12-فبراير-2020

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (تصوير: بلال بن سالم/Getty)

تزامن وصول عبد المجيد تبون إلى رئاسة الجمهورية، مع التصعيدات الأمنية على الحدود الجنوبية الشرقية للجزائر، وتطوّرات ميدانية وإقليمية في الساحة الليبية. تداعيات ترتّب عنها تحرّك وإنزالٌ دبلوماسيٌّ مكثّف على قصر المرادية، حيث تصدّرت الأجندة الخارجية واجهة النشاط الرئاسي، واستقبل تبون خلال الفترة التي تلت مجيئه للحكم، عدّة رؤساء ووزراء خارجية دول أجنبية. وحضر مؤتمر برلين الدولي حول الأزمة الليبية، وشارك في قمّة الاتحاد الأفريقي الـ 33.

وتيرة الاصلاحات السياسية التي وعد بها تبون، لم تتجاوز الجوانب الشكلية والتقنية، على غرار مشروع تعديل الدستور

وبينما يقترب الحراك الشعبي من عامه الأوّل، حيث مازال آلاف يخرجون الجزائريين إلى الشارع تعبيرًا منهم على تمسّكهم بمطالبهم، ورفضًا لمخرجات الانتخابية الرئاسية الماضية، تتباين المواقف في الوسط السياسي والإعلامي حول التحرّك الدبلوماسي للرئيس تبون، بين مرحّب بعودة الدور الجزائري على الساحة الدولية، وبين متخوّف من الاستثمار والاستغلال السياسي، وبين طرفٍ يرى أولية ترتيب الشأن الداخلي، دون تجاهل الدور الدبلوماسي الخارجي.

اقرأ/ي أيضًا: أوّل خرجة دولية لـ عبد المجيد تبون.. البحث عن شرعية دولية أم تموقع إقليمي؟

أولوية للوضع الداخلي

هنا، يرى بعض المتتبّعين أن الوضع الداخليّ، يعرف هشاشةً وعدم استقرار، وهو بحاجة إلى معالجةٍ سريعةٍ؛ فالسياق الذي انتُخب فيه عبد المجيد تبون، جاء بعد مخاضٍ سياسيٍّ عسير، حيث تشهد الجزائر منذ 22 شباط/فبرير مظاهرات غير مسبوقة، وبينما يتمسّك جزءٌ كبير منها بالتغيير الجذري للنظام، يطالب قطاع واسع من المحتجين، بإجراء إصلاحات سياسية عميقة، تدعوا إلى حلّ كلّ المؤسّسات السياسية والاقتصادية، التي لها علاقة بمنظومة الحكم، مطالبين بالذهاب إلى مرحلة انتقالية توافقية.

وتيرة متباطئة

 بيد أن وتيرة الاصلاحات السياسية التي وعد بها تبون، لم تتجاوز الجوانب الشكلية والتقنية، على غرار مشروع تعديل الدستور، دون بُعد سياسيٍّ عميق، أو استشارة مجتمعية موسّعة، يُفتح على ضوئها الفضاء الإعلام العمومي للحديث بحرّية عن المحاور الرئيسية، وتُعرض فيه نقاشات متعارضة ومتناقضة مع تصوّرات السلطة.

وكان تبون، قد تعهّد خلال حملته الانتخابية ببناء جمهورية ثانية جديدة، لكن وبحسب مراقبين، فإن وتيرة الإصلاحات البطيئة، قد لا تُبشر بوجود إرادة سياسية قويّة وصادقة، نحو الذهاب إلى إصلاحات سياسية جذرية.

 يذكر أن رئاسة الجمهورية، اكتفت باستقبال بعض الشخصيات الوطنية، ورؤساء أحزاب سياسية، الهدف من ورائها يقول مراقبون، هو فكّ العزلة عن رئاسة الجمهورية، بعد المقاطعة السياسية الذي عرفها رئيس الدولة السابق، عبد القادر بن صالح.

ويعزّز فكرة عدم وجود إرادة السياسية في الإصلاح، ارتجال الرئيس في إدارة الشأن السياسي والاقتصادي، حيث أنّه بعد شهرين من تنصيب تبون رئيسًا للجمهورية، لا تزال بعض الملفّات السياسية الحساسة عالقة، مثل ملفّ معتقلي الرأي، ولم تتّخذ في هذا السياق، أيّة مبادرات جدّية تُحدث قطيعة مع ممارسات النظام السابق، كما لم يستطع تبون، بعث رسائل سياسية ترسم ملامح المرحلة المقبلة.

 سياسة ارتجالية

في المحور الاقتصادي والاجتماعي للعمل الحكومي، وبعد قرابة شهر ونصف استغرقه إعداد مخطّط حكومي، لم يحمل هذا الأخير أي بوادر إصلاحات عميقة، تستجيب لرهانات الاقتصادية ووضعية المالية الصعبة التي تمرّ بها البلد، ماعد إجراءات مالية وجبائية جديدة، وتفاصيل تشريعية وتنظيمية حول بعض القطاعات المستحدثة مؤخّرًا، بينما تبقى الحوكمة الرشيدة وآليات ترشيد النفقات العمومية التي تثقل كاهل الدولة، مجرّد شعارات سياسية.

وذكرت تقارير إعلامية، أن مخطط الحكومة لم يخصّص له سوى خمس أيام من المناقشة أمام غرفتي البرلمان ومجلس الأمّة.

برلمان مرفوض

يُذكر أن الحَراك الشعبي، وأغلب التيّارات السياسية المعارضة، وحتى شخصيات وطنية، طَالبت بحل الهيئات التشريعية، وهذا نظرًا لارتباطهما بالنظام السابق، وتورّط بعض النوّاب وأعضاء مجلس الأمّة في الفساد والتزوير الانتخابي. هنا، يقول المحلّل السياسي محمد هناد على صفحته بموقع فيسبوك: "أيعقل أن تعرّض الحكومة مخطط عملها، على برلمان مزوّر نصبته العصابة للتصديق عليه".

من جهته، علق القيادي في حزب طلائع الحرّيات، مولود حشلاف على صفحته بموقع فيسبوك قائلًا: "رئيس الحكومة رافع لمكافحة المال الفاسد في السياسة، أمام برلمان أغلبه جاء نتاج المال الفاسد والتزوير".

هناك ملفّات كبرى على طاولة رئيس الجمهورية يقابلها ارتفاع سقف المطالب السياسية والاجتماعية في الشارع

هناك ملفّات كبرى على طاولة رئيس الجمهورية الجديد، يقابلها ارتفاع سقف المطالب السياسية والاجتماعية في الشارع، والمطلوب من رئاسة الجمهورية، وضع أولويات من أجل الانتقال الديمقراطي، وفتح نقاشات موسّعة مع فاعلين من المجتمع السياسي والمدني. أمّا الدور الإقليمي فتبقى نجاعته انعكاسًا عن استقرار الوضع الداخلي والجبهة الاجتماعية، وتكون الشرعية السياسية للسلطة، حصانة أمام المجتمع الدولي الذي ما فتئ يبتزّ مواقف دول العالم الثالث من أجل مصالحه، مقابل غضّ الطرف عن مسألة الشرعية السياسية والدستورية والممارسات القمعية للسلطة ضدّ المواطنين.

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل يُكمل تبون عهدته الرئاسية أم ينسحب في منتصف الطريق؟

تبون في أوّل ظهور له: مشتاقٌ لزيارة منطقة القبائل