يضيق يومًا بعد يوم، حيّز المناورة الاقتصادية لحكومة الوزير الأوّل عبد العزيز جرّاد، بسبب شحّ الموارد المالية التي زادها تعقيدًا تهاوي أسعار النفط، حتى إلى حدود 35 دولارًا للبرميل، الأمر الذي سيحتّم عليها البحث عن مصادر جديدة، قد تكون إحداها العودة إلى طبع النقود، بما أن قانون القرض والنقد الذي وضعه أحمد أويحيى القابع في سجن الحراش بالعاصمة لا يزال ساريًا، ولم يتم إلغاؤه من طرف السلطة.
لعلّ الخبر السيء الذي تسمعه الحكومة هذه الأيّام كل صباح، هو التهاوي المتواصل لأسعار النفط
وتضمّن مخطط عمل الحكومة، الذي عُرض على البرلمان الشهر الماضي، عدّة إجراءات تهدف إلى تهدئة الجبهة الاجتماعية، كإلغاء الضريبة على الدخل والزيادة في رواتب بعض الموظفين، إضافة إلى المحافظة على مجانية بعد الخدمات، وهي تكاليف ستُرهق كاهل الاقتصاد المتآكل سنويًا، والمبني على عائدات الجباية البترولية فقط.
اقرأ/ي أيضًا: صعد البترول.. هبط البترول
تكاليف ثقيلة
وعد الوزير الأوّل عبد العزيز جرّاد، لدى عرضه مخطّط عمل الحكومة على البرلمان، بالقيام بجملة من الإجراءات في المجال الاقتصادي، التي ستكلّف لدى بدايتها الخزينة العمومية، مزيدًا من النفقات بهدف إعطاء ثمارها المالية فيما بعد.
وقال جرّاد إن الحكومة عازمة على تحسين الاقتصاد الوطني، عن طريق سياسة متجدّدة تقوم على ضمان الأمن الغذائي والتحوّل الطاقوي والرقمي، قوامها إصلاحٌ عميق للمنظومة المالية، يرتكز على إعادة هيكلة النظام الجبائي، وإقرار قواعد جديدة لتسيير ميزانية مبنية على نظام إحصائي مبتكر ودقيق، فضلًا عن صرامة الهندسة المصرفية والمالية.
وأوضح الوزير الأوّل، أن النظرة الاقتصادية لحكومته ستبنى على هيكلة الاقتصاد حول القطاعات الخلاقة للثروة لا سيما، في مجالات الطاقات المتجدّدة والسياحة واقتصاد المعرفة، وتشجيع الإنتاج الوطني وحمايته، ودمج النشاطات الموازية ورفع قيمة الصادرات الوطنية وتخفيض الواردات والعجز التجاري.
وأشار إلى أن الحكومة، ستعمل على التقليل من نسبة البطالة التي ارتفعت العام الماضي إلى أكثر من 11 في المائة، وتوفير مناصب شغل للعاطلين عن العمل، إضافة إلى تحسين القدرة الشرائية، ومراجعة الأجر القاعدي المضمون وتخفيف العبء الضريبي على الأجور الضعيفة، ومساعدة الفئات الهشّة والمحافظة على منظومة الضمان الاجتماعي والتقاعد ودعمهما.
ولم يخف الوزير الأوّل، صعوبة تمويل هذه المشاريع، فوعد بحشد السلطات العمومية كافة الاعتمادات المالية اللازمة، لتجسيد مشاريع التنمية خاصّة قطاعات التربية والصحّة.
يقول الخبير الاقتصادي نبيل جمعة لـ "الترا جزائر"، إنّه "في حال استطاعت الحكومة ترشيد النفقات والسيطرة والتحكّم في الاستيراد العشوائي، ووقف تضخيم الفواتير والتبذير في المؤسّسات العمومية كشركة الخطوط الجوية الجزائرية وسونلغاز وسونطراك، ستتمكّن من تغطية هذه النفقات التي تضمنها مخطّط عمل الحكومة".
وأضاف جمعة، أن حكومة جراد مطالبة أيضًا بالتحكم في صرف العملة الصعبة، خاصّة الخدمات التي تصل تكلفتها إلى 13 مليار دولار في كل سنة، والاستيراد الذي يستنزف 49 مليار دولار من الخزينة العمومية.
واقع ضاغط
ولا ينحصر الوضع الاقتصادي الصعب الذي تواجهه الحكومة على جملة المشاريع والنفقات المطالبة بها للوفاء بالتزاماتها، أو لشراء السلم الاجتماعي، كما يقول خصومها، بالنظر إلى تقلّص المداخيل المالية، واتساع نطاق الغضب وسط الجبهة الاجتماعية.
