27-أكتوبر-2021

الجزائر متمسكة بعدم اللجوء إلى صندوق النقد الدولي (الصورة: الجزيرة)

 

لم يتضمّن قانون المالية للجزائر لعام 2022، أي بند باللجوء للاستدانة الخارجية رغم توقع تسجيل حجم عجز كبير قد يصل إلى 30 مليار دولار، في قرار واضح من الحكومة يرفض الأخذ بتوصيات صندوق النقد الدولي الذي تظلّ علاقته بالسلطة الجزائرية مربوطة على بالدوام بالاتهامات المتبادلة حول حقيقة اقتصاد البلاد.

يصدر صندوق النقد الدولي دوريًا تقارير بشأن اقتصاد الجزائر تعتبرها الحكومة سلبية ولا تعبر عن حقيقة الوضع المالي والتجاري للبلاد

ويصدر صندوق النقد الدولي دوريًا تقارير بشأن اقتصاد الجزائر، تعتبرها الحكومة سلبية ولا تعبر عن حقيقة الوضع المالي والتجاري للبلاد، وتصنف توصياته في خانة النصائح التي تهدف إلى المساس بسيادتها وطابع نظامها الوطني الاجتماعي.

اقرأ/ي أيضًا: الجزائر تتّجه إلى الاستدانة الخارجية.. العودة إلى إملاءات صندوق النقد الدولي؟

توصيات جديدة

في الرابع من تشرين الأول/أكتوبر الجاري، أصدر صندوق النقد الدولي تقريرًا حول  المناقشات التي جمعت فريقًا من خبرائه بقيادة جنيفياف فيردييه عن بعد مع السلطات الجزائرية خلال الفترة الممتدة من 13 أيلول/سبتمبر إلى الثالث تشرين الأول/أكتوبر 2021.

وجاء في التقرير أنه " كان لجائحة "كوفيد-19" والتراجع المتزامن في إنتاج وأسعار النفط انعكاسات سلبية على الاقتصاد الجزائري في السنة الأخيرة ، مما أدّى إلى انكماش حاد في إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 4.9% في عام 2020".

وأشار التقرير إلى أن التدابير المتخذة من قبل السلطات للحد من تأثير الجائحة على الاقتصاد، كتأجيل دفع الضرائب، وزيادة الإنفاق على الصحة، وصرف إعانات البطالة، والتحويلات الفورية للأسر ذات الدخل المنخفض وتخفيضات في معدل الفائدة التوجيهي للبنك المركزي وفي نسبة الاحتياطيات الإجبارية، وتخفيف القواعد الاحترازية المطبقة على البنوك قد كشفت عن مواطن هشاشة الاقتصاد الجزائري.

وحسب التقرير، فإنّ "الاختلالات الاقتصادية الكلية المسجلة منذ فترة طويلة كانت السبب في ضيق هامش المناورة لأصحاب القرار، كما أدّت سياسة المالية العامة التوسعية المتّبعة منذ عدة سنوات إلى زيادة مستويات العجز في الحساب الجاري الخارجي، رغم سياسة تقليص الاستيراد، وإلى ارتفاع كبير في الاحتياجات التمويلية التي تمت تلبيتها إلى حدّ كبير عن طريق البنك المركزي".

وإن اعترف صندوق النقد الدولي بتسجيل انتعاش تدريجي في الاقتصاد الجزائري، وتوقع تجاوز النمو نسبة 3 بالمائة في 2022، إلا أنه يرى أنه "لا تزال هناك ضرورة ملحة للعمل على استعادة الاستقرار الاقتصادي الكلي وهامش المناورة، مع حماية الفئات الأكثر ضعفا ودعم الانتعاش".

ودعا خبراء الصندوق الحكومة إلى القيام بحزمة شاملة ومتماسكة من السياسات المالية والنقدية وسياسات أسعار الصرف لمواجهة الاختلالات في الاقتصاد الجزائري، وتحسين تحصيل الإيرادات، وخفض الإنفاق، وتعزيز كفاءته، وحظر التمويل النقدي لتجنب المزيد من التضخّم والنفاذ السريع للاحتياطيات، مع تنويع مصادر تمويل الميزانية، بما في ذلك الاقتراض الخارجي.

رفض جزائري

غير أن توصيات صندوق النقد الدولي لا تحظى بالقبول لدى السلطات الجزائرية، فقد وجه الرئيس عبد المجيد تبون في آخر مقابلة تلفزيونية له انتقادات لاذعة للمؤسسة الدولية.

وقال تبون وهو يردّ على سؤال متعلق بتوصيات صندوق النقد الدولي للتوجه نحو الاستدانة الخارجية إن "صندوق النقد الدولي دوّخنا وداخ"، مضيفًا "كأنهم يسطرون لنا طريقًا للتوجه إلى الاستدانة.. لن نتوجه نحو استدانة خارجية وهذا من باب المستحيلات، ولن أذهب بالبلاد إلى الانتحار".

وأوضح تبون أن الجزائر تملك حرية اتخاذ قراراتها، ولن تقبل ضغطًا من المؤسسة الدولية للاتجاه نحو الاقتراض الخارجي، مستغربًا في الوقت نفسه، من توصيات الصندوق النقد الدولي الداعية لتأجيل تطبيق الإصلاحات الهيكلية، مؤكدًا أن الدولة الجزائرية ماضية في تنفيذ هذه الإصلاحات بكل سيادة.

ولفت تبون إلى إن البنك الدولي له موقف مغاير لصندوق النقد الدولي، حيث أكّد قدرة الاقتصاد الجزائري على التحمّل أمام المخاطر التي فرضتها جائحة كورونا وتدني أسعار النفط في السنوات الماضية.

تجربة صعبة

إذا كانت العديد من الدول تبحث عن فرص الحصول على قروض من صندوق النقد الدولي رغم حجم الفوائد المترتبة عن هذه الاستدانة، فإن الأمر يختلف في الجزائر بالنظر للفترة الصعبة التي عاشتها خلال تسعينيات القرن الماضي في مفاوضاتها مع الصندوق وجولات إعادة جدولة الديون الخارجية.

وتسبب الاقتراض من صندوق النقد الدولي في مديونية خارجية للجزائر بلغت 32 مليار دولار، إضافة إلى إلزام الحكومة بجملة من الإجراءات تمثلت في تسريح آلاف العمال وغلق عدة مؤسّسات اقتصادية وخوصصتها، وهي الإجراءات التي أثرت على أداء الاقتصاد الجزائري ولازالت تبعاتها مستمرّة حتى اليوم رغم دفع المديونية الخارجية كليًا في عهد الرئيس السابق الرحل عبد العزيز بوتفليقة.

لكن هذا الرفض المتواصل لتوجيهات صندوق النقد الدولي، وبالخصوص في جانبه المتعلق بالاستدانة الخارجية لم يمنع من تواصل المشاورات والتعاون بين الطرفين، ففي 2012 وفي قرار استهجنته جهات داخلية، قامت الحكومة الجزائرية بالمشاركة في القرض الذي طرحه صندوق النقد الدولي للاكتتاب بمبلغ 5 مليارات دولار، وذلك عبر اتفاق شراء سندات محررة في شكل حقوق السحب الخاصة.

التقرير الأخير رحب ببعض الخطوات التي اتخذتها الجزائر  مثل تقليص القيود المفروضة على الاستثمار الأجنبي المباشر

ورغم حاجة الجزائر للحصول على تقارير إيجابية من صندوق النقد الدولي لتحسين صورتها الاقتصادية خارجيًا، وبالخصوص لجذب الاستثمار الأجنبي، إلا أنها تبقى في الوقت الحالي قادرة على عدم تنفيذ توصياته وشروطه بما أنها في أريحية مالية، كما أن المرحلة المقبلة قد تؤسّس لعلاقة ودية بين الطرفين، بالنظر إلى أن التقرير الأخير رحب ببعض الخطوات التي اتخذتها الجزائر، مثل تقليص القيود المفروضة على الاستثمار الأجنبي المباشر وعصرنة الإطار القانوني للاستثمار والمنافسة، وتخفيف الأعباء الإدارية والإصلاحات المقبلة للحد من الفساد.

 

اقرأ/ي أيضًا:

وزارة الفلاحة: استقرار أسعار اللحوم البيضاء بداية من أكتوبر الجاري

ارتفاع جنوني في الأسعار.. المواطن الجزائري يتساءل عن الأسباب