31-ديسمبر-2023
 (الصورة: Getty) شارع الشهداء بالجزائر العاصمة

(الصورة: Getty) شارع الشهداء بالجزائر العاصمة

استفادت الطبقة الشغيلة في 2023 من زيادات في الأجور انتظرتها منذ سنوات عدّة، وهو ما ساهم في مرور موسم خالٍ من الاحتجاجات العمالية التي كانت تطبع معظم القطاعات التابعة للوظيف العمومي، إلا أن هذه الزيادة رغم أهميتها يرى فيها البعض أنها غير كافية في ظل ارتفاع أسعار مختلف السلع والخدمات وانخفاض القدرة الشرائية للجزائريين، الأمر الذي يضع على الحكومة التزامات جديدة للحفاظ على الطابع الاجتماعي للدولة التي تؤكده في خطابات مختلف مسؤوليها.

دعا نواب البرلمان الحكومة اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية الطبقة الهشة

وبعد الإكراهات التي عانتها الحكومة في السنوات الماضية جراء انخفاض أسعار النفط، وجائحة كورونا استطاعت بفضل عائدات النفط في 2022 من الالتفات إلى مطالب الطبقة الاجتماعية التي تتقدمها الزيادة في الرواتب، وهو ما تحقق لكن ذلك أرفق بقانون جديد يتعلق بالحرية النقابية لم يلق القبول من طرف الشركاء الاجتماعيين.

زيادات مالية

يعتقد الرئيس تبون في معظم حواراته وتصريحاته الرسمية أن الأجور التي يتقاضها كثير من العمال وبالخصوص في القطاعات الأساسية كالتربية والصحة والتعليم العالي، وغيرهم من المنتسبين للوظيف العمومي لا تتلاءم والارتفاع المسجل في الأسعار، لذلك وعد منذ وصوله للحكم عمل على تحسين أجور الجزائريين، وبالخصوص الطبقة الوسطى، فكان إلغاء الضريبة على الدخل لمن يتقاضون أقل من 30 الف دينار أول قرارته، وأتبع ذلك بقرارات تخص النقطة الاستدلالية.

إضافة إلى هذه الإجراءات، أقرّت زيادات في أجور العمال، دخلت حيز التطبيق في 2023، حيث رصدت الحكومة ميزانية بقيمة 350 مليار دج للتكفل بزيادات أجور 2.8 مليون عامل في الوظيف العمومي.

وتمثلت الزيادات في رفع الأجور من 4500 دج إلى 8500 دج خلال 2023، وبالقيمة ذاتها في 2024، لتبلغ نسبة الزيادة مجتمعة 47 بالمئة في العامين مجتمعين.

وشملت الزيادات أيضًا منح التقاعد التي مست قرابة ثلاثة مليون متقاعد، وكذا منحة البصطالة التي تم رفعها إلى 15 ألف دينار، ويستفيد منها اليوم 2.1 مليون شاب، إضافة إلى زيادة في منح المستفيدين من المنحة الجزافية للتضامن الخاصة بالمسنين وذوي الاحتياجات الخاصة.

وفي الإطار ذاته تم منح الطلبة من 1300 دج إلى ألفي دج شهريًا، ضمن الإجراءات المندرجة ضمن  الاهتمام بقطاع التعليم العالي.

وأتبعت هذه العملية بإدماج العمال في عدة قطاعات، إضافة على فتح مناصب عمل لأساتذة التربية المدنية والإنجليزية في الطور الابتدائي، ومراجعة القوانين الأساسية لموظفي قطاعات التربية والصحة والتعليم العالي والشؤون الدينية، والتي سترى النور شهر شبّاط/فيفري المقبل.

تراجع

من المؤكد أن الزيادات التي أقرتها الحكومة ستساهم في دعم القدرة الشرائية للموظفين، إلا أن ذلك يبقى غير كافٍ بحسب متابعين، ومنهم نواب البرلمان الذين أثاروا هذه النقطة خلال عرض الوزير الأول السابق أيمن بن عبد الرحمان لبيان السياسة العامة للحكومة في 2023، حيث اعتبر بعضهم أن زيادة الأجور لا يعني تحسن القدرة الشرائية، وقد يذهب في خطوة شراء السلم الاجتماعي والاعتماد على توزيع الريع دون تحقيق أيّة نتائج في ظل استمرار التضخم وغلاء الأسعار.

وأشار النواب في مداخلاتها وفتها إلى أما أسموه "التراجع الملحوظ في القدرة الشرائية للمواطن الذي أثر بشكل كبير على الوضع الاجتماعي، الأمر الذي يتطلب ضرورة اتخاذ إجراءات مستعجلة لاحتواء الوضع والحفاظ على الطابع الاجتماعي للدولة الجزائرية"، وفق ما نقلت صحيفة الشرق اليومي المحلية.

ودعا نواب البرلمان الحكومة اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية الطبقة الهشة.

