16-ديسمبر-2019

تعهّد عبد المجيد تبون باسترجاع الأموال المهرّبة إلى الخارج (تصوير: رياض كرامدي/أ.ف.ب)

 بانتخاب عبد المجيد تبون رئيسًا ثامنًا للجمهورية الجزائرية، تجتاز البلاد مرحلة الفراغ المؤسّساتي الذي هدّدت به المؤسّسة العسكرية منذ بداية الحراك الشعبي، حيث أفضت الانتخابات الرئاسية الأخيرة إلى فوز وزير الحكومة الأسبق تبون، لتُفتح مرحلة سياسية جديدة تضع الرجل أمام عدّة تحديات من بينها فكّ الأزمة السياسية الداخلية، وإعادة الثقة بين مؤسّسات الدولة والمواطن، ومحاربة الفساد السياسي والمالي المستشري، إضافة إلى إيجاد مخرج للوضعية المالية والاقتصادية الصعبة التي تعيشها الجزائر.

الوضعية التي تمرّ بها البلاد اليوم، تحتاج إلى حلول راديكالية وإصلاحات عميقة في القطاع المالي والنشاط الاقتصادي

شرعية سياسية 

 يرى بعض المراقبين أن نسبة المشاركة الضعيفة في الانتخابات (39.93 بالمائة)، وتحصّل عبد المجيد تبون على 4.9 مليون صوت معبّر، من إجمالي كتلة انتخابية قدرت بـ 24.4 مليون ناخب، كلّها عوامل تهزّ من شرعية الرئيس المنتخب سياسيًا، وبالتالي قد ترهن قدرة تبون على إدخال إصلاحات سياسية عميقة مستقبلًا. في مقابل ذلك، يبقى الرجل يملك أوراقًا، قادرة على إعادة المصداقية السياسية والشرعية إلى جانبه.

اقرأ/ي أيضًا: العاهل المغربي يهنئ الرئيس تبون ويدعوه لفتح صفحة جديدة

أولوية الحلول السياسية

في هذا السياق، توجّه عبد المجيد تبون، في أوّل خطاب له بعد إعلان نتائج الاقتراع الذي قال إنه بركة من بركات الحراك الشعبي، ليمد يده إلى المتظاهرين في الشارع، "قصد الحوار الجاد من أجل الجزائر".

 وبخصوص هذه الورشة السياسة المعقّدة، يقول أستاذ العلوم السياسية، خالد توازي، إن خطوة تشكيل حكومة مكوّنة من إطارات وطنية، قد تضمّ شخصيات تنتمي للحراك، هي السبيل إلى تهدئة الأوضاع مرحليًا، ويضيف المتحدّث أن خطوات أخرى كحلّ البرلمان ومجلس الأمّة، والتفكير في مجلس انتقالي، كلّها عوامل تعمل على تهدئة الشارع.

القطيعة ليست غدًا

 وفي تقدير المحلّل السياسي، فإن القطيعة لن تحدث بين عشية وضحاها، موضحًا أن النظام يحاول تجديد نفسه، ويعود هذا، بحسب المتحدّث، إلى أن النخب السياسية في الجزائر غير مسيّسة بالقدر الكافي، على حدّ تعبيره.

وأوضح المتحدث أنّ العلبة السوداء في النظام السياسي جادّة في عملية التغيير، وهي تتبع مسارًا تدريجيًا، والتفاوض هو أحد خطوات التغيير والتحوّل، ويستطرد أن عملية التحوّل تعترضها عقبات كثيرة، الحراك من جهة، الرهانات الاقتصادية والاجتماعية من جهة ثانية، والرهانات الإقليمية والدولية التي تهدّد وجود الدولة الجزائرية بالصورة الحالية.