ولعلّ الخبر السيء الذي تسمعه الحكومة هذه الأيّام كل صباح، هو التهاوي المتواصل لأسعار النفط، التي وصلت حتى 35 دولارًا، وهو أقل من السعر الذي بنت عليه الجزائر ميزانيها للعام الجاري، الأمر الذي يقلّل من الفائض المالي خارج القيمة المحدّدة في قانون المالية، ما يخفض عائدات صندوق ضبط الإيرادات وما يوجه لضبط عجز الميزانية سنويا.
ويصاحب هذا الانخفاض في سعر البترول، شحّ الاستثمارات الأجنبية، خاصّة خارج مجال النفط، رغم مراجعة الحكومة قانون الاستثمار الأجنبي وقاعدة 51/49، والمصادقة على قانون جديد للمحروقات.
ويضاف إلى هذا الانخفاض المستمرّ لقيمة العملة الوطنية الدينار، أمام العملات الأجنبية، إضافة إلى الاحتقان في صفوف الطبقة الشغيلة كأساتذة التعليم الابتدائي والأئمة والمضيفين وغيرهم الذين نظموا عدّة احتجاجات.
وما يخيف أستاذ الاقتصاد محمد حميدوش، في عمل الحكومة الحالية، أنها قدمت "أسوأ برنامج حكومي" في السنوات الأخيرة، حيث إنها لم تحدّد الأولويات التي يجب أن تعمل عليها، مثلما أوضح لـ "الترا جزائر".
وأشار حميدوش، إلى أنه على طاقم عبد العزيز جراد الإسراع في تحديد الملفات التي ستشكّل لها ملفات عاجلة، وحدّد عددًا منها، مثل إصلاح النظام الضريبي، ونظام الدعم العمومي، ودعم منطقة الجنوب، ومراجعة قوانين الاستثمار، وجعل الدينار عملة حقيقية، وتحديد القوانين الأساسية التي تسير المؤسّسات العمومية.
ودعا حميدوش إلى الذهاب فورًا إلى تفعيل عمل بورصة الجزائر، والتقليص من نسبة البطالة، وإصلاح صندوقي التقاعد والضمان الاجتماعي.
طبع النقود
مع قلة المداخيل الخارجية وشح الاستثمار، لا تبدو الخيارات الموجودة لدى السلطة كثيرة لتغطية الرهانات الاجتماعية والاقتصادية، لذلك يعود مقترح اللجوء إلى التمويل غير التقليدي بطباعة النقود بقوة.
ولا يزال قانون النقد والقرض المعدّل الذي أقرّه الوزير الأول السابق أحمد أويحيى في 2017 ساري المفعول، والذي يسمح لبنك الجزائر بإقراض الخزينة العمومية عن طريق طبع النقود، رغم العيوب التي وجّهت له، والتلاعب الذي حدث في هذه العملية من قبل نظام الرئيس السابق.
لكن الأكاديمي نبيل جمعة، يوضّح لـ "الترا جزائر"ّ، أن الوضع الحالي لا يسمح باللجوء إلى طبع النقود لأنّ "الديون الداخلية وصلت إلى 45 في المائة، من الناتج الإجمالي والمؤسّسات المالية الدولية، لا تقبل هذا المعيار الذي يجب ألا يتعدى ثلاثة في المائة".
وأضاف المتحدّث، أنه رغم ذلك "يجب تغيير قانون النقد والقرض، والذهاب نحو التمويل عن طريق الاستدانة الخارجية الذي أقرّه مخطط الحكومة ولا عيب في ذلك، إذا وجه للاستثمارات المنتجة".
أمّا الخبير الاقتصادي محمد حميدوش، فيوضح في حديث إلى "الترا جزائر"، أن عملية طبع النقود ليست مشكلة بالأساس في الاقتصاديات الحقيقية، فهي تتمّ دوريًا من قبل البنك الأوروبي والبريطاني وغيرهما، إنّما المشكل في أن هذا التمويل غير التقليدي لا يوجّه في الجزائر نحو دفع الاقتصاد وتمويل الاستثمارات المنتجة، أو طرحه في البورصة كسندات.
على الحكومة الالتزام بتعهّدات التي قطعتها للتقليل من العجز التجاري الذي بلغ 10 مليارات دولار العام الماضي
ومهما كانت الطريقة التي ستعتمدها الحكومة لتأمين تمويل الرهانات الاجتماعية والاقتصادية التي وضعتها، يبقى عليها على الأقلّ، الوفاء بالتعهدات التي قدمتها للتقليل من العجز التجاري الذي بلغ 10 مليارات دولار العام الماضي.
اقرأ/ي أيضًا:
دول "أوبك" تمدّد اتفاق خفض الإنتاج جرّاء "كورونا"
فيروس كورونا يجبر "أوبك" على خفضٍ جديدٍ للإنتاج