31-ديسمبر-2019

الحراك الشعبي مازال متواصلًا (تصوير: رياض كرامدي/أ.ف.ب)

لم تكن سنة 2019 عادية في الجزائر، ولم تكن على الإطلاق شبيهة بسابقاتها من السنوات، بالنظر إلى زخم الأحداث المتسارعة التي شهدتها، خاصّة في شقها السياسي منذ انطلاق الحراك الشعبي في الـ 22 شبّاط/فيفري الماضي.

عرفت هذه السنة، بسبب استمرار انخفاض أسعار النفط، غليان الجبهة الاجتماعية في جميع المجالات

بدأت سنة 2019 في الجزائر، باستدعاءٍ منتظرٍ من الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة للهيئة الناخبة، في 18 كانون الثاني/جانفي، لإجراء انتخابات رئاسية أربعة أشهر.

وفي الـ 9 شباط/فيفري، نظّمت أحزاب التحالف الرئاسي تجمّعًا شعبيًا دعت فيه بوتفليقة للترشّح لولاية خامسة، فاستجاب لها بإعلانه بعد يوم واحد فقط، لتتصاعد بعدها الدعوات المطالبة بالخروج إلى الشارع رفضًا للعهدة الخامسة، إذ لاقت استجابة شعبية واسعة، انتهت بتنظيم مسيرة في الـ 22 فبراير/الماضي بالعاصمة وفي عدّة ولايات، إيذانًا بانطلاق الحراك الشعبي الجزائري.

رغم هذه الاحتجاجات، واصل الرئيس الذي اضطر للسفر من جديد إلى جنيف لتلقّي العلاج، تحدّيه لإرادة الجزائريين، وكلّف مدير حملته الانتخابية عبد الغني زعلان، بإيداع ملفّ ترشّحه نيابةً عنه يوم 3 آذار/مارس 2019.

وفي 10 آذار/مارس من العام نفسه، عاد بوتفليقة إلى الجزائر وسط احتجاجات ضخمة رافضة لترشّحه لولاية خامسة، غير أنّه تجاهلها واكتفى بتقديم وعودٍ بتنظيم انتخابات رئاسية في ظرف سنة، وأجرى تغييرًا حكوميًا في الـ 11 من الشهر نفسه، وعيّن نور الدين بدوي وزيرًا أول.

هذه التغييرات لم تكن كافية لإخماد غضب الشعب، الذي ازداد قوّة بعد دخول المؤسّسة العسكرية كلاعبٍ أساسيٍ منحاز إلى الحراك، فقد دعا رئيس أركان الجيش الراحل الفريق أحمد قايد صالح في 26 آذار/مارس إلى تطبيق المادة 102 من الدستور، التي تنصّ على إعلان شغور منصب رئيس الجمهورية بسبب وضعه الصحيّ.

استقالة بوتفليقة ومجيء تبون

وفي 30 آذار/مارس كشف قايد صالح عن اجتماع مشبوهٍ جمع رئيسي المخابرات السابقين الجنرال توفيق واللواء بشير طرطاق والسعيد بوتفليقة، للالتفاف على الحراك وإجهاضه، لتشتدّ المعركة بين الجيش ومحيط الرئيس بوتفليقة الذي وجد نفسه مضطرًا لتقديم استقالته في الـ 2 نيسان/أفريل، بعدما دعاه قائد الأركان إلى التنحّي الفوري.

 ألغيت انتخابات 18 نيسان/أفريل، وتولّى عبد القادر بن صالح رئاسة الدولة مؤقتًا إلى غاية انتخاب رئيس جديد، ودعا إلى تنظيم انتخابات في 4 تمّوز/جويلية، ولكنّها ألغيت مرّة أخرى بعد فشل المشاورات التي أطلقها الرئيس المؤقّت المرفوض شعبيًا.

ومع إصرار الحراك الشعبي على رفض أي مبادرة من السلطة، بدأ حبل الود بين المتظاهرين والراحل قايد صالح في الانقطاع، خاصّة بعد حملة اعتقالات طالت نشطاء الحراك وحاملي الراية الأمازيغية، ومرافعته لإجراء انتخابات رئاسية مستعجلة عبر خطاباته الأسبوعية، استثمرت في حالة رفض الحراك تقديم ممثّلين عنه أو محاورة الحكومة، وكان له وللسلطة ما يريدان، وأجريت انتخابات رئاسية في 12 كانون الأول/ديسمبر، فاز فيها عبد المجيد تبون بكرسي الرئاسة، في اقتراع لم تصل نسبة المشاركة فيه 40 في المائة.

استلم الرئيس الجديد الحكم رسميًا يوم 19 كانون الأوّل/ديسمبر، لكنه فُجع في 23 من الشهر ذاته برحيل قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، الذي كان له دورٌ أساسيٌّ في وصوله إلى الحكم.

محاكمات مدوّية

وقبل إجراء هذا الاقتراع، حرصت السلطة على فتح تحقيقات قضائية واسعة ضدّ رموز نظام الرئيس السابق، ففي الـ 4 أيار/ماي الماضي، تم توقيف السعيد بوتفليقة ورئيسي المخابرات السابقين الجنرال توفيق والجنرال بشير طرطاق بتهمة التآمر ضدّ الجيش، إضافة إلى لويزة حنون الأمينة العامة لحزب العمال المتّهمة في القضية نفسها.

بدأت محاكمة المتّهمين في الـ 23 أيلول/سبتمبر، لتتمّ إدانتهم يوم 25 من الشهر نفسه بـ 15 سجنًا نافذًا، أمّا الجنرال الفّار إلى الخارج خالد نزار ونجله لطفي، فأدينا بـ 20 سنة سجنًا نافذًا.