ويشدد الرئيس تبون في اجتماعاته مع حكومته على ضرورة الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين، فخلال مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2024 في اكتوبر تشرين الأول الماضي شدد على ضرورة صون القدرة الشرائية للجزائريين.

وفي رسالته بمناسبة يوم العمال العالمي المصادف للفاتح أيار ماي، قال تبون إنه يسعى باستمرار لتحسين المستوى المعيشي للمواطنين، ودعم القدرة الشرائية لهم وفق ما تتيحه التوازنات المالية للبلاد، مع الحرص على توفير ظروف لائقة ومحفزة من خلال تعزيز الحوار الاجتماعي وتقنين العمل النقابي صونا لحقوق العمال، وتحصينا لمستقبلهم المهني.

ورغم سن الحكومة قانونا لمكافحة المضاربة في الأسعار والحدّ من الندرة التي كانت تسجل في بعض المواد الاستهلاكية، إلا أن هذا لم يمنع من تسجيل ارتفاع في أسعار عديد السلع سواء الغذائية وفي مقدمتها اللحوم التي صارت لا تتلاءم أثمانها مع رواتب الموظفين الحكوميين، أو غيرها من الخدمات والمواد وبالخصوص المستوردة منها في ظلّ استمرار انخفاض قيمة الدينار الجزائري أمام العملات الأجنبية، جراء عجز الحكومة حتى اليوم في تنظيم سوق العملات الصعبة والقضاء على التداولات غير الرسمية.

وما يزيد في تراجع القدرة الشرائية وبالخصوص للفئات الهشة هو عدم مراجعة طريقة الدعم الحكومي، بالرغم من اعتراف السلطة بحد ذاتها أن قيمة الدعم الاجتماعي التي فاقت في 2021 مبلغ 17 مليار دولار، توجه في الغالب لغير مستحقيها.

قانون مقلق

وعرفت 2023، تواصل الجدل بشأن قانون النقابات الجديد الذي اقرته الحكومة، حيث يرى الشركاء الاجتماعيون أنه يحد من نشاطهم النضالي، في حين ترى الحكومة إلى انه يهدف إلى إبعاد العمل النقابي عن السياسي وإنهاء الفوضى التيس كانت تطبع هذا المجال، وسمحت باستغلال القانون لأهداف غير عمالية.

ووصفت النقابات القانونين المتعلقين بممارسة الحق النقابي والنزاعات الجماعية في العمل والحق في الإضراب بمثابة "انتكاسة للحرية النقابية" في الجزائر، بالنظر إلى أنهما يشكلان تراجعًا واضحًا في هذا المجال مقارنة بما حملته التشريعات السابقة الصادرة في تسعينات القرن الماضي.

وراسلت كونفدرالية النقابات المتكونة من أكثر من 30 تنظيمًا عمّاليًا السلطات للتجاوب مع مطلبها بتغيير مضامين التشريعات الجديدة، بالنظر إلى أنها "تتعارض مع المواثيق الدولية التي وقعت عليها الجزائر، إضافة إلى تناقضه مع الدستور الجزائري الذي يضمن الحق في الممارسة السياسية والنقابية، ولا ينادي بالفصل بينهما".

لكن وزير العمل السابق يوسف شرفة اعتبر في تصريح له بداية 2023 أن هذا القانون "يعزز احترام رموز الوحدة الوطنية والقيم والثوابت الوطنية وأحكام الدستور، لاسيما احترام الحرية الفردية والجماعية في العمل وعدم التمييز النقابي".

وبيّن شرفة أن "الهدف الأساسي لوجود النقابة هو الدفاع عن الحقوق المادية والمهنية لأعضائها، لذلك يحظر  القانون أيّة علاقة مباشرة أو غير مباشرة بين التنظيم النقابي والأحزاب السياسية"، كما يمنع "ازدواجية المناصب بين منصب نقابي ومسؤول إداري".

الشريك الاجتماعي يطالب بإشراك النقابات في مراجعة وإعداد وإثراء القوانين الأساسية لهذه القطاعات

وإن كان الشريك الاجتماعي ممثلًا في كونفدرالية النقابات المستقلة يثمن اهتمام الرئيس تبون والحكومة اعترافه بالقيمة الحيوية لبعض القطاعات كالتربية والتعليم والصحة، فإنه يطالب في الوقت ذاته بإشراك النقابات في مراجعة وإعداد وإثراء القوانين الأساسية لهذه القطاعات تفعيلًا للشراكة والحوار الاجتماعيين، وإنشاء المرصد الوطني للقدرة الشرائية لمتابعة تطور الأسعار والدخل والمعيشة، و تدخل الرئيس شخصيًا لإجراء قراءة ثانية للنصين القانونيين 02/23 و 08/23 المتعلقين بممارسة الحق النقابي والوقاية من النزاعات الجماعية وحق الإضراب بما يحقق ويجسد ممارسة الحريات التي يكفلها الدستور وتضمنها الاتفاقات الدولية.