فريق التحرير - الترا جزائر
لم يكن أحدٌ يتوقع أن الشّاب العشرينيّ النحيف المفعم بالحلم، رغم كل الخيبات التي تجرّعها سيستسلم لليأس أخيرًا، ويوقف ساعات حياته في سنّ مبكّرة بشكلٍ مفاجيء. حاولت "الترا جزائر"، التقرّب من شقيقه وبعض معارفه، لمعرفة تفاصيل الحادث، خاصّة بعدما ربطت روايات كثيرة ظروف انتحاره بأحد منشوراته على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي، انتقد فيها وضعية الفنان في الجزائر، والظروف الصعبة التي يكابدها.
وسيم حساسني: كان الراحل يردّد أنه قد أضاع حياته وراء سراب الفنّ في الجزائر
كان الفاتح من حزيران/جوان صباحًا عاديًا، فقد قضت كورونا على ما تبقّى من معالم الحياة، في حيّ لخضر صوريكو بقالمة شرقي الجزائر، قبل أن يُعثر على الشاب هيثم بملعب المدينة مشنوقًا، هنا، لم تصدّق الأم المكلومة والأب المفجوع ورفقاء حيّه هول ما ألمّ بهم. هيثم الحالم يضع نقطة النّهاية دون توديعهم، وهو الذي حُرم من أن يقف على مسرح الحياة، فوقف شامخًا على مسرح الموت أمام المقاعد الفارغة بملعب كرة القدم.
هنا، يقول وسيم حساسني أخ هيثم لـ "الترا جزائر"، إن هيثم الذي تخرّج من المعهد العالي لفنون العرض والسمعي البصري في 2018، حاول بكلّ الطرق المتاحة أن يجد طريقه، حتّى أن أمّه وأباه ذهبا إلى مدير مسرح قالمة للتوسّط لابنهما لإشراكه في مسرحية أو "كاستسنغ" دون أن يستقبلهما الأخير، وأكد وسيم في هذا الإطار أن وزرًا كبيرًا يتحمّله القائمون على الثقافة سواءً في مدينتهم أو العاصمة، لغلق منافذ الأمل لهيثم، يُضيف وسيم أن أخاه الرّاحل حاول أيضًا أن يتحصّل على بطاقة فنّان دون جدوى، متسائلًا في هذا السياق، عمن يستحق بطاقة الفنان إن لم يتحصّل عليها ممثّل متخرّج من معهد للتمثيل؟
أدرك الرّاحل، يواصل وسيم، أن أبواب شغفه موصدة توجّه إلى المشاركة في مسابقات كثيرة خارج مجال اهتمامه، فقد شارك في مسابقة توظيف في سلك الشرطة والحماية المدنية، وكان همّه إشغال نفسه والمشاركة في إعالة عائلته متوسّطة الحال، لكن الحظ لم يسعفه في كلّ مرة حتى في حصوله على تأشيره للرحيل، ما ضاعف جرعة اليأس لدى هيثم، ففي كل مرّة، يقول وسيم، كان الراحل يردّد أنه قد أضاع حياته وراء سراب الفنّ في الجزائر التي لا تعترف بشبابها المبدع.
وعن سؤال "الترا الجزائر"، إذا ما كان الفقيد قد ترك انطباعًا معيّنا قبل إقدامه على الانتحار، أجاب وسيم أن أخاه كان في وضعٍ عادي جدًا، هو طالب أنهى دراسته بنجاح دون أن يرسب في عام واحدٍ، متحصّل على شهادة ليسانس في الفنون الدرامية، ولم تكن تصرّفاته غربية أو مشبوهة، وعدا منشوراته على فيسبوك التي بدا فيها ناقمًا على وضعه ووضعية الفنان، والمتخرّج عمومًا في الجزائر، لم يبد أيّ سلوكات قد تنبهنا بمروره بمرحلة استثنائية أو حرجة.
أما صديقه المقرّب مصعب قروم، فقد كانت دهشته كبيرة لدى سماعه بالخبر، فهو آخر من جلس مع الفقيد ثلاثة ساعات متواصلة في يوم انتحاره، يقول مصعب لـ "الترا جزائر"، إن موت صديقه مؤلم جدًا وغصّة في القلب لن تمّحى بسهولة "جلسنا معًا ضحكنا معًا، فكيف يمكن أن تكون جلستنا المسائية تلك آخر عهدي بصديقي"، وأضاف مصعب أن أكثر شيءٍ آلمه هو رؤية مدير مسرح قالمة يتقدّم المعزيّن في جنازة الفقيد، فهو قد كان أوّل من تجاهله وتركه لمصيره، على حدّ تعبيره.
من جهته، الأستاذ حبيب بوخليفة، المختصّ في الإخراج في المعهد العالي لمهن فنون العرض بالعاصمة، وصف الراحل بالطالب الهادىء والمحبّ لاختصاصه، قائلًا في تدوينة على فيسبوك، "كان دائمًا يهرع إليّ في الساحة و يمطرني بأسئلة حول علوم فنّ التمثيل، خصوصًا فيما يخصّ منهج ستالينسلافسكي في تركيب الشخصيّة الدرامية". يضيف بوخليفة أن المسؤولية تقع على مدراء المسارح والثقافة والمخرجين لتلك الولايات، فكيف لهيثم ان لا يجد عملا في المجال؟
وأردف المتحدث قائلًا: "نكتشف فظاعة النظام الثقافي الرديء و المفلس، فالأمر يتعلق أساسًا بكل النظام و عادته الريعية الفاسدة، بما فيها شبه شركات الإنتاج السمعي البصري التي لا تفقه كثيرًا في المجال.
اقرأ/ي أيضًا:
حوار | صبرينة قريشي: هزيمة الوطن حضاريًا هي هزيمة نكراء لفنّانيه
السينما الجزائرية تفقد ملاكها الأبيض