10-مايو-2022

(الصورة: العربي)

يعود الجدل في الجزائر خلال هذه الأيام إلى مسألة الحبس المؤقّت، عقب وفاة المعتقل حكيم دبازي في سجن القليعة غرب العاصمة الجزائرية، والتي لا زالت التّحقيقات لم تكشف بعد أسباب وفاته، غير أنه زجّ به في السجن في 22 شبّاط/فيفري الماضي، وتوفي في الـ 18 نيسان/أفريل الجاري، لتطرح العديد من التساؤلات حول وفاته ومحاكمته بسبب منشورات في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، وتركه في الحبس المؤقّت إلى حين.

في كثير من الأحيان يغادر هؤلاء الموقوفون السجن بمجرد صدور الأحكام النهائية في حقهم لأنهم استنفدوا أحكامهم في الحبس المؤقت 

غالبًا ما تمّت عملية سلب الحرية للعشرات من المساجين بوضعهم رهن الحبس المؤقّت بسبب عدم توافر الأدلّة القاطعة في نسبة الجريمة المرتكبة من طرفهم، والقرائن التي تدينهم عن جرائم وجهت لهم التهم بارتكابها.

وفي الفترة الآخيرة، وضعت السلطات القضائية عددًا كبيرًا من النشطاء ومعتقلي الحراك ومسؤولين سابقين في الحبس المؤقت لفترات طويلة على غرار وزيرة الثقافة السابقة خليدة تومي، وفي كثير من الأحيان يغادر هؤلاء الموقوفون السجن بمجرد صدور الأحكام النهائية في حقهم لأنهم استنفذوا أحكامهم في الحبس المؤقت

حبس غير مبرّر

قانونيًا، الحبس المؤقّت هو "إجراء استثنائي تسلب فيه حرية المتهم فترة من الزمن تستوجبها مصلحة التحقيق"، حسب المحامية آمال بوطالب في تصريح لـ"الترا جزائر" لافتة إلى أن السؤال الأهم في هذه الحالة: "هل أجرت المصالح المعنية التّحقيقات في العديد من حالات الحبس المؤقت؟".

كما لفتت المحامية إلى أنّه هناك أخطاءً كثيرة ترتكب في بعض حالات المساجين، وهو حبسهم في السجن بصفة مؤقّتة لكنها تطول لأكثر من سنة وسنتين ثم يطلق سراح المتّهم إما ببراءته أو بسبب عدم كفاية الأدلة التي استندت عليها المحكمة في حبسه في السابق.

وتقع السلطات المعنية هنا تحت طائلة تعويض المعني بالحبس المؤقّت غير المبرّر، وذلك وفق أحكام قانون الإجراءات الجزائرية الجزائري، لكن يتمّ ذلك في حالة ما إذا طالب المتضرر بتلك التعويضات عن كرامته وحريته التي سلبت منه سابقًا.

أسئلة كثيرة تطرح اليوم حول الحبس المؤقت الذي بات يهدد حقوق المواطنين ويخيف الكثيرين، ممن لم يثبت إدانتهم في عديد القضايا الموقوفة، إذ يبقى عبارة عن صراع بين سلطة الدولة في العِقاب من جانب وحقّ المتهم في احترام حريته وإنسانيته من جهة أخرى.

حجة التحقيق

وفق ما سبق، فإن خطورة هذا الحبس على الموقوفين أنه غير محدد المدة ويستند إلى حجج ضبابية وقد تتجاوز المدة السنتين أحيانًا، إذ كثيرًا ما تأمر السلطات القضائية المختصة بوضع فرد رهن الحبس المؤقّت، مستهدفة تأمين مسار إجراءات التحقيق وتسهيل إيجاد إجابات على تعقيدات القضية وإنهاء التحقيق، وإصدار الحكم في حقّ المتهم، لكن ماذا لو لم تتمّ هذه التدابير وبقي المسجون معلّقًا بين انتظار التحقيقات وبين عرضه على المحاكمة ثم إصدار الحكم.

لكن هذا لا يمكننا أن نتغافل عن بعض القضايا الكبرى التي لا تكفي مدة الحبس المؤقت مدة قصيرة، إذ لا يمكن لقاضي التحقيق أن يلمّ بكل تفاصيلها ما يستوجب الحبس المؤقت الذي يطول أكثر سنة مثلما وقع مع المسؤولين المتّهمين في قضايا فساد.

تشير جهات قضائية أن الجزائر لازالت تعالج الآلاف من ملفات المحبوسين مؤقتا عبر مختلف المؤسّسات العقابية خلال العشرية الأخيرة، إذ تراوح سجنهم ما بين ستة أشهر إلى أكثر من أربع سنوات، تبعا للقانون، وذلك ما أثار مخاوف المحامين من هذه الإجراءات " التعسفية".

الحرّيات الفردية 

وذكر أستاذ القانون عبد المالك قاسمي أنه من أجل حماية حقوق الأفراد وحرياتهم فإن السلطات المعنية مطالبة بتطبيق القوانين بطريقة سليمة، موضحًا في إفادته لـ " الترا جزائر" أن حلّ معضلة "الحبس المؤقت" تمرّ عبر تحقيق العدالة والوصول إلى الحقيقة دون المساس بحريات الأفراد".

وأضاف في هذا الصدد أنه حيثما لم تملك الجهات القضائية أدلة دامغة فعليها أن تضع المتهمين تحت الرقابة القضائية دون حبسهم، وسير الدعوى في مرحلة التحقيق.

وأكد بأن الحبس المؤقت هو أهم موضوعات القانون الجنائي التي لازالت تثير العديد من المشكلات القانونية والعملية حوله، إذ هو " إجراء خطير يمسّ الأفراد".

انتقد عبد المالك قاسمي بعض القضاة بخصوص الإفراط في استعمال السلطة لفرض الحبس المؤقت

وحذّر الأستاذ قاسمي بعض القضاة مما أسماه "الإفراط في استعمال السلطات المخولة لهم بخصوص الأمر بالحبس المؤقت وأن هذه الخطوة تعتبر " إخلالا وظيفيا" خاصة إن كان غير مبرّرا إذ يحمِل بذلك إساءة للمتّهم الذي لم تثبت إدانته بعد".

تسريع التّحقيقات

بصرف النَّظر عن تسمية، "الحبس المؤقت التعسّفي" أو "الحبس المؤقت غير المبرّر" أقرّ المشرِّع الجزائري مسؤولية الدولة عن الحبس المؤقت السالب للحرية، إذ تعرض هذا القانون إلى عدة تعديلات آخرها أشارت فيه المادة 125 مكرّر من قانون الإجراءات الجزائية بأن لا تتجاوز مدته ثمانية أشهر في الجنح و60 شهرا في الجنايات وهذا باختلاف العقوبة التي يقررها القانون.

وتدعو العديد من الأطراف إلى توجيه تعليمات الى قضاة التحقيق تحثّهم فيها بالإسراع في إجراءات التّحقيق وعدم تأجيلها، خاصة ما تعلّق منها القضايا البسيطة، وفي المقابل من ذلك يقترح البعض من القانونيين ضرورة أن يقضي المتّهم الحبس المؤقّت في مؤسّسات خاصة، بينما بالنّسبة للأحداث الجانحين أن يتم إيداعهم في مركز تربوية تفاديا لآثار السجن السلبية. 

متّهم بلا تهمة

اجتماعيًا، هناك العشرات من المحبوسين في ظروف استثنائية، إلا أن التحقيقات كشفت في النهاية براءتهم وهو ما يعني أنهم سيواجهون المجتمع بصفة سجين سابق، ثم يحملون لوثيقة:" مسجون بريء".

هذه الإعاقة الاجتماعية، تكلف الكثير بالنسبة للعشرات، خصوصا إن كانت العودة للحياة ليست بالسهلة أمامهم، إذ ترى الأخصائية الاجتماعية وسيلة بوسعدية من كلية علم الاجتماع بجيجل أن الظروف التي تجري فيها الحبس تترك أثرها على المساجين وتهدد مستقبلهم الاجتماعي عموما والمهني خاصة.