوزارة تتحدث عن وجود 400 منصة، غير أن المواطن ليس على علم بالتحولات الرقمية، ويعود السبب إلى قلة التواصل والتعبئة حول التحولات الرقمية، حسب المتحدث.

التشديد على ضرورة تحسيس المواطن وتحفيزه من أجل استخدام المنصّات الرقمية كمنصتي الدفع الإلكتروني واستخراج وثائق الحالة المدنية. هي أهم ما طرحه المتحدث، معلقًا في الوقت نفسه، أن ما يتم إنجازه لا يتم استغلاله وتثمينه بالشكل المناسب.

طاقات شبابية

من جهته، يعكف مندوب التسويق الرقمي المهندس بلال (35 سنة) على تقديم مشاريع وحلول في مجال الحوكمة الإلكترونية، ويعمل المهندس بلال رفقة طاقم من خريجي الجامعات الجزائرية، على تسويق عديد من المنصات الرقمية في مجال التسيير والربط البيني والتجارة الالكترونية وغيرها من الخدمات.

إلى هنا، يقول في حديث لـ "التر جزائر" إن هناك تحولًا فعليًا في مجال خدمات الرقمنة، خصوصًا لدى الشركات الناشئة المتوسطة والصغيرة الحجم، مشيرًا إلى أن "ثمة ثقة رقمية بدأت تتسع في الأونة الأخيرة، بعدما كنا نسجل بعض التردد والتحفظ من طرف المواطنين والموظفين".

وحسب محدثنا، فإنه لا بد من تعميم الرقمنة على مجالات أوسع كالتعليم المدرسي والجامعي والقطاع المهني والصحة وخصوصًا قطاع الخدمات العمومية والمصرفية، نظرًا إلى ارتباطها بحياة المواطن اليومية.

في هذا السياق، يعتبر بلال أن الاقتصاد الرقمي اليوم بات ضرورة عصرية ولابد من تطوير مشاريع رقمية ومركز بيانات وطنية، علاوة على ربط بيني يسمح بتداول المعطيات والبيانات بين مختلف الهيئات والإدارات والمؤسسات الاقتصادية والمصرفية.

يتفق الجميع اليوم على ضرورة الإسراع وتدارك التأخر في مجال التحول الرقمي، من أجل ومحاربة الفساد وإرساء الشفافية

وفي ظلّ التسارع العالمي نحو الحوكمة الرقمية، يتفق الجميع اليوم على ضرورة الإسراع وتدارك التأخر في مجال التحول الرقمي، من أجل ترشيد الحكم ومحاربة الفساد وإرساء الشفافية، وتوفير مناصب عمل وجذب الاستثمار، من أجل تقديم خدمات فعّالة وسريعة توفر الكثير من الجهد والوقت والصحة.