الأمر لم يختلف أيضًا في القضاء المدني، فجملة التحقيقات التي تمّت مباشرتها كشفت ضخامة الفساد الذي كان مستشريًا في نظام بوتفليقة، بدءًا بوزيره الأوّل أحمد أويحيى الذي أودع الحبس المؤقّت في 12 حزيران/جوان الماضي، ليلتحق به بعد يوم واحد فقط، الوزير الأوّل عبد المالك سلال.

خلال هذه التحقيقات المتواصلة، تم وضع عدّة وزراء رهن الحبس مثل عبد الغني زعلان، وجمال ولد عباس، ومحجوب بدة، يوسف يوسفي وغيرهم. وبالنظر لاختلاط المال الفاسد بالسياسة في الجزائر، فالتحقيقات أثبتت تورّط عدّة رجال أعمال، في قضايا تتعلّق بالتهرب الضريبي وتبديل المال العام، واستغلال النفوذ وغيرها، فتم حبس كل من يسعد ربراب وعلي حداد ومحي الدين طحكوت والإخوة بن حمادي والإخوة عولمي والإخوة كونيناف وغيرهم، إضافة إلى رجل الأعمال محمد جميعي الأمين العام لجبهة التحرير الوطني.

وفي 5 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، انطلقت أولى محاكمات قضيّة تركيب السيّارات والتمويل الخفي للحملة الانتخابية للرئيس السابق، لتنتهي المحاكمة بإدانة الوزيرين الأوّلين السابقين أويحيى وسلال بـ 15 سنة سجنًا نافذًا، و20 سنة لوزير الصناعة الهارب عبد السلام بوشوارب، وهي القضيّة التي أدين فيها وزراء ورجال أعمال بأحكام وصلت حتى 10 سنوات سجنًا نافذًا.

حوادث وكوارث

كان لهذا المشهد السياسي المتسارع تأثيرًا على الاقتصاد، خاصّة بعد تشديد الرقابة على مؤسّسات الدولة، ولعل أهم إنجازٍ اقتصادي كان في المجال الفلاحي بعد إعلان الحكومة عدم استيراد القمح الصلب والشعير في سنة 2020، بعد وفرة المحصول المسجّل الموسم الفلاحي المنقضي.

عرفت هذه السنة أيضًا، بسبب استمرار انخفاض أسعار النفط، غليان الجبهة الاجتماعية على جميع الأصعدة، إذ شهدت إضراب الأستاذة والقضاة والمحامين والصيادلة ونقابة البنوك وسائقي سيّارات الأجرة منذ مطلع السنة الجارية، ورفع غالبيتهم مطالب اجتماعية ومهنية.

كان للحوادث والكوارث نصيب وافر من هذه السنة في الجزائر، حيث أتلفت حرائق الغابات أكثر من سبعة آلاف هكتار في كل مناطق البلاد، وفي قطاع الصحّة، أدى حريق بمستشفى الأم بولاية وادي سوف جنوب شرق البلاد، إلى وفاة 8 رضع، يوم الـ 24 أيلول/سبتمبر الماضي.

ليست الحرائق وحدها من تقتل في الجزائر، فبالإضافة إلى حوادث المرور واختناقات الغاز والتسمّمات الغذائية، تسبّب حادث التدافع في حفل نجم الراب سولكينغ، نظم يوم 22 آب/أوت الماضي، إلى وفاة خمسة أشخاص، وهو الحادث الذي أرغم وزيرة الثقافة مريم مرداسي على الاستقالة بعد 48 ساعة فقط من هذه الفاجعة.

يبدو أن المشهد الثقافي في 2019 لم يكن ورديًا هذه السنة، فقد عرف رحيل الشاعر ميلود عبد القادر في 3 أيلول/سبتمبر، وفي 17 من الشهر ذاته رحل المخرج موسى حداد، صاحب الأعمال الخالدة في السينما الجزائرية، من بينها "عطلة المفتش الطاهر" و"أولاد نوفمبر" و"حسان تيرو"، وفي 16 كانون الأوّل/ديسمبر غادرنا الفنان محمد العماري.

تتويجات رياضية

ومثل ما كان الأمر في السنوات الماضية، سجّل المشهد الرياضي إخفاقات في جلّ الرياضات، ما عدا الإنجاز الكبير الذي حققه المنتخب الوطني لكرة القدم، بعد أن توّج رفقاء رياض محرز  بكأس أفريقيا للأمم في مصر يوم 19 تموز/جويلية للمرّة الثانية في تاريخه، بعد 29 سنة من أوّل تتويج أفريقي والذي كان بالجزائر.

وفي ألعاب القوى، تمكّن البطل الأولمبي توفيق مخلوفي من الحصول على فضية سباق 1500 متر يوم الـ 6 تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي خلال البطولة العالمية التي احتضنتها العاصمة القطرية الدوحة.

الحراك الشعبي يبقى الحدث الأبرز هذه العام، خاصّة وأنّه مازال يرفع مطالبه التي نادي بها في الأشهر الأولى

صحيح أن سنة 2019 في الجزائر، كانت زاخرة بالأحداث والمفاجآت على جميع الأصعدة، إلا أن الحراك الشعبي يبقى الحدث الأبرز هذه العام، خاصّة وأنّه ما زال يرفع مطالبه التي نادي بها منذ شهر شبّاط/فيفري الماضي، ويواصل الصمود في الشارع، رغم حملة الاعتقالات والقمع التي تطال نشطاءه والتعتيم الإعلامي الممارس عليه.