استعادة الأموال المنهوبة

يمتلك تبون بعض المفاتيح التي بإمكانه من خلالها أن يعيد المشهد السياسي إلى مساره الطبيعي ولصالحه؛ فقد تعهد الوافد الجديد إلى قصر المرادية، باسترجاع الأموال المنهوبة، حيث إن ملف الأموال المهرّبة إلى الخارج، كان من بين القضايا التي ارتكز عليها في برنامجه الانتخابي.

وقال تبون إن "الفساد لا يقبل العفو الرئاسي، حملة مكافحة الفساد والمفسدين ستتواصل"، وهي إشارة واضحة أن المخطط الرئاسي المقبل، سيجعل من محاربة المال السياسي، حصان طروادة لاسترجاع الثقة الهشة القائمة بين مؤسّسات الدولة والمواطن.

في مقابل ذلك، لم يبدِ تبون موقفًا صريحًا، من حلّ البرلمان، أو إعطاء تصوّر واضحٍ عن مصير أحزاب التحالف الرئاسي السابق، والتي ينظر إليها الشارع الجزائري على أنها مرتعٌ للفساد السياسي والمالي.

الإصلاحات الدستورية

 من جانبه شدّد ابن مدينة مشرية على مراجعة الدستور، مراجعة عميقة، تكرّس الفصل الحقيقي بين السلطات التنفيذية، والتشريعية والقضائية، ويعزّز الصلاحيات الرقابية للبرلمان، وتعهّد على حماية الحرّيات السياسية والحقوق الفردية والجماعية وحرّية الصحافة والإعلام، وهي الملفّات التي تنتظر حاكم قصر المرادية الجديد، لإعادة الثقة بينه وبين المجتمع السياسي والمدني والإعلامي.

الإصلاحات الاقتصادية

تُشير الإحصائيات الرسمية، إلى تراجع في احتياطي الصرف إلى مستويات خطيرة، وتراجع في المداخيل بالعملة الصعبة، وعجز في الموازنة العامة، إذ يشهد القطاع الاقتصادي والتجاري حالة من الإفلاس والشلل في الأشهر الأخيرة.

الوضعية التي تمرّ بها البلاد اليوم، تحتاج إلى حلول راديكالية وإصلاحات عميقة في القطاع المالي والنشاط الاقتصادي، بينما اكتفى تبون في برنامجه الانتخابي بعرض الخطوط العريضة، كتطهير القطاع البنكي وتوسيع قاعدة أوعية الضريبة والجباية العادية وتنويع الصادرات إلى الخارج، والاعتماد على القطاع الخاصّ، وتفادى تبون الحديث عن مجال الخوصصة، وكيفية التعامل مع المؤسّسات العمومية المفلسة، التي تكلّف الخزينة العمومية أموالًا باهظة.

رياض هاوي: الحكومة المقبلة عليها بالإسراع في اتخاذ جملة من الإجراءات التي تسمح بتجنيب البلاد هزّات اجتماعية 

حلول جذرية 

من جهته، يرى المختص في الشؤون المالية والاقتصادية، رياض هاوي، أن الحكومة المقبلة عليها بالإسراع في اتخاذ جملة من الإجراءات الراديكالية، تسمح بتجنيب البلاد هزّات اجتماعية تُضاف إلى الهزّة السياسية، ومن بين تلك التدابير، يضيف هاوي،  قطع يد الجهاز البيروقراطي ومنعه من تسيير الشأن الاقتصادي، وضرورة تحرير سعر الصرف بشكلٍ متدرج، وخوصصة البنوك العمومية، والفصل بين المال العام وأموال البزنس. كما دعا الخبير الاقتصادي إلى مراجعة الكتلة البشرية في القطاع العمومي، واستقطاب الشركات الأجنبية العملاقة، وتسهيل مجال إنشاء المؤسّسات، وتحرير سوق العقّار، على حدّ تعبيره.

 

اقرأ/ي أيضًا:

رسميًا.. الرئيس تبون يؤدّي اليمين الدستورية قبل نهاية الأسبوع

ثامن رؤساء الجزائر.. من هو عبد المجيد تبون؟