كثيرة هي التضحيات التي بذلها الآباء من أجل تعليم أبنائهم، لكن الحالة الجزائرية فريدة إلى حد ما، فالجزائر ورثت قطاعًا لا يستهان به في خط الأمية بعد استقلال البلاد، بعد 130 عامًا من الاستعمار الفرنسي، غير أن أحلام الآباء معقودة بما يجودُ به الأبناء من نتائج مرضية في التحصيل الدراسي في نهاية كلّ عام.
أحلام قطاع واسع من الآباء الجزائريين معقودة بما بجود به الأبناء من نتائج مرضية في التحصيل الدراسي نهاية كل عام
"العلامة الكاملة لنا"
في نهاية كل سنة دراسية يحظى الآباء بفرحة نجاح الأبناء، هذا هو حال الكثيرين ممن ينتظرون ذلك بفارغ الصبر، إذ هي العلامة الكاملة لهم، رغم مجهودات الأبناء، لأنها في نظر عبدالقادر سجال "طموحه كأب يتحقق بنجاح أبنائه".
اقرأ/ي أيضًا: شبح السنة البيضاء.. ما الذي قد يؤدي إليه إضراب طلبة الجامعات؟
لا شيء قبل ذلك يفرق مع سجال. يقول: "بقية التفاصيل لا تهم، فلكل شهادة ثمن، ولكل خطوة نحو تحقيق حلم الآباء في أن يروا أبناءهم ناجحين، عربون وفاء".
عبدالقادر سجال عامل متقاعد، سبق له أن اشتغل في عديد المؤسسات الحكومية، آخرها مصنع الخزف المنزلي بولاية البليدة، قبل أن يغلق المصنع، ويحال إلى التقاعد.
ورغم ضيق ذات اليد، يقول عبدالقادر سجال، إنه عمل جاهدًا لتوفير فرصة التعليم المناسبة لأبنائه، فيما يراه تعويضًا لما يفتقده هو، إذ لا يجيد سجال القراءة والكتابة، غير أنه، كما يقول: "عندما تضيف بي الدنيا، أنظر لتلك الشهادات المعلقة على حائظ غرفة الجلوس، فأشعر بالفخر بأبنائي".
"الشهادات العليا هي الذّهب الذي أملكه"
لا تملك السيدة موني أيًا من ذهب زواجها، فقد باعت كل ما ملكته لتنفق على تعليم أبنائها على مدار سنوات منذ وفاة زوجها، رغم أن المصوغات الذهبية كما هو معروف، له رمزية هامة بالنسبة للمرأة في المجتمع الجزائري.
تقول موني: "الشهادات العليا أفضل شيء نورثه للأبناء، فهي من تقيهم السؤال عند الحاجة، وتعطيهم الفطنة لمواجهة تقلبات الزمن".
ليس سهلًا أن تستذكر أي امرأة تضحياتها لتعليم أبناءها، خصوصًا في المدن والقرى الجزائرية التي كان مواصلة التعليم فيها صعبةً للغاية، وخاصة عندما كانت أعلى شهادة يحصل عليها التلميذ هي شهادة السادسة أساسي.
"المهم أنه يعرف القراءة والكتابة" يقول الحاج عيسى لـ"الترا جزائر"، موضحًا أن الأطفال الصغار في زمنهم، أي مباشرة بعد الاستقلال وإلى غاية ثمانينات القرن الماضي، كان يخرج إلى العمل في الأراضي الزراعية، أو كباعة متجولين في الأسواق، أو يوجه نحو تعلّم حرفة لدى محلات صناعة الجلود والنجارة والنحاس، حتى يضمن بها قوت يومه.
وقال عيسى: "الحال اليوم تغيّر عن قبل، وبات الرهان الكبير لدى العائلات دون استثناء هو تحسين تعليم أبنائها لنيل الشّهادات العليا"، مضيفًا: "وهو ما يقابله التضحيات الجسام المتواصلة من طرف الأبناء لتحقيق ذلك"، معتبرًا أن "الشهادات العليا ليست النهاية بالنسبة للأبناء حتى يحصلون على الوظيفة، غير أنها نهاية مسؤولية ثقيلة بالنسبة للآباء".
نهاية المهمة!
بالنسبة لكثير من الجزائريين فالتعليم هدفه الأساسي "إسعاد الوالدين"، خاصة إذا تعلق الأمر بشهادة الباكالوريا، كباب لدخول الجامعة. "إنها فرحة لا تضاهيها فرحة للأم والأب"، تقول إيمان الصخري.
تتذكر إيمان يوم نالت الباكالوريا، وكانت الفرحة الأولى في بيتها، باعتبارها أكبر أخواتها. وإيمان مثل غيرها كثيرين، خاصة أبناء العاملين البسطاء، الذين ينظرون للتعليم كمسؤولية عليهم إنجازها لأبنائهم "لعدم تكرار الحياة الصعبة التي عاشوها مع أبنائهم".
تقول إيمان، إن مهمة والدها انتهت يوم حصلت على الباكالوريا، فباتت تعتمد على نفسها في توفير القليل من المال بالمنحة الجامعية التي تعطيها الدولة الجزائرية لجميع الطلبة الجامعيين، فضلًا عن عملها في مكتب للمحاماة كمساعدة، بنصف دوام.
عشرات العائلات الجزائرية لا تفوت فرصة الحديث عن النجاحات الفارقة في حياتهم، والمتمثلة في حصول أبنائهم على شهادة الباكالوريا
عشرات من العائلات الجزائرية لا تفوت الفرصة للحديث عن تلك "النجاحات" الفارقة في حياتهم، خاصة إذا تعلق الأمر بـ"تضحيات" الآباء، التي أتت أكلها بنتائج يحصدها الأبناء، لتصبح تلك الشهادات العليا "عربون وفاء" تحتفظ به الأجيال.
اقرأ/ي أيضًا: