24-نوفمبر-2019

حملة اعتقالات واسعة منذ بداية الحملة الانتخابية في صفوف النشطاء (تصوير: رياض كرامدي/ أ.ف.ب)

يبدو أن الأسبوع الثاني من الحملة الانتخابية لرئاسيات 12 كانون الأوّل/ديسمبر المقبل، سيكون على الإيقاع نفسه الذي شهده الأسبوع الأوّل؛ إذ لا مشاهد في شوراع العاصمة الجزائرية توحي بوجود موعد انتخابي، فلا مداومات مفتوحة لمرشّحي الرئاسيات، ولا صور في الأماكن العامة، ولا تجمّعات شعبية. حتى الأماكن المخصّصة لإعلانات المرشّحين ما زالت فارغة، أما ما تنقله قنوات التلفزيون عن خطابات مرشّحي الرئاسيات في القاعات المغلقة، فيتمّ وفق دعوات رسمية خاصّة وتحت حراسة أمنية مشدّدة خوفًا من اقتحامات المحتجين.

عماد بوبكري: لا وجود حقيقي لحملة انتخابية بالمفهوم المتعارف عليه، لا شكلًا ولا مضمونًا

أين هي الحملة الانتخابية؟

في هذا السياق، يعلّق الصحافي عماد بوبكري، أنه لا وجود حقيقي لحملة انتخابية بالمفهوم المتعارف عليه، لا شكلًا ولا مضمونًا. موضّحًا أنه من الناحية الشكلية؛ لا وجود لمظاهر الحملة على أرض الواقع، لا تجمّعات شعبية ولا نقاشات جماعية، ولا اهتمام داخل الأوساط العمّالية أو الطلابية.

اقرأ/ي أيضًا: الانتخابات الجزائرية.. تغذّية الانتماءات القبلية والخضوع لسطوتها!

أمّا من حيث مضمون الحملة، يتابع بوبكري في حديث إلى "الترا جزائر" أن "الخطاب الانتخابي رديء ولا يتضمّن رؤىً وأفكارًا وبرامج قادرة على استقطاب المواطن لينخرط في العملية الانتخابية".

مرشح الرئاسيات عبد القادر بن قرينة

ويضيف المتحدّث المتابع للشأن السياسي، أن الحملة الانتخابية تفتقد إلى روح الجدّية والخطاب السياسي المسؤول، الذي يترفّع عن تقديم شعارات جوفاء ووعود كاذبة، على حدّ تعبيره.

في السياق نفسه، أبدى المصوّر الصحافي، أحمد بلغيث، أسفه من مجريات الحملة الانتخابية في أسبوعها الأوّل، أين كان يأمل أن تكون الحملة إضافة إلى مساره المهني. هنا يقول المتحدّث لـ "الترا جزائر" إنّه يعمل لصالح وكالة إعلامية على مستوى العاصمة، وكان من المفروض أن تكون العاصمة القلب النابض لهذا الحدث السياسي، "لكني تفاجأت بعدم تنظيم أي تجمّع شعبي على مستوى قاعات العاصمة، ولا وجود أيضًا لنشاط حواري للمرشّحين".

يُضيف بلغيث، أنه ماعدا تغطية واحدة للمرشّح عبد القادر بن قرينة أمام البريد المركزي، والتي دامت دقائق معدودة ألقى فيها كلمة مقتضبة وأسرع إلى سيارته تحت حراسة أمنية مكثّفة، لم يكن هناك أيّ نشاط آخر، على حدّ تعبيره.

خطابات أفشلت الحملة

من جهته، وفي إجابته عن سؤال متعلّق بغياب مظاهر الحملة الانتخابية لمرشّحي الرئاسيات، يُجيب الصحافي إسلام كعباش في اتصال مع "التر جزائر"، أنه يمكن اختصار السبب في زاويتين اثنتين: الأولى تتعلّق بمضمون الخطاب الذي يحمله المرشّحون الخمسة؛ فهناك إجماع على الانتخابات ورفضٌ للمرحلة الانتقالية من جهة، وتباين واضحٌ في طرق إصلاح النظام السياسي من جهة أخرى، والسبب الثاني، متعلّق بشكل ومجريات هذه الحملة، حيث تتميّز بانقسام في الشارع، مع ارتفاع حدّة المقاطعة والرفض.

 يقرّ كعباش بوجود خزان انتخابي معتبر لا يزال يُحافظ على منسوبه، ويريد الذهاب نحو الصناديق لتجاوز أزمة الشرعية، مستطردًا أن الأمر يتوقّف على قدرة استقطاب الناخبين من طرف المرشّحين.

تعاليق مواقع التواصل

 من جانبهم، تفاعل روّاد المواقع التواصل الاجتماعي منذ بداية الحملة الانتخابية بطريقتهم الخاصّة، حيث شارك نشطاء الفضاء الافتراضي، بعض مقاطع الفيديو لخرجات المرشّحين؛ وركّزوا من خلال تعاليقهم على هفوات المرشّحين والمواقف الطريفة التي حدثت معهم، أو تصريحاتهم المثيرة للجدل.

شارك عدد كبير من روّاد موقع فيسبوك، فيديوهات لمرشّحين زاروا الأضرحة والزوايا، وفيديوهات أخرى، أظهرت مرشّحين يذرفون الدموع بسبب مواقف معينة، وهو ما أطلق العنان للتعاليق والانتقاد.

ونال ظهور عبد القادر بن قرينة في أحد الفيديوهات، وهو يؤدّي الصلاة في الشارع على الرصيف، حصّة كبيرة من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ اعتبر كثيرون أن ما قام به كان من باب الاستعراض واستعطاف الناخبين.

التعاليق التي طاردت بن قرينة لم تتوقّف عند هذه المشاهد، بل طالت أيضًا تصريحاته التي اعتبر فيها أن ركوب سيارة أحد شيوخ الدين، وهي من طراز "مازدا"، يبشّر بالخير وحلول البركات ويجعله يتفاءل بالوصول إلى منصب رئيس الجمهورية.

هذه الصورة وغيرها، وصفها بعض متابعي الشأن السياسي، بأنها مجرّد استعراض واستهتار من المرشّحين، من شأنها تقويض العملية الانتخابية، أو عزوف الناخبين، وهو ما يعزّز أيضًا رأي أنصار المقاطعة، بعدم جدّية العملية الانتخابية، في ظلّ وجود مرشحّين أقلّ ما توصف به حملتهم الانتخابية، هو الارتجالية والشعبوية.

حملة انتخابية أم حملة اعتقالات؟

في سياق آخر، أظهرت فيديوهات وصور تداولتها مواقع التوصل الاجتماعي، عبر بعض ولايات الوطن، اعتراض أنصار الحراك الشعبي لبعض تجمعات مرشّحي الرئاسيات. ففي ولاية تلمسان أقصى غرب البلاد، تجمعّ أنصار معارضي الانتخابات، أمام قاعة نشط فيها علي بن فليس تجمعًا شعبيًا، وتعرّض المحتجّون لاعتقالات واسعة انتهت بالحكم على بعضهم بالحبس لمدّة سنة ونصف نافذة، وتكرّر الأمر مع بن فليس أيضًا في ولاية بسكرة جنوب شرق البلاد، ليودع الذين اقتحموا قاعة تجمّعه الحبس المؤقّت.

 وفي ظل ّعدم قدرة المرشّحين على تنشيط حملتهم الانتخابية في أجواء هادئة، يبقى الحراك الشعبي الرافض لإجراء الانتخابات الرئاسية يصنع الحدث السياسي. هنا، تتوقّع الباحثة الجامعية مليكة عساس، إمكانية إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها المحدّد مثلما أرادتها السلطة، وفي تقدير الباحثة، توجد فئة من الشعب تتخوّف من عواقب المقاطعة وانعكاساتها على مستقبل البلاد.

تضيف عساس في اتصال مع "الترا جزائر"، أن حملة المقاطعة قد تمسّ فئة واسعة من الشباب والمناضلين الراغبين في التغيير الحقيقي الجذري، وتعليقًا على مستوى الحملة الانتخابية تقول: "إن الخطاب السياسي المسؤول انتهى مع انتهاء الجيل الذهبي الذي أنتجته الحركة الوطنية والثورة التحريرية، بدليل ما أظهره بعض المرشّحين من الجيل الجديد، من مستوى ضعيف جدًا".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

حرب تصريحات بين فليس وتبّون.. نيران صديقة؟

حوار | علي بن فليس: حاصر الحراك الجزائري التصحر السياسي والمغامرة بمصير الدولة